كتب بلال ضاهر:
اعتبر خبير الديمغرافيا الإسرائيلي البروفيسور أرنون سوفير أن لا مكان في المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط لدولتين، إسرائيل وفلسطين، لكن في الوقت ذاته لا مناص من قيام دولتين. ولذلك فإن على الجانبين، في حال توصلا إلى تسوية، أن يعرفا كيف يعيشان جنبا إلى جنب، على الرغم من أن هذه أكثر منطقة مزدحمة في العالم الغربي.
وسوفير (70 عاما) هو أستاذ الجغرافيا في جامعة حيفا وهو بنظر الإسرائيليين أهم خبير في موضوع التوزيعة السكانية أو الديمغرافيا. ووضع سوفير مخططات عديدة لإعادة توزيع السكان في إسرائيل أهمها المخطط المعروف باسم "تهويد الجليل". وفي السنوات الأخيرة عكف على إعداد مخططات حول أشكال الانسحابات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية المحتلة بحيث يتم ضمان وجود أغلبية يهودية ضمن الحدود التي ستنسحب إليها إسرائيل. ولذلك رأى سوفير أن هذه الانسحابات لا يمكن أن تتم من خلال اتفاق مع الفلسطينيين وإنما يجب أن تكون أحادية الجانب بمعنى أن تبادر إليها إسرائيل وتنفذها من دون التفاوض حولها مع ممثلي الشعب الآخر، الفلسطيني، الذي أصبحت إسرائيل تتقاسم البلاد معه.
وسوفير هو الذي بادر إلى وضع خطة فك الارتباط من قطاع غزة والانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب. وقال سوفير لـ"المشهد الإسرائيلي" إن "الحديث عن فك الارتباط جارٍ منذ نحو 100 عام، بأشكال مختلفة. وحقيقة هي أنني نجحت بالتأثير على رئيس الوزراء (السابق) أريئيل شارون لتنفيذ فك الارتباط من غزة وأنه مرغم على تنفيذها لأسباب ديمغرافية. إذ أن 90% من الاعتبارات كانت ديمغرافية. فإذا أردنا أن تكون إسرائيل دولة يهودية، لا مناص سوى أن ننفصل عن الفلسطينيين. وكان هذا الأمر صعبا بالنسبة لشارون. لكن بعد 18 عاما من المحادثات بيني وبينه أدرك أخيرا بأني على حق، والأمر ذاته ينطبق على رئيس الوزراء الحالي ايهود أولمرت".
ويكرر أولمرت منذ مطلع العام الحالي نيته تنفيذ "خطة التجميع" (الانطواء) الأحادية الجانب لترسيم حدود إسرائيل من جديد من خلال ضم الكتل الاستيطانية وغور الأردن والقدس الشرقية لإسرائيل مقابل إخلاء مستوطنات معزولة في عمق الضفة الغربية ونقل سكانها إلى الكتل الاستيطانية التي سيتم توسيعها من خلال إضافة آلاف الوحدات السكنية فيها.
ويبرر سوفير وجوب تنفيذ "خطة التجميع" قائلا إن "الفجوة الاقتصادية بين الإسرائيليين والفلسطينيين هي الأكبر في العالم. وإذا فحصنا الأمر من خلال معدل دخل الفرد فإن الفجوة بين أميركا والمكسيك هي 1:4 حيث دخل الفرد المكسيكي 8 آلاف دولار بينما دخل الفرد الأميركي 35 ألف دولار. بينما الفجوة في معدل دخل الفرد الفلسطيني والإسرائيلي هي 1:20 حيث دخل الفرد الفلسطيني هو ألف دولار، وفي الواقع أنه انخفض إلى 800 دولار مؤخرا، فيما يصل معدل دخل الفرد في إسرائيل إلى 20 ألف دولار. وهذه فجوة لا مثيل لها في العالم. كذلك فإن إسرائيل هي جزيرة معزولة في الشرق الأوسط، رغم أنه كانت هناك أحلام بالتعايش بين اليهود والعرب، ولكني لا أعتقد أن هذا التعايش ممكن وربما ستكون هناك جيرة حسنة لكني لا أؤمن بالسلام وفقا للنموذج البلجيكي الهولندي. وهناك أيضا فوارق دينية وثقافية واجتماعية. باختصار نحن مختلفون. ولذلك جيد أن يكون هناك جدار (عازل) وبعدها يمكننا البحث عن جيرة حسنة".
* "المشهد الإسرائيلي": لكن هل تعتقد أنه بإمكان إسرائيل أن تعيش بهدوء من دون اتفاق مع الفلسطينيين؟
سوفير: دعنا نفترض أن أبو مازن سيتوصل قريبا إلى اتفاق سلام مع أولمرت، لاعتبارات آنية. حسنا... ما أهمية ذلك. ألن يكون هناك فقراء فلسطينيون يريدون الدخول إلى إسرائيل بسبب الفجوة الاقتصادية التي ذكرتها. لذلك علينا أن نكون حكماء في هذه الناحية. السلام شيء جميل لكن دعنا نتحدث بمنطق. ولذلك يتوجب بناء جدار وننفصل ولا يدخل انتحاريون إلى هنا، ونكون جيرانا".
*"المشهد الإسرائيلي": المشكلة في نظريتك هي أنها تنهب أراضي الفلسطينيين، خصوصا أننا نتحدث عن حدود 1967.
سوفير: "لا. أنا أرفض هذا الموقف. والحديث لا يتعلق بحماس ولا بـ5% من اليهود الذين يطالبون بقيام إسرائيل في كلتا ضفتي الأردن. فغالبية العرب في الشرق الأوسط لا يريدون اليهود. ولدى الفلسطينيين هناك تداخل بين مناطق 1967 و1948، بمعنى أنهم يقولون إن الدولة الفلسطينية ستقام في حدود 1967 لكن في الوقت ذاته يطالبون بتطبيق حق العودة. إن الصراع بيننا عميق للغاية ولا أوافق أن النقاش منحصر في حدود 1967، بل هو حول يافا وحطين وعكا، وينبغي ألا تكون لدى أحد أية أوهام. ودعنا نفترض أن اليهود سيتخذون قرارا يقضي بالعودة إلى الخط الأخضر وفقا لما كان عليه الوضع عشية حرب الأيام الستة. ألن تكون منطقة شمال الضفة عندها معزولة عن الخليل. بالتأكيد ستكون كذلك بسبب القدس والواقع الجديد في المنطقة (بمعنى أن القدس الشرقية ستبقى وفقا لسوفير بأيدي إسرائيل وسيكون هناك تواصل في البناء بين القدس والكتلة الاستيطانية معاليه أدوميم، الأمر الذي يقطع التواصل الجغرافي بين شمال الضفة وجنوبها- ب.ض). كذلك ستبقى غزة معزولة عن الخليل. ولذلك ستبقى دولة فلسطين بالنسبة للعرب مقسمة إلى ثلاثة أجزاء. والوضع ليس جيدا حتى لو تمت العودة إلى الخط الأخضر. لكن لكي لا تكون هناك أوهام لدى أحد، هل تعتقد أنه سيكون بالإمكان إخلاء 440 ألف مستوطن؟ إن هذا سيؤدي إلى حرب أهلية ستقضي على دولة إسرائيل. لذلك فإن الاقتراح الذي طرحته في حينه على شارون كان بمثابة تسوية، ليس بيننا وبين الفلسطينيين وإنما بيننا وبين أنفسنا، لأنني لا أريد السيطرة على مناطق (في الضفة) إذا كنت لا أحتاجها، كما أننا لا نستطيع إخلاء جميع المستوطنين. ووفقا لخطة التجميع فإن 80% من المستوطنين سيبقون في الجانب الإسرائيلي من الجدار. وحول هذا كان صراعي الكبير مع شارون. وأعتقد أن هذه تسوية، علما أنه ليست هناك حلول جيدة".
من جهة أخرى أشار سوفير إلى أن مساحة الكتل الاستيطانية تعادل 10% من مساحة الضفة الغربية وإذا تم ضم غور الأردن أيضا لإسرائيل فإن مجموع المساحة التي ستضمها إسرائيل بموجب "خطة التجميع" تعادل 20% من مساحة الضفة الغربية، وهذا منوط بعرض الشريط في غور الأردن الذي تخطط إسرائيل إبقاء سيطرتها عليه.
*"المشهد الإسرائيلي": لماذا تريد إسرائيل إبقاء سيطرتها على غور الأردن؟
سوفير: "لقد أعددت وثيقة وعممتها قبل شهر على جميع الجنرالات والسياسيين وأعضاء الكنيست وقسم من الخبراء الاقتصاديين، أي على النخبة الإسرائيلية. وأجريت في هذه الوثيقة حسابا بين وجوب إبقاء السيطرة على غور الأردن أو الانسحاب منه. من جهة، فإن الجبهة الشرقية التي أخافت إسرائيل في الماضي لم تعد قائمة، لأنه لا يوجد الآن تهديد عراقي وسوري وأردني على إسرائيل، وإيران ما زالت بعيدة والسعودية لن تهاجم إسرائيل ولم تفعل ذلك في الماضي. لكن، في هذه الأثناء، هناك تنظيم القاعدة من أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي والعمليات الإرهابية التي وقعت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي في عمان وفي سيناء تقلق إسرائيل وتشير إلى أن الحدود الشرقية لإسرائيل يجب أن تكون في غور الأردن. كذلك هناك مجموعة كبيرة في إسرائيل تضم أشخاصا من اليمين واليسار ترى أنه يتوجب إبقاء السيطرة الإسرائيلية على غور الأردن ليبقى عازلا بين الضفة والأردن ومنع إقامة دولة فلسطينية كبيرة. من جهة أخرى وفي حال أصبحت السيطرة على غور الأردن بأيدي الفلسطينيين فإنه سيشكل مدى لاستيعاب قسم من سكان قطاع غزة وتخفيف الازدحام الشديد هناك. وهناك من يقول من الإسرائيليين بأنه إذا ضممنا الغور فإن الأمر سيؤدي إلى حدوث ضغط كبير على الفلسطينيين، ولذلك يعتقد البعض بأنه من الأفضل تحرير هذا الضغط باتجاه الشرق... نحو العالم العربي. واعتبار آخر هو أن صورة إسرائيل ستبدو أفضل أمام الرأي العام العالمي إذا تنازلت عن الغور. من جهة أخرى سمعت آراء متناقضة حول رفض الأردن أن يكون له حدود مشتركة مع فلسطين. أحد الآراء يتحدث عن رفض الأردن فعلا لوجود حدود مشتركة ورأي آخر يقول على لسان الأردنيين: دعونا نتدبر أمرنا مع الفلسطينيين".
*"المشهد الإسرائيلي": هل سيكون بالإمكان إخلاء 60 ألف مستوطن من الضفة وفقا لـ"خطة التجميع"؟
سوفير: "أعتقد أنه سيكون بالإمكان تنفيذ ذلك، لكن هناك عامل الوقت. فعدد المستوطنين في المستوطنات المتوقع إخلاؤها يبلغ اليوم 60 ألفا. لكن بعد سنة أو سنتين سيصبح عددهم 70 ألفا وربما 80 ألفا لأن نسبة التزايد الطبيعي لدى المستوطنين مرتفعة. لكني لدي تخوف من عدم النجاح في إخلاء هؤلاء المستوطنين. وهنا علينا أن نذكر إن إقامة المستوطنات لم يكن مبنيا على أساس الأمن وإنما على أساس التوراة. والضفة هي مهد اليهودية. فقد جئنا (اليهود) إلى هذه البلاد من أجل القدس وليس من أجل تل أبيب".
*"المشهد الإسرائيلي": من جهة أخرى، الاندماج بين الإسرائيليين والفلسطينيين كبير للغاية وهناك الكثير من الأمور المرتبطة بشكل وثيق خصوصا في الناحية الاقتصادية. هل تعتقد أنه يمكن الفصل بينهما؟
سوفير: "أنا لا أريد هذا الاندماج مع الشعب الفلسطيني لأن هذا يعني دولة ثنائية القومية. وهذه المسألة في الحقيقة لا تهم أي عامل فلسطيني يريد العمل في إسرائيل ولا تهم أيضا أي مقاول بناء إسرائيلي. لذلك فإنك محق، لكن هذا لا يهمني".
*"المشهد الإسرائيلي": هل الجدار العازل الذي تبنيه إسرائيل هو ترسيم حدود من جانب إسرائيل؟
سوفير: "لقد انتهيت لتوي من إعداد دراسة سأعرضها في مؤتمر عالمي سيعقد في اليابان. ووفقا لحساباتي في هذه الدراسة فإن حدود إسرائيل تغيرت كل سبع سنين منذ العام 1920 وحتى اليوم. ولذلك فقد وصفت حدود إسرائيل بأنها حدود دائمة مؤقتة. وإذا صمدت هذه الحدود مدة 15 عاما فهذه السنوات ستكون بالنسبة لي أبدا. وأنا أعتقد أن 90% من الحدود يتعلق بالعامل الديمغرافي و10% يتعلق بالنواحي الأمنية. وهذه الحدود (أي الجدار) لم يأخذ بالحسبان عددا كبيرا من القضايا الأمنية. ولذلك ترى أن هذه الحدود تتلوى لأن الاعتبارات ديمغرافية، اليهود هنا والعرب هناك. والحقيقة هي أن هناك إجماعا داخل إسرائيل حول هذه الحدود وايهود باراك وافق على ذلك وإسحق رابين أيدني بذلك وحتى بنيامين نتنياهو".
*"المشهد الإسرائيلي": أنت عمليا تلوح للفلسطينيين مهددا بأنهم إذا لم يوافقوا على هذه الحدود اليوم فقد يخسرون المزيد من الأراضي في المستقبل؟
سوفير: "دعنا نبدأ من العام 1920. لقد خسر الفلسطينيون لأنهم لم يوافقوا على الحدود التي رسمها الانتداب البريطاني. وفي العام 1947 خسر الفلسطينيون لأنهم لم يوافقوا على حدود التقسيم. والجميع يعلم ما حصل في عام النكبة. وبعد ذلك جاءت حرب العام 1967 والآن أيضا أنا أوافق على ما جاء في سؤالك. إذا لم توافقوا أيها الفلسطينيون على الحدود الجديدة (التي يرسمها الجدار) فستخسرون مرة أخرى".
*"المشهد الإسرائيلي": هذا يعني أنه لا يوجد برنامج سلام لدى إسرائيل؟
سوفير: "في اللحظة التي يقوم فيها زعيم عربي ويقول: يا جماعة دعونا نتوصل إلى تسوية حول ما تم إعطاؤه لنا، ولا يوجد ما يمكننا أن نفعله، وليس مثلما فعل عرفات وموّل العمليات الإرهابية وكان الخاسر، عندها يمكن التوصل إلى سلام. وأعتقد أنه كان بالإمكان التوصل إلى سلام مع مصر خلال عشر دقائق... وأنا أقول بمنتهى الجدية، دعوني أجتمع مع (الرئيس السوري بشار) الأسد 15 دقيقة وسأقنعه بالسلام مع إسرائيل إذ ليس بيننا خلاف. لكن مع الفلسطينيين فإن الوضع صعب للغاية بسبب جبل الهيكل (يقصد الحرم القدسي) وحائط البراق وحق العودة وعرب إسرائيل والنكبة والمسافات القريبة للغاية بين البلدات الإسرائيلية والفلسطينية، لذلك فإنك تعيدني إلى السؤال الأول وأقول مجددا إنه لا مكان لدولتين لكن لا مناص".
*"المشهد الإسرائيلي": رغم ذلك فإنه في المستقبل، ربما بعد 20 عاما أو أكثر، قد تقوم هنا دولة ثنائية القومية؟
سوفير: "إذا سقط الجدار وقامت دولة ثنائية القومية فإن هذا يعني نهاية دولة إسرائيل. وسأضع هنا معطيات قليلة وبسيطة: بعد 20 عاما سيكون عدد اليهود هنا حوالي 6.5 مليون وعدد الفلسطينيين سيراوح 9 ملايين. هذه المعطيات تعني نهاية الدولة اليهودية".
*"المشهد الإسرائيلي": المعطيات الأخيرة التي تم نشرها الأسبوع الماضي تشير إلى أن عدد المستوطنين في القدس الشرقية والمناطق المحيطة بها بلغ قرابة 287 ألفا. هل يمكن التوصل إلى حل في القدس والفصل بين اليهود والعرب، حتى في البلدة القديمة و"الحوض المقدس"؟
سوفير: "هذه المعطيات صحيحة، لكن علينا أن نذكر أيضا أن هناك القدس الشرقية الفلسطينية وبيت لحم وبيت ساحور وبيت جالا والبيرة وبيتونيا ورام الله، وإذا أخذنا القدس من دون حدود فإن نسبة اليهود تراوح 20% فيما نسبة الفلسطينيين 80%. والسؤال هو هل يمكن التوصل إلى حل لقضية القدس بحيث يحصل اليهود على حائط المبكى والفلسطينيون على الحرم القدسي. لكني لا أرى إمكانية للحل، لأننا هنا نصل إلى الديانة ونتوقف عن التفكير والمشاعر تثور. والحل الذي أطرحه أنا شخصيا، وقد تخاصمت حوله مع أولمرت لكني أعتقد أنه اقتنع به الآن، هو أنه يتوجب التنازل عن القدس الشرقية، مثل شعفاط والسواحرة وصور باهر وغيرها والتوصل إلى تسوية حول البلدة القديمة، وأتفق هنا مع معادلة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون التي تقول إن ما لليهود لإسرائيل وما للمسلمين للفلسطينيين".
المصطلحات المستخدمة:
تهويد الجليل, الخط الأخضر, حق العودة, حدود التقسيم, باراك, الكنيست, بنيامين نتنياهو