المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ارشيف الاخبار
  • 1258

تل ابيب: جيمس هايدر - كريستوف دو روكفوي - اف.ب:
بعد ان عرفت شعبية عمرام متسناع تصاعدا سريعا حمله خلال فترة قصيرة على رأس حزب العمل، قد يشهد تراجعا سريعا ايضا، اذ تتوقع استطلاعات الرأي لحزبه هزيمة كبيرة في مواجهة الليكود (يمين) بزعامة ارييل شارون في انتخابات 28 كانون الثاني.

 

ولم ينجح عمرام متسناع (57 عاما) الذي شدد العماليون على كونه سياسيا "نظيف اليدين"، في الافادة من فضائح الفساد الذي لطخت حزب الليكود لدفع العماليين في استطلاعات الرأي.

ومتسناع رئيس بلدية حيفا (شمال) وهو جنرال احتياط تولى قيادة منطقة وسط اسرائيل العسكرية التي تضم الضفة الغربية خلال الانتفاضة الاولى (بين 1987 و 1993). غير انه حديث العهد في السياسة، وقد اخذ عليه معارضوه افتقاره الى قوة الشخصية واعتماده برنامجا سياسيا اعتبر ميالا الى اليسار، ما ابعد ناخبي الوسط، واستبعاده مسبقا المشاركة في حكومة وحدة وطنية بقيادة شارون، مخالفا بذلك التوجه السائد لدى الراي العام.

وتكشف هذه الاخطاء التكتيكية الفادحة بنظرهم قدرا من السذاجة لدى متسناع، مقرونا بافتقاره الى الخبرة في مجال السياسة. وقال الكاتب والمحلل ميخائيل بار زوهر العضو في اللجنة المركزية لحزب العمل "لا اعتقد ان متسناع سيستمر طويلا". وهو يبرر انتخابه على رأس الحزب باستياء القاعدة الشعبية من سلفه بنيامين بن اليعازر، احد صقور الحزب ووزير الدفاع السابق في حكومة ارييل شارون، اكثر منه تأييدا لافكار متسناع ومواقفه، وهو من تيار الحمائم.

وتابع بار زوهر: "تبين ان متسناع مبتدئ في العمل السياسي، وقد ارتكب اخطاء عدة. كان يجدر به تركيز حملته علىالمسائل الاجتماعية من اجل مساعدة المحرومين، وعلى نزاهته الفائقة".

ويعرف متسناع عن نفسه بانه الوريث الروحي لرئيس الوزراء الراحل اسحق رابين موقع اتفاقات اوسلو والذي اغتاله احد اليمينيين المتطرفين عام 1995. وهو يوصي باستئناف فوري وغير مشروط للمفاوضات مع الفلسطينيين، داعيا الى الفصل بين الدولة العبرية والفلسطينيين، ولو من طرف واحد.

وقد تعهد منذ البدء بازالة جميع مستوطنات قطاع غزة والمستوطنات العشوائية في الضفة الغربية، في مهلة عام. وظهر متسناع في موقع المخلص وسط اضطراب حزب العمل وازمة الهوية الخطيرة التي حلت به اثر هزيمة ايهود باراك امام شارون خلال انتخابات السادس من شباط 2001.

غير ان المحللة السياسية روت امير اشارت الى ان اولئك الذين دفعوا به الى مقدم الساحة السياسية بعد ان انتخبوه في تشرين الثاني على رأس حزب العمل، لن يترددوا في "طرده" اذا ما هزم الحزب في 28 كانون الثاني. وقالت "لا اظن انه سيبقى في موقعه لمدة طويلة".

ولد متسناع عام 1945 في كيبوتز دوفرات (شمال) وهو حامل شهادة في الجغرافيا والعلوم السياسية من جامعة حيفا، كما درس في جامعة هارفرد الاميركية. دخل الجيش عام 1963، وخدم بصورة رئيسية في فوج المدرعات، حيث ترقى تدريجيا الى رتبة قائد فرقة. شغل متسناع عددا من الوظائف في هيئة اركان الجيش الاسرائيلي، حيث كان المسؤول الثاني في جهاز الاستخبارات قبل ان يتولى قيادة قسم العمليات ومن ثم قسم التخطيط، ليعين بعدها قائدا للمنطقة العسكرية الوسطى. وبرز للمرة الاولى خلال الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982، حيث قاد القوات التي خاضت معارك ضد الجيش السوري.

هدد متسناع علنا غداة المجازر التي ارتكبتها ميليشيا القوات اللبنانية المتحالفة مع اسرائيل في مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت، بالانسحاب من الجيش اذا لم يقدم ارئيل شارون، وزير الدفاع آنذاك، استقالته. وقد استقال شارون في مطلع 1983.

ترك متسناع الجيش عام 1993 وانتخب رئيسا لبلدية حيفا. ثم اعيد انتخابه في هذا المنصب بغالبية ساحقة في تشرين الثاني 1998. وهو متزوج واب لثلاثة اولاد.

في المقابل تلزم الولايات المتحدة الحياد في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني مع اقتراب الانتخابات التشريعية الاسرائيلية في 28 كانون الثاني، حرصا منها على عدم اعاقة اعادة انتخاب رئيس الوزراء ارييل شارون لولاية ثانية، وهو شريك شديد الحساسية في حال اندلاع نزاع في العراق. كما تعكس هذه المراعاة شعورا بالتضامن ازاء "الخطر الارهابي"، وعداء مشتركا للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وكذلك الدعم القوي الذي يحظى به رئيس الوزراء الاسرائيلي في الرأي العام الاميركي وفي محيط الرئيس جورج بوش نفسه.

وتجلى هذا الدعم الضمني في تحييد واشنطن "خريطة الطريق"، وهي خطة سلام وضعتها اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة وروسيا والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي)، في انتظار انتهاء الانتخابات الاسرائيلية، نزولا عند رغبة شارون الملحة. وبالرغم من هذه البادرة، ظلت المسألة تثير بعض التوتر بعد ان انكر شارون اي دور لهذه اللجنة في مقابلة اجرتها معه مجلة "نيوزويك" الاميركية. وقال شارون في المقابلة "اللجنة الرباعية ليست بشئ مهم! عليكم الا تأخذوها على محمل الجد! ثمة خطة (اخرى) ستعطي نتائج".

واثارت هذه التصريحات ردا حادا من وزير الخارجية الاميركي كولن باول، احد واضعي الخطة التي تنص على تسوية على مراحل تقود الى قيام دولة فلسطينية بحلول العام 2005، مؤكدا ان هذه الخطة تطلبت "عملا مهما" من اللجنة الرباعية، ومعربا عن امله في ان يتم احياؤها "بدفع جديد" بعد الانتخابات. ورأى سكوت لاسنسكي من مجلس العلاقات الخارجية ان ادارة بوش اختارت بالرغم من هذه الاحتكاكات تقديم دعم ضمني لشارون، ما يتناسب ايضا مع عزمها على لزوم الحياد في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني.

ورأى هذا الاختصاصي في شؤون الشرق الاوسط ان "ارجاء خريطة الطريق التي طرحتها اللجنة الرباعية تفيد منه في المرتبة الاولى الحكومة المنتهية ولايتها، غير ان الادارة الاميركية اختارت بصورة اجمالية البقاء خارج السياسة الاسرائيلية". وفي المقابل، اوضح ان ادارة بوش المنشغلة في التخطيط لنزاع مع العراق، "لا تبدي اي رغبة في استئناف المفاوضات بين الاسرائيليين والفلسطينيين". كذلك تعكس هذه الاستراتيجية المطابقة على المدى القريب على الاقل لتمنيات شارون، مدى الدعم الذي تمكن رئيس الوزراء الاسرائيلي من الحصول عليه في صفوف اليمين المسيحي الاميركي، احد الاركان الرئيسية لقاعدة بوش الانتخابية، متذرعا بصورة خاصة بمواجهة عدو مشترك هو "الارهاب الاسلامي".

وإذا كانت علاقات شارون مع باول تشهد في بعض الاحيان توتراً، الا ان لديه انصاراً ذوي وزن بين المقربين من بوش، وخصوصا نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفلد ومساعده بول ولفوفتز. وقد استقبله بوش سبع مرات على الاقل في واشنطن خلال اقل من عامين.

كما يعتبر مستشار البيت الابيض الجديد لشؤون الشرق الاوسط اليوت ابرامز من اشد المدافعين عن شارون. وعلى الصعيد الاقليمي، تحتاج واشنطن في خضم الاستعدادات الناشطة لتحرك عسكري محتمل ضد العراق، الى تنسيق وثيق مع اسرائيل، في محاولة لتجنب تفاقم المشاعر المعادية للاميركيين في العالم العربي.

وتعول اسرائيل من جهتها على مساعدة اميركية متزايدة في المجال الامني لمواجهة انعكاسات محتملة لنزاع في العراق على الدولة العبرية. وقد كثف البلدان التعاون بينهما منذ الان بهذا الشأن.

من جهة اخرى، يرى العديد من المسؤولين الاميركيين ان تغيير النظام في العراق سيتيح القضاء على عامل اساسي من عوامل التوتر في الشرق الاوسط، ما يفسح بالتالي احلال اجواء ملائمة لتسوية سلمية بين اسرائيل والفلسطينيين.

* شارون تجاوز الازمات والفضائح

مع ان شارون تمكن من تجاوز أزمات الفضائح والفساد في حزبه، وبعد أن عجز عن وقف العمليات الفلسطينية وأوصل اسرائيل الى وضع اقتصادي متدهور، لكن ارييل شارون واثق من ان الناخبين سيعطونه اصواتهم في 28 كانون الثاني.

فبعد عامين من فوزه المدوي برئاسة الوزراء، يقف شارون (74 عاما) على رأس اليمين الاسرائيلي وهو على وشك ان يثبت انه زعيم لا يقف في وجهه شىء في حين ان حصيلة حكمه تشكل "فشلا فادحا"، كما وصفها كاتب الافتتاحية في صحيفة يديعوت احرونوت الواسعة الانتشار، ناحوم بارنيع.

واضيف دليل جديد على هذا الاخفاق مع سلسلة الفضائح التي هزت الحملة الانتخابية لشارون وحزبه الليكود، ولا سيما الكشف عن تلقيه العام الفائت قرضا بقيمة 5،1 مليون دولار من رجل اعمال جنوب افريقي. وتعرضت شعبية شارون للاساءة جراء هذه الفضائح، لكنه تمكن من تخطي الازمة عندما ظهر برداء البرىء الذي وقع ضحية المكائد، وعرف كيف يختبىء وراء نجليه ووراء ذكرى زوجته الثانية ليلي التي توفيت قبل ثلاث سنوات.

ويبدو الوضع مليئا بالمفارقات لما يمثله شارون كشخصية خلافية، لا سيما وهو الجنرال السابق الذي يطلق عليه لقب "البلدوزر"، سواء بسبب اساليبه الصدامية او حجمه الكبير.

ولد شارون في فلسطين عام 1928 وكانت تحت الانتداب البريطاني. وبدأ نشاطه العسكري وهو في السابعة عشرة وسرعان ما عرف عنه بانه مقاتل شرس لا يابه للوسيلة التي يلجأ اليها لتنفيذ هدفه.

وخلال حرب تشرين الاول 1973، حقق شارون اكبر انجاز عسكري له عندما تمكن من اجتياز قناة السويس في حركة حاسمة غيرت مسار المواجهة. والاسرائيليون الذين اعربوا دوما عن اعجابهم به جراء هذا الانجاز، فانهم ابدوا ايضا خشيتهم منه بسبب سمعته كرجل متهور وهو ما عززه اجتياح لبنان في 1982 والذي لعب فيه دورا كبيرا بوصفه وزيرا للدفاع حينها.

وادى الاجتياح الى حدوث مجازر صبرا وشاتيلا التي قتل خلالها مئات اللاجئين الفلسطينيين بايدي ميليشيا مسيحية متحالفة مع اسرائيل. وقد اعتبرت لجنة تحقيق رسمية شارون مسؤولا "بصورة غير مباشرة" وشخصية عن المجزرة مما دفعه الى الاستقالة.

هذا الشعور الدائم بالكراهية تجاهه وبكونه كبش فداء لليسار غذى في داخله عطشا رهيبا للانتقام رواه بوصوله الى الحكم قبل سنتين.

ولا شك ان فوزه وبقاءه المحتمل في السلطة يكمن في ضعف خصومه العماليين - ايهود باراك في 2001 وعمرام متسناع الان - وفي التحول التام الذي حصل في صورته. ويقول ناحوم بارنيع في يديعوت احرونوت "قبل ست او سبع سنوات قرر (شارون) انه يتعين عليه ان يكف عن اعتماد مواقف متشددة ويبرهن عن ضبط نفس وان يتجه باستمرار نحو الوسط، نحو التوافق، ان اراد ان يكسب قلوب الاسرائيليين".

وعليه تخلى شارون عن صورة المحارب ليرتدي رداء الجد، لا بل ليضع صورة ابي الامة، رجل يشكل عمره وخبرته عامل اطمئنان في مواجهة الانتفاضة. وباعتماد هذا التكتيك، تمكن شارون من التخلص من سمعته كمتطرف ليظهر، على الاقل بالنسبة للاسرائيليين، بمظهر الشخص المعتدل.

ولا شك ان التاييد المطلق الذي حصل عليه من الرئيس الاميركي جورج بوش الذي وصفه يوما بانه "رجل السلام"، ساهم في تجميل صورته.

وشارون، الذي كان دائما يعتبر من المتطرفين، لم يتردد في معارضة حزبه والموافقة على اقامة دولة فلسطينية، حتى وان كان ما يعنيه بهذه الدولة لا يتعدى كيانا هزيلا. ويؤكد معارضوه، سواء الفلسطينيين او اليسار الاسرائيلي، ان الامر لا يتعدى ذر الرماد في العيون، مذكرين خصوصا بان شارون كان الاكثر حرصا على توسيع الاستيطان في الاراضي الفلسطينية المحتلة.

وخلال سنتين في الحكم، تفادى القيام باي مبادرة سياسية مكتفيا بمكافحة الانتفاضة عسكريا. وكتب مدير تحرير صحيفة "هآرتس" اليسارية، يوئيل استيرون العام الماضي "من الواضح انه ليس شارل ديغول (الذي انهى حرب الجزائر) ولا دو كليرك (الذي ساهم في انتقال جنوب افريقيا سلميا من العنصرية الى الديموقراطية) ولا حتى مناحيم بيغن (رئيس وزراء اسرائيل الذي وقع معاهدة السلام مع مصر)".

وبالنسبة لشارون، فان تحدي الولاية الثانية سيكون في اثبات قدرته حتى على تحقيق السلام.

 

المصطلحات المستخدمة:

اوسلو, هآرتس, بول, باراك, دورا, ليلي, الليكود

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات