كيف لمحمود درويش الذي يعيش بقلب حمامة بيضاء مسالمة وقلماً ربانيِ البياض ولسان فراشة تنطق ربيعاً أخضر أن لا يمجد الذين يُطلِعون على أضرحتهم عشب بلادنا الخضراء، الذين قال لهم <<تصبحون على وطن من تراب وشجن>>، والذين لهم المجد عرش على كل الدروب التي أوصلتنا إلى كل بيتٍ إلا بيتنا. هؤلاء هم روح محمود درويش الفلسطيني المتجدد، الوفي لحبال الغسيل الجليلية التي حولتها يد الصهيونية الى حبال مشانق بين عشية وضحاها.
التشكيلة الجديدة للحكومة الإسرائيلية لم تطرح جديدا البتة. وعلى غرار نتائج الانتخابات فإنها أعادت، على نحو ما، الحكومة السابقة بقيادة الليكود، مع خروج حزب العمل الذي هو من يسار الوسط. وعلى هذا فإن هذه الحكومة ستكون الأكثر يمينية وتطرفا في تاريخ إسرائيل كله.
بالنسبة للفلسطينيين فإن ما يطرحه شارون وحكومته غير جدي بتاتا، والهدف منه ليس فقط الظهور بمظهر الداعي للسلام وإنما أيضا إجبار الفلسطينيين على رفض الفكرة ليظهروا بمظهر الرافض للسلام. وأكثر ما يؤكد عدم جدية هذه الأفكار أنها مليئة بالتناقضات والشروط والمطالب الغامضة التي من الصعب الاتفاق على أنها قد حققت أم لا. فكيف سيكون هناك دولة فلسطينية مع تنشيط العمل الاستيطاني في الضفة ومنطقة القدس؟ وهل يعقل أن يفرض على الفلسطينيين نظام حكم وإدارة يكون الهدف من إنشائها تحقيق الأهداف الإسرائيلية قبل أن تلتفت هذه الإدارة إلى المصالح الحيوية الفلسطينية؟ وكيف سيلبي الفلسطينيون المطالب الإسرائيلية ما دامت الحكومة الإسرائيلية هي الجهة التي ستقرر فيما إذا نفذ الفلسطينيون كل ما طلب منهم، علما أن القائمين على هذه الحكومة لا يرغبون بالانتقال من المرحلة الأولى للمرحلة الثانية؟
في خريطة الطريق تنتهي الحرب، أي الصراع المسلح، بتسوية غير عادلة، ولكن تبقى القضية حيّة خفّاقة. وتبدأ مرحلة جديدة من الصراع سلاح العرب فيها إرادة الإنسان الرافض للظلم على خلفية ان أي تسوية تُعقد بين قاهر ومقهور على هذا الصعيد تبقى غير شرعية وغير مشروعة: إنها غير شرعية باعتبار ان الشرعية إنما تستمد من إرادة الشعوب، والشعوب لم تُعبّر عن إرادتها على هذا الصعيد في غياب الديموقراطية في الوطن العربي من أقصاه الى أقصاه.
الصفحة 71 من 81