المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات وأراء عربية
  • 1102

في خريطة الطريق تنتهي الحرب، أي الصراع المسلح، بتسوية غير عادلة، ولكن تبقى القضية حيّة خفّاقة. وتبدأ مرحلة جديدة من الصراع سلاح العرب فيها إرادة الإنسان الرافض للظلم على خلفية ان أي تسوية تُعقد بين قاهر ومقهور على هذا الصعيد تبقى غير شرعية وغير مشروعة: إنها غير شرعية باعتبار ان الشرعية إنما تستمد من إرادة الشعوب، والشعوب لم تُعبّر عن إرادتها على هذا الصعيد في غياب الديموقراطية في الوطن العربي من أقصاه الى أقصاه.

 

عندما يكون الحق والقوة في جانب واحد من الصراع فلا غالب للقوة ولا غالب للحق.
وعندما يكون الحق في جانب والقوة في جانب آخر من الصراع قد تكسب القوة جولات ومعارك، ويبقى الصراع سجالاً لمدة طويلة من الزمن، ولا ينتهي إلا بانتصار الحق.

كان هذا شأن كل حروب التحرير في العالم. كانت للمستعمر جولات قهر فيها شعوباً، ولكن النصر في نهاية المطاف كان في كل الحالات للحق، فتحررت الشعوب. كان ذلك في الجزائر وفييتنام والهند والباكستان وفي دول أفريقية وسواها.

وهذا شأن الصراع العربي الإسرائيلي. فالحق في جانب العرب والقوة في جانب إسرائيل. هكذا كسبت إسرائيل حروباً في العام 1948 فكانت نكبة فلسطين، وحرب السويس في العام 1956 الى ان ردعتها قوة أكبر هي الولايات المتحدة الأميركية في موقف رئيسها آنذاك دوايت ايزنهاور، وحرب العام 1967 التي ضمت فيها ما تبقى من فلسطين، وحرب العام 1973 إذ كانت للعرب جولة ولكن النصر في النهاية كان حليف القوة بعد دخول أميركا على الخط دعماً لإسرائيل. ولكن الصراع مع ذلك لم ينتهِ بعد أكثر من نصف قرن من المواجهات العسكرية.

ثم يأتي أخيراً مشروع خريطة الطريق لحل قضية العرب المركزية في فلسطين، فهل ينتصر فيه الحق أم تنتصر القوة؟ هذا المشروع هو مشروع القوة الأعظم في العالم، أميركا، ومعها روسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. إن مشروع القوة العظمى مرشح لأن يكون جولة جديدة تنتصر فيها القوة على آلحق، ولكنها تبقى على خطورتها في حجم الجولة. فالصراع لن ينتهي إذا بقي الحق جهيضاً. بهذا المعنى لن يكون مشروع خريطة الطريق نهاية الطريق بل بداية الطريق لمرحلة جديدة ومغايرة من الصراع.

خريطة الطريق تندرج في ثلاث مراحل، تُنهى فيها الانتفاضة في المرحلة الأولى، وتُعقد مفاوضات في المرحلة الثالثة والأخيرة حول القضايا العالقة وأهمّها القدس، والمستوطنات اليهودية وبالتالي حدود الدولة الفلسطينية المنتظرة، وحق اللاجئين في العودة. في هذه الرؤية مقدّر للفلسطيني ان يفقد الورقة التفاوضية الوحيدة المتبقّية في يده، وهي الانتفاضة، باعتبارها الوجه الآخر لأمن إسرائيل، فينقلب الفلسطيني من مفاوض الى مجرّد مطالب، ومطالب من غير طائل، إذ لن تكون إسرائيل مضطّرة الى التسليم للفلسطيني بمطلب من مطالبه او بحق من حقوقه وليس في يده ما يقدمه في المقابل. وستكون حصيلة المفاوضة نتاجاً لميزان القوى الذي يبقى في شكل حاسم راجحاً في مصلحة إسرائيل نظراً لاعتبارين: أولاً كون إسرائيل هي الأقوى بما تمتلك من أعتى الأسلحة المتطورة، وثانياً كون إسرائيل تحظى بمساندة غير محدودة من الدولة العظمى على كل صعيد.

هذا فضلاً عن ان مطالبة السلطة الفلسطينية في المرحلة الأولى من خريطة الطريق بالاجهاز على المقاومة وفصائلها قد تؤدي الى تفجير فتنة بين الفلسطينيين. ثم ما الذي يضمن نجاح حكومة أبي مازن في هذه المهمة وقد عجزت إسرائيل نفسها عن ذلك مع كل ما تملك من قوة نارية. هكذا ستكون الحصيلة فتنة بين الفلسطينيين من دون تحقيق المطلوب في خريطة الطريق. يخطئ من يرى في المفاوضة سبيلاً لمقارعة الحجة بالحجة. انها محصلة توازن القوى على الأرض. فالنصر فيها معقود للأقوى عسكرياً وليس للأقوى حجة. من هنا القول ان الغلبة في حلبة المفاوضة ستكون للإسرائيلي على وجه قاطع، ولن ينال الفلسطيني شيئاً من حقوقه. وسنسمع القادة العرب يسمّون التسوية التي ستعقد بنتيجة هذه العملية سلام الشجعان. وهي عمليا سلام السلاطين، إذ يوقعها سلاطين العرب نيابة عن شعوبهم بخلاف إرادة هذه الشعوب.

هل يعني ذلك نهاية قضية العرب في فلسطين؟ الجواب: كلا، بل هو نهاية مرحلة من الصراع، هي مرحلة الصدامات الساخنة، مرحلة الحروب غير المتكافئة، ولكن بداية مرحلة جديدة من الصراع لا بد ان يتعطّل فيها مفعول القوة العسكرية الغاشمة فتسود في ختامها قوة الحق. فبعد مرحلة كان الحق فيها للقوة سيغدو الحق في مرحلة قادمة هو القوة، وهي حالة يكون فيها الحق والقوة في جانب واحد فيكون النصر بإذن الله لأصحاب الحق. كان مثل ذلك في لبنان، حيث كانت الغلبة للقوة العسكرية الغاشمة في العام 1978 ثم في العام 1982، وبعد ذلك بدأت مرحلة جديدة من الصراع كان سلاح لبنان فيها الإنسان العامر القلب بقوة الايمان وروح التضحية والفداء. انها مرحلة المقاومة التي انتهت بانتصار الحق فجلا الإسرائيلي عن أرض لبنان. لقد برهن لبنان، وتبرهن الانتفاضة الفلسطينية، ان سلاح الطائرات المتطورة والصواريخ المدمّرة والمدافع الثقيلة والدبابات الحديثة لا يُجدي نفعاً في مواجهة سلاح المقاومة. هكذا تعطل عملياً سلاح القوة العسكرية.

في خريطة الطريق تنتهي الحرب، أي الصراع المسلح، بتسوية غير عادلة، ولكن تبقى القضية حيّة خفّاقة. وتبدأ مرحلة جديدة من الصراع سلاح العرب فيها إرادة الإنسان الرافض للظلم على خلفية ان أي تسوية تُعقد بين قاهر ومقهور على هذا الصعيد تبقى غير شرعية وغير مشروعة: إنها غير شرعية باعتبار ان الشرعية إنما تستمد من إرادة الشعوب، والشعوب لم تُعبّر عن إرادتها على هذا الصعيد في غياب الديموقراطية في الوطن العربي من أقصاه الى أقصاه. والتسوية المعقودة في تلك الحال تعتبر غير مشروعة بمعنى انها موقعة بين غالب ومغلوب على أمره، بالإكراه، تحت التهديد بالحديد والنار، وفي مبادئ القانون ان عقداً يُوقع بالإكراه هو عقل باطل لا يُعتد به. فليس من المصادفة في شيء ان يطرح مشروع خريطة الطريق على العرب مباشرة بعد الحرب الماحقة التي شنّتها أميركا على العراق، فكانت هذه الحرب أكبر عملية إرهاب للحكام العرب. فلم يعد بينهم صوت يستطيع ان يقول <<لا>> على أمر تبادر إليه الدولة العظمى. وقد جاء ذلك معطوفاً على إدراك الحكام العرب أساساً ان إسرائيل متفوّقة عسكرياً على الدول العربية مجتمعة ولا قِبل لهم بمواجهتها بوسائل الحرب التقليدية والمفتوحة.

المقاومة الشعبية ستكون سنّة الصراع في المرحلة القادمة. وسيكون في ترسانة المقاومة كل أسلحة النضال السلمي ضد الأنظمة الحاكمة التي تتحمل أوزار الهزيمة المفروضة على العرب، وسيكون من أهداف النضال استعادة الشعوب العربية إرادتها المصادرة وذلك عبر إرساء قواعد الديموقراطية التي يكون فيها للشعوب الكلمة الفصل في تقرير مصيرها لا بل في كل شأن وطني وقومي. ومن وسائل النضال السلمي التظاهر والاعتصام والإضراب والتعبئة الإعلامية والعصيان المدني. وسيكون من وسائل النضال القومي الاستمرار في مقاطعة إسرائيل على كل المستويات سياسياً واقتصادياً وثقافياً الى ان يتحقق الحد الأدنى من الحقوق العربية وهو عودة اللاجئين الفلسطينيين، كل اللاجئين، الى ديارهم في فلسطين، كل فلسطين، وتقوم دولة فلسطينية موحّدة عاصمتها القدس، على امتداد فلسطين من البحر الى النهر، وتضم المسلم والمسيحي واليهودي في كنف ديموقراطية فاعلة.

بهذا المعنى نقول إن مشروع خريطة الطريق ليس نهاية الطريق بل هو بداية طريق طويلة في أفق جديد. لقد كان للقوة جولات وسيكون للحق صولات.

السفير، بيروت، 3/5

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات