أبرزت عناوين الصحف الإسرائيلية الصادرة، اليوم الثلاثاء – 12.5.2209، وجود غضب في إسرائيل بسبب عدم اعتذار البابا بنديكتوس السادس عشر عن محرقة اليهود إبان الحكم النازي لألمانيا، خلال خطابه في متحف "يد فَشيم" المحرقة في القدس الغربية، أمس. ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن رئيس الكنيست، رؤوفين ريفلين، قوله "لقد جئت إلى خيمة 'أذكر' في متحف يد فشيم ليس فقط من أجل الاستماع إلى أوصاف تاريخية أو إلى حقيقة حدوث المحرقة، وإنما جئت كيهودي يطالب بسماع طلب بالاعتذار والصفح من أولئك الذين تسببوا بكارثتنا، وبينهم الألمان والكنيسة، لكن لأسفي فإني لم أسمع شيئا من هذا القبيل".
كذلك قال رئيس متحف "يد فَشيم" والحاخام الرئيسي السابق لإسرائيل، مائير لاو، إن "مجرد زيارة البابا وخطابه يستحق التقدير. لكن خطابه تضمن إهدار فرصة تاريخية، وينقصني التعبير عن المشاركة في الألم والأسى" على ضحايا المحرقة.
ورغم أقوال المسؤولين الإسرائيليين، إلا أن لممثلي الناجين من المحرقة كان رأي آخر. وقال أحد الناجين الذي صافح بنديكتوس، ويدعى آد موسبرغ، "لقد كنت راضيا من وجوده ومن حقيقة انه استمع إلي. وقد قلت له إنني أطلب منك أمرا واحدا فقط، وهو التنديد بكل من ينكر المحرقة".
ورأى رئيس مركز منظمات الناجين من المحرقة نوح بلوغ "إني لا أتوقع منه (أي من البابا) أن يتحدث مثل الحاخام لاو، فهو ليس رئيس منظمة صهيونية". وأضاف بلوغ "لقد جاء (البابا) إلى هنا من أجل تقريب الكنيسة من اليهودية. وينبغي رؤية زيارته بأنها إيجابية وهامة، وبالإمكان مطالبة البابا بأمور معينة لكنه في نهاية المطاف يتصرف مثل كاهن".
ويذكر أن ريفلين والحاخامات ووزراء حزب شاس الديني المتشدد الأربعة قاطعوا مراسم استقبال البابا فيما شارك ريفلين ولاو في استقبال البابا في متحف المحرقة.
وقال الوزير والجنرال في الاحتياط، يوسي بيلد، إنه شعر "بقشعريرة" عندما صافح البابا وأنه "عندما شاهدته ومساعديه بعباءاتهم عدت إلى أيام طفولتي".
وذكرت يديعوت أحرونوت أن بيلد ولد في بلجيكا وخلال الحرب العالمية الثانية تم تركه مع شقيقاته لدى عائلة مسيحية، وكان عمره نصف عام، وعندما انتهت الحرب عادت والدته من معسكرات النازيين وأخذت أولادها، وكان عمر بيلد ثمانية أعوام، فيما قُتل والده في أحد معسكرات الإبادة النازية، وعندما صافحه البابا أمس تم رواية قصة بيلد على مسمعه. وقال بيلد إن "هذا ليس بالأمر البسيط، لكن من الجهة الثانية لم أتردد في ما إذا كنت سأقابله وأصافحه أم لا فهو زعيم أكثر من مليار مؤمن، لكن عندما صافحته جرت قشعريرة في جميع أنحاء جسدي وعدت فجأة لأكون ولدا ابن ثمانية أعوام كان يذهب إلى الكنيست كل يوم أحد".
وندد البابا خلال خطابه في "يد فشيم" مساء أمس بكل من ينكر المحرقة في جميع أنحاء العالم وقال إنه "يحظر محو ذكرى ضحايا المحرقة". وكان البابا قد وصل إلى الأراضي المقدسة، أمس، في زيارة تستمر حتى يوم الجمعة المقبل يزور خلالها إسرائيل والأراضي الفلسطينية. ويشمل برنامج البابا، اليوم، زيارة للحرم القدسي ولقاء مع مفتي القدس محمد حسين وزيارة لحائط البراق ولقاء مع الحاخامات وقداس كبير في كنيست الجسمانية في القدس الشرقية.
وقال بنديكتوس السادس عشر لدى وصوله إسرائيل، قبيل ظهر أمس الاثنين، إنه جاء للأرض المقدسة للصلاة من أجل السلام فيها وحل الدولتين بينما استقبله اليمين الإسرائيلي بعداء تمثل بالمقاطعة ورفع دعوى قضائية ضده. وقال بنديكتوس خلال مراسم استقباله في مطار بن غوريون الدولي قرب تل أبيب، إنه "جئت إلى الأراضي المقدسة للصلاة، خصوصا من أجل السلام، السلام في الأرض المقدسة وفي جميع أنحاء العالم". وتطرق إلى حل الدولتين من أجل تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين قائلا إن "على الشعبين العيش بسلام في دولتيهما مع حدود دولية معترف بها".
من جهة ثانية أشار بنديكتوس إلى زيارته المشحونة بالتوتر إلى متحف "يد فَشسم" وقال إنه "من الصواب والمناسب أن تسنح لي الفرصة خلال زيارتي هنا إبداء الاحترام للقتلى الستة ملايين الذين سقطوا خلال المحرقة". وأضاف أنه "للأسف الشديد، لا يزال العداء للسامية يرفع رأسه في أماكن عدة في أنحاء العالم، وهذا أمر غير مقبول ويجب محاربة العداء للسامية في كل مكان في العالم".
من جانبه افتتح الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس خطاب استقباله للبابا قائلا "إني أنظر إلى زيارتك هنا، في الأرض المقدس، على أنها رسالة روحانية بالغة الأهمية وهي رسالة سلام ورسالة زرع بذور التسامح واقتلاع أعشاب التعصب الظلامي". وأثنى بيرس على مواقف ونشاط البابا من أجل الحد من العنف والكراهية في العالم وعبر عن ثقته من استمرار الحوار بين اليهودية والمسيحية "بموجب تراث الأنبياء". وقال بيرس إنه "يعيش في إسرائيل سوية اليهود والمسيحيون والمسلمون والبدو والشركس. وجميعهم يعيشون على الأرض ذاتها وتحت السماء ذاتها ويصلون لله الذي في السماوات، وبإمكان كل واحد الصلاة بلغته وبموجب كتابه المقدس من دون أي تدخل خارجي".
وادعى بيرس أن "إسرائيل تحافظ على حرية العبادة والوصول إلى الأماكن المقدسة"، علما أن إسرائيل تمنع الفلسطينيين من الوصول إلى القدس للصلاة في المسجد الأقصى منذ العام 2000 وغالبا ما تفرض قيودا على وصول المقدسيين ومواطنيها العرب من الدخول إلى الحرم القدسي. ومضى بيرس أن إسرائيل توصلت إلى اتفاق سلام مع مصر والأردن وادعى أنها تجري مفاوضات سلام مع الفلسطينيين، رغم أن هذه المفاوضات متجمدة، واعتبر أنه "من الجائز أن نتوصل إلى سلام إقليمي شامل" في الشرق الأوسط.
تعهد البابا في خطاب ألقاه خلال زيارته متحف "يد فشيم" بعدم السماح بتكرار المحرقة. وقال "إنني أقف هنا بصمت أمام الصرح الذي تم بناؤه لذكرى ملايين اليهود الذين قتلوا في المأساة المروعة التي هي المحرقة، وقد فقدوا حياتهم لكنهم لن يفقدوا أسماءهم أبدا فهي محفورة في قلوب أقربائهم وأصدقائهم الأسرى الذين بقوا على قيد الحياة وفي قلوب جميع أولئك المصرين على عدم السماح لمثل هذه الفظائع أن تفرض العار على الجنس البشري مرة أخرى". وأضاف أن "الكنيسة ملزمة بالصلاة والعمل دون هوادة من أجل ضمان ألا تسكن الكراهية في قلوب البشر أبدا".
وقبل ذلك التقى بنديكتوس مع بيرس في ديوان الرئيس الإسرائيلي الرسمي، وقال إن "الأمن الدائم هو مسألة ثقة التي تكون مبنية على العدل والاستقامة والتقارب بين القلوب ويجعل أحدنا ينظر إلى الآخر بالعينين والاعتراف بأنك مساو لي وأنك أخي وأنت أختي". ووعد بنديكتوس بيرس "ورئيس ا لحكومة بنيامين نتنياهو وحكومته الجديد وكل سكان دولة إسرائيل بأن تكون رحلة حجي في الأراضي المقدسة رحلة صلاة من أجل الهدية الأغلى من الذهب، ومن أجل الوحدة والسلام في الشرق الأوسط وللبشرية جمعاء". وأضاف أن القدس "كانت دائما ملتقى البشر من أصول مختلفة وتمنح اليهود والمسيحيين والمسلمين الواجب والحق بأن يكونوا شاهدين سوية على التعايش بسلام".
من جانبه تحدث بيرس عن "العلاقة التاريخية والدينية بين اليهودية والمسيحية والشعوب المسيحية" كما تحدث عن محرقة اليهود إبان الحكم النازي لألمانيا ورأى أن كل هذه تقود إلى إدراك الحاجة للتسامح والسلام. وقال بيرس للبابا "إننا نرى بك رجل سلام وزعيم روحي كبير ورسول يملك قوة كبيرة لبث رسالة السلام إلى هذه البلاد وبقية بلدان العالم". وأضاف بيرس أن "علينا ترك الخلافات للتاريخ وأن نكتب التاريخ الجديد بأحرف الإيمان والسلام، والضحايا الأعزاء الذين فقدناهم في ميادين القتال والآمال الأفضل اجتمعت حول طاولة المفاوضات... وعلينا إخلاء الألغام من طريق السلام".
ومضى بيرس أن "شعبنا مر بدرب آلام ودولتنا قامت من رماد ضحايا المحرقة الهتلرية (نسبة إلى الزعيم النازي أدولف هتلر) وحولنا دخان المحارق في معسكرات الإبادة إلى عامود النار الذي نواصل حياتنا على ضوئه، وبيتنا في إسرائيل هو بيت الحياة للاجئين من الدمار الذي شاهدوا أمام أعينهم الموت وحسب". وخلص بيرس إلى أن "هذا العام، عام زيارتك إلى منطقتنا، قد يظهر كعام الحسم لنا ولجيراننا، وبجهد مشترك بالإمكان تحويل هذا العام إلى عام الحسم في صالح كل الشعوب وكل الديانات وكل الأولاد وعام سلام إقليمي وليس محليا فقط".