بالكاد أعلنت الحكومة الاسرائيلية موافقتها المشروطة على "خريطة الطريق" حتى انهالت على شارون وأركانه برقيات الثناء والمديح ووصفها الناطق باسم البيت الأبيض بأنها خطوة كبرى الى أمام. وخطت الحركة الديبلوماسية خطوة جديدة باتجاه تسوية النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي، وازدحمت حركة المرور على طريق تسوية هذا النزاع بعدما ظلت محدودة لأكثر من عامين، وتذكّر البعض زخم النشاط السياسي والديبلوماسي في عهد الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون. وزار وزير الخارجية الاميركي كولن باول وعدد من وزراء خارجية الدول الأوروبية رام الله وتل ابيب لإظهار مساندة ادارة بوش ودول الاتحاد الأوروبي حكومة محمود عباس، ومحاولة اقناع شارون بأهمية الشروع في تنفيذ "خريطة الطريق".
على رغم فداحة التضحيات التي تكبدها الشعب الفلسطيني خلال انتفاضة الاقصى والاستقلال، يمكن القول إن الكفاح الفلسطيني انقذ القضية الوطنية من غياهب مصير مظلم كان يخطط لزجها فيه. واليوم فإن اضطرار شارون الى الاعتراف بحق الفلسطينيين في اقامة دولة فلسطينية هو نتاج مباشر لهذا الكفاح وللانتفاضة الوطنية وللصمود الأسطوري الذي اجترحته الملايين من جنين البطولة حتى رفح الباسلة. ويذكرنا هذا التحول بالمسار العام لتطور الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وهو مسار ما انفك منذ عام 1967 يتخذ اتجاهاً لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
الاستيطان في رأس العامود أحد المشاريع البارزة التي اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون أن يدفعها إلى الأمام بينما كان العالم الخارجي منشغلا بحمى الحرب على العراق. والمشروع الآخر كان نزع ملكية الأراضي لمشروع استيطاني من نوع آخر: ففي شمال الضفة الغربية كانت الجرافات تعمل بلا انقطاع في تشييد كيلومترات من الجدار الإسرائيلي. ولكن المستوطنة اليهودية في رأس العامود تمثل بشكل خاص خطرا من وجهة النظر الفلسطينية لأنها عبارة عن تغيير آخر في الوضع القائم بالقدس، بمعنى أنها خطوة إضافية على طريق السياسة الإسرائيلية العنيدة بتغيير الوجه الديموغرافي للقدس، الأمر الذي يؤدي إلى تعريض مفاوضات السلام للخطر.
كان وضع القدس محل نزاع بين الحركة الصهيونية والعرب الفلسطينيين حتى قبل نشوء دولة إسرائيل. آنذاك كانت المستوطنات اليهودية في القدس غالبًا ما تقع إلى الغرب وإلى الشمال من المدينة رغم أن العرب واليهود أخذوا يختلطون في الأحياء الغربية. على أنه رغم هذا الوجود المتنامي لم يعطِ مشروع الأمم المتحدة بالتقسيم لعام 1947 القدس لأي من الجانبين. (وهذا لم يكن موضع خلاف بالنسبة للزعماء الصهيونيين الذين قبلوا رسميًا التقسيم خلافا للعرب. وقد نقل عن دافيد بن غوريون أنه خطط لعاصمة تقع في مكان ما في النقب).
الصفحة 74 من 81