يشير المؤرخ الإسرائيلي توم سيغف، في مقال أخير له حول دروس إحياء الذكرى الستين لتحرير معسكر الإبادة النازي في "أوشفيتس" (صحيفة "هآرتس"، أواخر كانون الثاني 2005)، إلى ما يمكن اعتباره عدم إحتراس قادة إسرائيل حيال الوقوع في الهاوية التي فتحها الوحش النازي، وذلك بتنائيهم عن الحرص على التشديد في المحافظة على الديمقراطية وحقوق الإنسان. ولا يبخل من هذه الناحية في تقديم الأمثلة على مترتبات عدم الإحتراس السالف، التي ينوء تحت وطأتها الفلسطينيون في إسرائيل وفي الضفة الغربية وقطاع غزة على حدّ سواء.
مسافة كبيرة تفصلني عن ملاعب كرة القدم، ليس جغرافيًا فقط، بل اهتمامًا أيضًا. ولكن أحيانًا تتعدى الكرة ملعبها فتحطّ في شباك السياسة. وهنا أصبح مشجعًا متحمّسًا..
فقد كتب عدد من الصحف مؤخرًا عن مباراة فريق مدينة سخنين الجليلية وفريق تل أبيبي. ومما نُقل فإن عددًا من مشجعي سخنين، تصرّف مثل "بيتار أورشليم"، المعروف بفظاظة عدد من جمهوره.. وهنا، بدون تأتأة يجب القول: هذا عيب، ومسيء، ليس لهم ولفريقهم وبلدهم فقط، بل لنا جميعًا.
اجتهد الإسرائيليون، من ساسة ومعلقين، ومن كتاب ومحللين، على مختلف أنواعهم ومشاربهم، كثيرًا جدًا في أن تظهر الحملة الضارية على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وهو على فراش مرضه ومباشرة بعد رحيله، في لبوس محدّد يوحي بأن في الأمر "تصفية لحسابات شخصية" قديمة- متجددة، في الإمكان عزوها إلى عملية "فصد الدم" الراهنة فحسب. وعلى رغم ذلك لم يكن في مقدرة هذا الاجتهاد، على ما فيه من نزعة شخصنة مفرطة في حدّتها، أن يضبّب الأهداف الحقيقية الكامنة خلف هذه الحملة المتصلة، والتي ليس أبسطها أن العداء لعرفات الشخص هو تعبير عن عداء راسخ لكل ما يمثله من طموحات الفلسطينيين، في جهة وأن الجانب الشخصي، الذي لا يمكن إسقاطه من الحسبان في بعض الحالات، هو مجرّد تفصيل مهم في منظومة متكاملة أكثر أهمية ودلالة، في أخرى.
يقول المعلق الصحفي الإسرائيلي المعروف ناحوم بارنياع: "قوانين السياسة تشبه قوانين الطبيعة: فهي تفتش عن نقاط توازن. عندما يقوم حزب معروف بأنه حزب يساري بالانضمام للحكومة، فان الجانب اليميني في الحكومة يتوجه بشكل تلقائي نحو اليمين. هذا هو طريق اليمين لاختزال الضرر الذي مس برصيده بسبب المشاركة مع اليسار" ("يديعوت احرونوت"، 17 كانون الثاني 2005). كان هذا تحليل بارنياع للانطباع الذي لا يمكن التحرر منه، كما يقول، بأنه كلما دخل حزب المباي الى الحكومة تنطلق الدبابات الى مهامها.
الصفحة 33 من 81