بعد ثلاث سنوات على حرب لبنان الثانية قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، دان حالوتس، الذي كان أول من دفع ثمن إخفاقاتها بالاستقالة، إن توجهه خلال الحرب كان يقضي بتنفيذ عمليات عسكرية بقوة كبيرة للغاية وإظهار وكأن "صاحب البيت قد جنّ". وقال حالوتس خلال يوم دراسي حول حرب لبنان الثانية نظمه معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، اليوم الأحد – 12.7.2009، بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة على شن إسرائيل الحرب على لبنان، إنه في أساس توجهه لإدارة الحرب "كان التوجه بتنفيذ عملية بقوة بالغة، وهو التوجه الذي إذا كنا نرغب بالحياة في الحلبة الشرق الأوسطية، فإن علينا أن ننفذ أحيانا عملية عسكرية بشكل يظهر منها وكأن ’صاحب البيت قد جنّ’".
واعتبر حالوتس أن "قرار حكومة إسرائيل بالعمل (عسكريا) في لبنان كان صحيحا وعادلا وعبّر عن فهم للواقع". وقال إن شكل العمليات العسكرية والغارات الشديدة التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي خلال الحرب تبلورت لديه خلال فترة سبقت الحرب "وهي لم تولد جراء عملية الاختطاف (أي هجوم حزب الله وأسر جنديين إسرائيليين صبيحة 12 تموز). وكانت الفكرة دفع حزب الله إلى ما وراء السقف الذي سار عليه. نعم، كان بالإمكان الاستمرار في اختيار سياسة النعامة والاعتقاد بأن الصواريخ (لدى حزب الله) ستستمر في الصدأ. وكان بالإمكان الاكتفاء برد فعل موضعي. وكان بالإمكان أيضا التفكير بالتريث والاستعداد لعملية واسعة. واليوم أيضا لو توفرت المعطيات ذاتها كنت سأوصي بنمط العملية ذاته". وتابع حالوتس "هل فكر أحد ما بأن التوصية أمام القيادة السياسية بالعمل (عسكريا) كانت قرارا وُلد في لحظة الاختطاف؟ إذا كان الأمر كذلك فإني أقول إن رأيه لا يستند إلا على شكوك في قلبه وسخافة وجنون".
وخلافا لتصريحات كبار قادة الجيش الإسرائيلي حول عدم توضيح الحكومة الإسرائيلية غايات وأهداف الحرب، إلا أن حالوتس قال إنه "تم تسجيل الأهداف الإستراتيجية بلغة واضحة وتم استعراضها والمصادقة عليها. وهي وقف الإرهاب من داخل لبنان باتجاه إسرائيل، ولم يتم هنا تعريف البعد الزمني، والمس بشكل كبير بحزب الله، وممارسة ضغوط على حزب الله لإعادة المخطوفين". وأضاف "أنا عارضت أن يكون العنوان إعادة المخطوفين لأن هذه مهمة لن نحققها منذ اليوم الأول. واعتقدت أنه لا يمكن تحقيقها من خلال عملية عسكرية، لكن هذا كان الهدف النهائي".
وقال حالوتس إن "التوقعات لتنفيذ خطوات مثلما حدث في حرب الأيام الستة أنشأها الآخرون وليس الجيش الإسرائيلي. وكنا نعرف أن هذا نوع آخر من القتال في مواجهة إرهاب يختبئ خلف سكان مدنيين وبريئين بغالبيتهم، فليس كل شيعي هو عدو لدولة إسرائيل". وأضاف "أنا لا أعتزم صبغ أي شيء باللون الزهري. ولن أستخدم كلمة انتصار. ولن اهرب من الانتقادات التي بعضها صحيح. ومع كل الاحترام لأولئك الذين تفرجوا، فإن ليس كل ما قيل كان مهنيا بل كانت هناك أسباب أخرى".
وهاجم حالوتس وزير الدفاع الإسرائيلي، ايهود باراك، الذي قال، الأسبوع الماضي، في سياق الحرب، إن "بطولة المقاتلين غطت على إخفاقات المستويات التي فوقهم". وقال حالوتس من دون أن يذكر باراك بالاسم إن "بطولات المقاتلين هي ميزة بحد ذاتها، وربطها بإخفاقات المستويات التي فوقهم والذين ما زال بعضهم يخدم في الجيش الإسرائيلي ويتوقع ترقيتهم لمناصب أعلى، هو أمر لا ينبغي فعله ولم يحدث أبدا. وكل من قاد مرة جنودا قد يكون مكشوفا لاعتبارات متدنية المستوى كهذه" في إشارة إلى انتقادات وجهت في الماضي إلى باراك عندما كان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي.
من جانبه قال نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي خلال حرب لبنان الثانية، اللواء في الاحتياط موشيه كابلينسكي، في اليوم الدراسي نفسه، إنه كانت هناك إخفاقات كثيرة ارتكبتها الحكومة والجيش الإسرائيلي وتتعلق بشكل إدارة الحرب. وقال إنه "كانت للجيش الإسرائيلي والحكومة إخفاقات كثيرة في إدارة الحرب".
وأوضح كابلينسكي أن "الجيش الإسرائيلي لم يستخدم الخطة العسكرية، التي أعدها للرد على خطف جنود وإطلاق صواريخ (على الجبهة الداخلية الإسرائيلية)، ولم نستخدم كافة الوسائل والوحدات التي تحت تصرفنا وتأخر تجنيد (قوات) الاحتياط". وأشار إلى أنه "لم يكن هناك قاسما مشتركا بين القيادة العسكرية والقيادة السياسية والحكومة لم تحدد للجيش أهداف القتال" خلال الحرب.
واعتبر كابلينسكي أن تقليص ميزانية الجيش ساهم في إخفاقات الجيش خلال حرب لبنان الثانية، وقال إنه "عندما يكون مفروضا على الجيش تقليصات بالملايين فما الذي تبقى لعمله. وربط كلا السببين، محاربة الإرهاب والتقليصات، هما اللذان جعلا الجيش الإسرائيلي يصل إلى لبنان غير مستعد". وأضاف أن "قادة الكتائب لم يخضعوا لتدريبات، والجنود الذين تجندوا وجدوا أنفسهم للمرة الأولى مع كتائب من دون أن يكونوا قد مروا بعمليات تدريب منظمة، وقادة الكتائب الذين لم يقودوا كتيبة دبابات أبدا تم إرسالهم إلى لبنان. وكانت هناك وحدات احتياط التي لم تنفذ تدريبا واحدا منذ ست سنوات".
وأشار كابلينسكي إلى أنه "في السنوات التي سبقت حرب لبنان الثانية انشغل الجيش الإسرائيلي بالأساس في محاربة الإرهاب في الضفة الغربية وبنجاح، وقد طلبنا من قادة الألوية الجلوس في الخلف وربما كان هذا ما أوجد لدى الجمهور مصطلح 'قادة البلازما' (أجهزة تلفزيون البلازما) لكن هذا تسبب بالظلم للضباط لأنهم لم يكونوا كذلك وفي الحرب ضد الإرهاب كان هذا الوضع صحيحا". وقال "إننا لم ننجح في أن نوضح بأننا نخوض حربا وأنها ليست استمرارا مباشرا للعمليات الجارية خلال السنوات الست التي مضت في الضفة الغربية والجيش لم يبث أن الحديث يدور عن حرب".
من جانبه وجه رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، اللواء في الاحتياط غيورا آيلاند، انتقادات للحكومة السابقة، برئاسة ايهود اولمرت، وأنها أمرت في حرب لبنان الثانية والحرب على غزة بتنفيذ عمليات عسكرية من دون تحديد غاية واضحة ومحددة. وقال آيلاند إنه "عندما خرجنا إلى (عملية) 'الرصاص المصبوب' لم يكن واضحا ما الذي يريدون تحقيقه، والتعريف الذي وضعته القيادة السياسية هو إيجاد ظروف أمنية أفضل، وهذا التعريف لا يمكن ترجمته للقيادة العسكرية. وفقط بعد مرور ثلاثة أيام (على الحرب) بدأت المداولات، وماذا كان الهدف عندما بدأت عملية الرصاص المصبوب؟ أنا سأقول لكم، لم يكن الهدف محددا". ورأى أن المشكلة نفسها أدت إلى إخفاقات إسرائيل خلال حرب لبنان الثانية "وإذا عدنا إلى اجتماع الحكومة الذي عقد في 12 تموز (2006) سنرى أنها لم تعرّف الهدف بالشكل الصحيح".
وتابع آيلاند أنه كان على أولمرت القول بعد هجوم حزب الله وأسر الجنديين الإسرائيليين "إننا سننفذ عملية انتقامية قوية ونشغل سلاح الجو ليومين أو ثلاثة، وهكذا فإن الثمن الذي سيدفعه حزب الله سيكون كبيرا ويمكن الافتراض أنه بعد اليومين سيصرخ العالم مطالبا بوقف إطلاق النار، وكان من شأن عملية كهذه أن ترمم قدرة الردع الإسرائيلية والثمن الذي سيدفعه الجانب الآخر كبيرا ورغم أن الانجاز سيكون محدودا لكن الثمن (الذي ستدفعه إسرائيل) سيكون منخفضا".
وقال عضو الكنيست من حزب كديما وعضو الحكومة الأمنية المصغرة السابقة، شاؤل موفاز، إن إسرائيل حققت قدرة ردع محدودة أمام حزب الله خلال حرب لبنان الثانية. وقال موفاز في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية العامة، اليوم، إن "إسرائيل حققت قدرة ردع محدودة أمام حزب الله وقد كانت الحرب بمثابة إهدار فرصة لأنه كان بالإمكان تحقيق انجازات أكثر".
وأضاف موفاز، وهو وزير دفاع ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، أنه "يوجد لدى حزب الله اليوم صواريخ أكثر بكثير مما كان لديه قبل الحرب كما أن مدى هذه الصواريخ أطول". وتابع أن "التهديد الصاروخي على إسرائيل من جانب حزب الله أكبر من التهديد الصاروخي الإيراني، والهدوء الحاصل الآن (عند الحدود الإسرائيلية اللبنانية) قابل للاشتعال، كما أن نوايا إيران وحزب الله لم تتغير والهيمنة الشيعية تتزايد في منطقتنا".
وبشأن قرار الحكومة الأمنية المصغرة بشن الحرب على لبنان قبل ثلاث سنوات قال موفاز إن القرار كان "تنفيذ عمليات عسكرية (ردا على هجوم حزب الله وأسر الجنديين الإسرائيليين) لكن حدود هذه العمليات لم تكون واضحة في حينه". وشدد موفاز على أن "المشكلة المركزية في هذه الحرب كانت عملية اتخاذ القرارات" في إسرائيل "ولو تم تجنيد قوات الاحتياط في الوقت المناسب لتم منع سقوط عدد كبير من القتلى" في الجانب الإسرائيلي.
ويذكر أن حرب لبنان الثانية اندلعت في 12 تموز/يوليو من العام 2006 واستمرت 33 يوما وأقرت لجان تحقيق تم تشكيلها في إسرائيل بعد الحرب أن القيادتين السياسية والعسكرية أخفقتا بشكل خطير.