بعد مرور عدة أشهر على انطلاقها، باتت مؤسسة هند رجب تشكل مصدر قلق بالنسبة إلى الجنود الإسرائيليين في أرجاء العالم، إذ كشفت عن ضعف الدبلوماسية الإسرائيلية، وكذلك الهسبارا في مواجهة المنظمات الحقوقية التي تعمل على ملاحقة الشخصيات السياسية والعسكرية، بمن في ذلك الجنود الإسرائيليون المتهمون بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين.
يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على نشأة مؤسسة هند رجب، ودوافع تأسيسها، وأبرز أنشطتها القانونية الموجهة ضد الشخصيات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، مضافاً إلى ذلك الخطوات التي تنتهجها إسرائيل في مواجهة هذه المؤسسة وغيرها من المؤسسات القانونية التي على شاكلتها.
التأسيس والأهداف
تأسست مؤسسة هند رجب في أيلول 2024 في بلجيكا؛ وذلك رداً على حرب الإبادة الإسرائيلية، وبمثابة ذراع قانوني لحركة 30 آذار/ مارس - وهي حركة سياسية تضم ناشطين سياسيين، ويحمل اسمها رمزية يوم الأرض الفلسطيني- ، ومن أبرز مؤسسيها الناشط البلجيكي – اللبناني دياب أبو جهجه[1]، الذي سبق له أن اشترك في دعاوى قانونية لملاحقة إسرائيل، كان أبرزها القضية التي رفعها العام 2002 في بلجيكا ضد رئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون.[2]
اختارت المؤسسة أن تتخذ من الطفلة الفلسطينية هند رجب، ذات الستة أعوام، التي استشهدت يوم 29 كانون الثاني 2024، اسماً لها؛ وذلك تكريماً للشهيدة وكل من فقدوا حياتهم أو عانوا جراء الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع.
يُوضح مؤسس المؤسسة أبو جهجه في مقابلة له أن مؤسسة هند رجب تعتمد طريقة منهجية وقانونية في توثيق ومتابعة جرائم الحرب التي يرتكبها الجنود الإسرائيليون،[3] وذلك عبر عدة مراحل رئيسية:
رصد وتحليل المحتوى الرقمي: حيث تقوم فرق مهنية من المؤسسة بمراقبة المنشورات التي ينشرها الجنود الإسرائيليون عبر منصات التواصل الاجتماعي، وجمع الأدلة التي تؤكد مشاركتهم في انتهاكات أو جرائم حرب.
التدقيق القانوني والمراجعة: تخضع الأدلة التي يتم جمعها في المرحلة الأولى لعملية تحليل دقيقة من قبل فريق قانوني مختص للتأكد من مدى إمكانية توظيفها في الإجراءات القضائية.
المتابعة القانونية والتقاضي: في الوقت الذي يصل الجندي المشتبه به إلى دولة تمتلك الولاية القضائية لملاحقته قانونياً، تقوم المؤسسة تقديم الشكاوى القانونية واتخاذ الإجراءات المناسبة لضمان محاسبته.
في السياق نفسه، يرى موقع "شومريم" أن تعقب المؤسسة للجنود أثناء سفرهم إلى الخارج، بهدف تسهيل اعتقالهم في الوقت الفعلي ليست معقدة ولكنها فعالة، حيث يعتمد أعضاء مؤسسة هند رجب على المنشورات التي يشاركها الجنود بأنفسهم على إنستغرام أو تلغرام أو فيسبوك، حينما ينشرون صوراً أو يحددون مواقعهم أثناء قضاء الإجازات في أماكن مثل شواطئ تايلاند وسريلانكا أو مدن أوروبية. وفي كثير من الأحيان، يتم العثور على صور عطلاتهم إلى جانب مقاطع الفيديو التي التقطوها خلال مشاركتهم في الحرب على غزة.[4]
تلاحق مؤسسة هند رجب ثلاث فئات، وهي على النحو التالي:
(*) الشخصيات السياسية والعسكرية، والجنود المسؤولون والمشاركون في جرائم الحرب.
(*) الشركاء، ويشمل ذلك شركات تصنيع الأسلحة في أوروبا التي تدعم إسرائيل.
(*) المحرضون على العنف ضد الفلسطينيين، مثل الأندية الرياضية التي تساهم في تشجيع العنف وتطبيعه.
إلى جانب تقديم ملفات قانونية إلى المحكمة الجنائية الدولية (ICC) تتضمن اتهامات ضد أكثر من ألف جندي وضابط إسرائيلي بارتكاب جرائم حرب في غزة ولبنان. علاوة على ذلك، تعمل المؤسسة بالتنسيق مع مكاتب محاماة دولية لاستهداف الجنود الإسرائيليين الذين يحملون جنسيات أوروبية، مما يسمح بمقاضاتهم أمام المحاكم في دولهم الأصلية، وفقاً لمبدأ الولاية القضائية العالمية.[5]
وترنو المؤسسة إلى تعزيز حضورها على المستوى العالمي. كما تلتزم المؤسسة برفع الوعي في العالم حول ما يتعرض له الفلسطينيون من ممارسات إسرائيلية: "نكافح السرديات التي تحجب حقيقة هذه الجرائم لضمان أن تُسمع أصوات الضحايا وتُذكر"، كما وصفت نفسها.
تحركات قانونية في أروقة المحاكم الدولية
بذلت المؤسسة جهوداً قانونية لملاحقة المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في جرائم حرب، مع التركيز على الجرائم التي ارتكبت بحق الفلسطينيين منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وقد شهدت الأشهر الأخيرة سلسلة من الإجراءات القانونية التي استهدفت شخصيات سياسية وعسكرية إسرائيلية[6]، أبرزها:
يوم 9 كانون الثاني 2025- رفعت المؤسسة دعوى قضائية في السويد ضد القناص بوعز بن دافيد، من كتيبة932 التابعة للواء ناحال، متهمةً إياه بارتكاب عمليات قتل ممنهجة بحق المدنيين الفلسطينيين.
يوم 13 كانون الثاني 2025- تقديم طلب اعتقال بحق اللواء غسان عليان، رئيس وحدة منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية (COGAT) إلى السلطات الإيطالية والمحكمة الجنائية الدولية، بتهمة الإشراف على سياسة تجويع سكان غزة كأداة حرب.[7]
يوم15 كانون الثاني 2025: رفعت المؤسسة دعوى قانونية في تايلاند ضد الجندي جاي عزران، من الكتيبة 432 التابعة للواء جفعاتي، وذلك بعد انتشار صور توثق تورطه في اختطاف مدنيين فلسطينيين خلال الحرب على غزة.
يوم 18 كانون الثاني 2025: تم تقديم شكوى جنائية في إسبانيا ضد الجندي موري كيسار، من لواء جفعاتي، بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية. وفي23 كانون الثاني 2025، تم تقديم دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد الجندي أفراهام زاربيف، من لواء جفعاتي، لدوره في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
يوم 26 كانون الثاني 2025: قدمت المؤسسة شكوى في بلجيكا ضد وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي، استندت الشكوى إلى أن هذه التهديدات تندرج ضمن جرائم الإرهاب بموجب القانون البلجيكي، ومع عدم تمتّع شيكلي بأي حصانة دبلوماسية، تم إلغاء زيارته لبروكسل خوفاً من الاعتقال، مبرراً ذلك بإعتبارها تحذيرات أمنية ملموسة.[8]
يوم 8 شباط 2025: قدمت المؤسسة طلباً إلى المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرة اعتقال بحق العميد يهودا فاخ، قائد الفرقة 252 في الجيش الإسرائيلي، بسبب تورطه في الجرائم المرتكبة ضد المدنيين الفلسطينيين، لا سيما في ممر نتساريم.
يوم 11 شباط 2025: رفعت المؤسسة دعوى قضائية في البرازيل ضد الجندي يوڤال ڤاجداني، الذي ظهر في صور توثق عمليات هدم منازل الفلسطينيين في غزة، قبل أن يفر من البلاد تجنباً للملاحقة القضائية.
أخيراً، في 16 شباط 2025: قدمت المؤسسة شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد وزير الخارجية الإسرائيلية جدعون ساعر، متهمةً إياه بالتورط المباشر في جرائم حرب، إلى جانب بنيامين نتنياهو.[9]
إسرائيل في مواجهة هند رجب: سياسات التصدي والتضييق
مع تصاعد أنشطة مؤسسة هند رجب، لجأت إسرائيل إلى سلسلة من الإجراءات الرامية إلى تقويض عملها وتشويه صورتها وذلك عبر وسائل متعددة تتراوح بين الحملات الإعلامية، التهديدات المباشرة، سن القوانين في الكنيست وداخل المؤسسة العسكرية.
تحذيرات للجنود: حيث عملت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على تحذير جنود الجيش الإسرائيلي من إمكانية تعرضهم للاعتقال أثناء سفرهم إلى الخارج، نتيجة للملاحقات القانونية المحتملة.[10]
إزالة المحتوى الرقمي: أصدرت القيادة العسكرية أوامر للجنود والضباط بحذف أي صور أو مقاطع فيديو منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي قد توثق مشاركتهم في الحرب على غزة، وذلك في محاولة للحد من الأدلة التي قد تُستخدم ضدهم قانونياً.[11]
الحملات الإعلامية والتشويه
في خضم المساعي الإسرائيلية لنزع شرعية مؤسسة هند رجب، أصدرت وزارة الشتات الإسرائيلية بتاريخ 7 كانون الثاني 2025، تقريراً من 12 صفحة، يحتوي على إتهامات ضد مؤسسي المؤسسة بدعوى دعمهم لما وصفته إسرائيل بــ "الإرهاب"، ومحاولة ربطهم بفصائل المقاومة مثل حماس وحزب الله، بل وذهبت أبعد من ذلك إلى الإدعاء بتأييدهم هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة.[12]
التهديدات المباشرة
إلى جانب الحملات الدعائية، لجأت شخصيات سياسية إسرائيلية إلى التهديد العلني ضد مسؤولي المؤسسة عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث نشر وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي تغريدة عبر منصة x تتضمن تهديداً مبطناً ضد مؤسس المؤسسة، دياب أبو جهجه، حيث كتب: "تحية لناشط حقوق الإنسان. انتبه لجهاز النداء الخاص بك".[13] في إشارة واضحة إلى إمكانية استهدافه من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. وفي تصريح آخر قال شيكلي: "ينشطون في نشر معاداة السامية والتحريض على الكراهية ضد إسرائيل في جميع أنحاء أوروبا".[14]
الإجراءات القانونية
في إطار مواجهة إسرائيل للجهود القانونية التي تخوضها مؤسسة هند رجب، استعانت إسرائيل بمجموعة من الخبراء القانونيين لتقييم ودراسة المخاطر القضائية المتوقعة التي قد تطاول جنودها ومسؤوليها في الخارج، كما بادرت وزارة الخارجية بالتعاون مع وزارة الدفاع إلى إنشاء قسم مشترك بينهما لمواجهة الملاحقات القانونية،[15] وهذا يدلل على أن الجهود القانونية لمؤسسة هند رجب ما زالت تُثير قلق إسرائيل المتزايد.
التشريعات المضادة
لم تقف جهود إسرائيل في مواجهة مؤسسة هند رجب عند المستوى الإعلامي والقانوني، بل شملت سن تشريعات وقوانين تهدف إلى حماية الجنود والمسؤولين الإسرائيلين من الملاحقة. ففي 19 شباط 2025، أقرّ الكنيست الإسرائيلي قوانين لحماية جنوده ومسؤوليه، تضمنت منع منح تأشيرات دخول لأي فرد أو منظمة تدعم مقاطعة إسرائيل أو تقدم أدلة ضدها في المحاكم الدولية.[16] كما أصدر الجيش قراراً بإخفاء هويات الجنود في الصور والمقاطع الإعلامية؛ إلا بعد الحصول على أذونات خاصة من قيادة الجيش، للحد من إمكانية استهدافهم قانونياً.[17]
من جهته، يرى المحامي دافيد بنيامين، الخبير في القانون الدولي والمسؤول السابق في النيابة العسكرية الإسرائيلية، أن أفضل دفاع للجيش الإسرائيلي ضد الإجراءات القانونية الدولية هو التعامل مع هذه القضايا داخلياً، عبر فتح تحقيقات جادة وإجراء محاكمات إذا لزم الأمر، لإظهار أن هذه الحوادث لا تعكس سياسة الجيش الرسمية. ووفقاً لصحيفة "هآرتس"، لم يقدم الجيش الإسرائيلي سوى 15 لائحة اتهام ضد جنود يُشتبه في ارتكابهم انتهاكات أثناء الحرب، ومعظمها يتعلق بحالات سرقة، من دون أي تهم تتعلق بقتل أسرى أو مدنيين فلسطينيين.[18]
أخيراً، يواجه الجيش الإسرائيلي عقبات داخلية تتعلق في تنفيذ هكذا تحقيقات، حيث يهاجم سياسيون وجماعات يمينية أي محاولة للتحقيق في سلوك الجنود، مما يقوض مصداقية الجهاز القضائي الإسرائيلي ويمنع إجراء تحقيقات مستقلة ضرورية للحفاظ على الشرعية الدولية من وجهة نظر إسرائيل، وفق ما يرى دافيد بنيامين.[19]
[1] الموقع الرسمي لمؤسسة هند رجب. تاريخ المشاهدة 26 شباط 2025، للمزيد أنظر/ي https://www.hindrajabfoundation.org/
[2] وزارة الشتات الإسرائيلية." كشف الكراهية: الوجه الحقيقي لمؤسسة هند رجب"، 07.01.2025، تاريخ المشاهدة 25.02.2025، للمزيد أنظر/ي https://www.gov.il/he/pages/special_report_hrf_foundation_2025-01
[3] آمي غودمان. "السعي لتحقيق العدالة": كيف تلاحق مؤسسة هند رجب جنود إسرائيل بسبب جرائم الحرب، ديموقراسي ناو، 13 كانون الثاني 2025، تاريخ المشاهدة 27 شباط 2025. https://www.democracynow.org/2025/1/13/seeking_justice_how_the_hind_rajab
[4] ميلان تشيرني، "كشف: المنظمة الأوروبية التي تتعقب الجنود الإسرائيليين حول العالم وتجبرهم على الاختيار بين الفرار أو الاعتقال"، تحقيق منشور في شومريم، كانون الثاني 2025، تاريخ المشاهدة 27 شباط2025 https://www.shomrim.news/hebrew/hind-rajab
[5] الموقع الرسمي لمؤسسة هند رجب، مصدر سبق ذكره.
[6] المصدر السابق.
[7] يديعوت أحرونوت، "مؤسسة هند رجب تطلب اعتقال ضابط إسرائيلي في إيطاليا بتهم جرائم حرب"، 13 كانون الثاني 2025، تاريخ المشاهدة 25 شباط 2025 https://www.ynet.co.il/news/article/rkpqohrije
[8] إيتمار أيخنر، "شيكلي نُصح بإلغاء رحلته بسبب ’تحذيرات ملموسة‘، مؤسسة هند رجب: ’يحاول التهرب من العدالة‘"، يديعوت أحرونوت، 26 كانون الثاني 2025، تاريخ المشاهدة 25 شباط 2025 https://www.ynet.co.il/news/article/rjwh6wnokx
[9] Y-net. "المؤسسة التي "تلاحق" الإسرائيليين في الخارج تقدّم شكوى إلى لاهاي ضد وزير الخارجية ساعر: "مجرم حرب" 16 شباط 2025، تاريخ المشاهدة 25 شباط 2025، https://www.ynet.co.il/news/article/s14nr3jq1e
[10] آمي غودمان، مصدر سبق ذكره.
[11] المصدر السابق
[12] وزارة الشتات الإسرائيلية، مصدر سبق ذكره.
[13] ليزا. روزوفسكي، "رئيس مؤسسة مؤيدة للفلسطينيين يرفع شكوى ضد شيكلي في بروكسل: 'هددني بالموت'"، صحيفة هآرتس، 28 كانون الثاني 2025، تاريخ المشاهدة 25 شباط 2025. https://www.haaretz.co.il/news/politics/2025-01-28/ty-article/.premium/00000194-adf6-dbc9-a59f-adff5f4d0000
[14] إيتمار آيخنر، ساعر هاس، "تعرف على مؤسسي مؤسسة هند رجب: من يتعقب جنود إسرائيل حول العالم؟"، يديعوت أحرونوت، 11 كانون الثاني 2025، تمت المشاهدة في 27 شباط 2025. https://www.ynetnews.com/article/byyyk9ypkx
[15] كيكار هشبات، "الإرهابيون في البدلات الرسمية: الأشخاص وراء المؤسسة التي تلاحق جنود الجيش الإسرائيلي حول العالم"، 16 كانون الثاني 2025. تاريخ المشاهدة 25 شباط 2525. https://www.kikar.co.il/world-news/hind-rajab-foundation-profile
[16] مدار، بالقراءة التمهيدية مشروع قانون يحظر على أي جهة إسرائيلية رسمية أو خاصة تقديم أدلة للمحكمة الدولية ضد إسرائيل، الراصد القانوني، https://2u.pw/Rsky38aB
[17] كيكار هشبات، " أمر جديد وجذري في الجيش الإسرائيلي: إخفاء الهويات من الآن فصاعداً"، 8 كانون الثاني 2025، تاريخ المشاهدة 25 شباط 2025، https://www.kikar.co.il/security-news/idf-soldiers-identity-protection
[18] موقع شومريم، مصدر سبق ذكره.
[19] موقع شومريم، مصدر سبق ذكره.
المصطلحات المستخدمة:
يديعوت أحرونوت, هآرتس, ناحال, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو