المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

لم يعد زعيم حزب العمل، شمعون بيريس، على ثقة بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية، أريئيل شارون، سوف ينفّذ خطة الفصل. وهو يرى أن شارون الذي يوضع أمام خيار البقاء في الحكم او تنفيذ الخطة، سيختار البقاء في الحكم. وهذه أيضاً قناعة الكثير من المعلّقين ورجال السياسة في إسرائيل. غير ان اليمين الإسرائيلي الذي يرى انه أفلح في تثبيت إقدامه، ليس فقط في المستوطنات، وإنما كذلك في الحلبة السياسية الإسرائيلية يرى خلاف ذلك، وهو يعتقد ان من واجبه ليس منع شارون من الإقدام على خطة تفكيك مستوطنات، ولو من أجل تثبيت أخرى، وإنما الحيلولة دون تفكير أي إسرائيلي في المستقبل بتفكيك مستوطنات.


والواقع ان فكرة اليمين هذه تقوم على أساس قناعة يرددها كثيرون: إذا لم ينجح شارون في ذلك فليس بوسع أي إسرائيلي آخر النجاح في مهمة كهذه. ولأن الأمر كذلك ثمة في صفوف حزب "العمل" من كانوا على استعداد لاستيعاب المهانة والركض وراء شارون من أجل الانضمام لحكومته. وسبق لشمعون بيريس ان أعلن انه في سبيل تنفيذ خطة الفصل، فإنه على استعداد لتحمّل المشاقّ كافة. وهذا هو موقف الكثيرين من اليسار الإسرائيلي. وبين هؤلاء وأولئك هناك من يعتقدون انه حتى ان كان شارون بعيداً عن تنفيذ خطة الفصل، فإنه على الأقل قادر على تمرير هذه الخطة في الحكومة، وفي الكنيست، الأمر الذي سوف يسهّل على كل من سيخلفه، خاصة بنيامين نتنياهو تنفيذ المهمة.
وهذا ما يفهمه اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي لم يرق له نجاح شارون في تمرير خطة الفصل (من حيث المبدأ) في الحكومة، وبدء الاستعدادات لاتخاذ القرارات والقوانين الاجرائية التي تسهل هذه العملية في المستقبل. ولهذا السبب بدأ اليمين خطته الكبرى لمواجهة ذلك من خلال جملة خطوات بلغت ذروتها في التهديد بحرب أهلية. وقد سبق هذا التهديد قيام اليمين المتطرف بكسب التأييد في مركز ومؤتمر "الليكود" ضد خطة الفصل من جهة وضد إقامة حكومة وحدة مع حزب "العمل" من جهة ثانية.
ورغم أن هاتين الخطوتين بذاتهما تعرقلان تنفيذ خطة الفصل لأنهما تحرمان شارون من الشرعية الحزبية أولاً، ومن القدرة على تشكيل ائتلاف قادر على تنفيذ الخطة من جهة ثانية، فإن اليمين أراد ارهاب المجتمع الإسرائيلي من عواقب تأييد خطة الفصل. وهكذا جاء اعلان شخصيات اليمين بأن اخلاء المستوطنات يشكل جريمة ضد الإنسانية. وجاء إعلان حاخامات اليمين بأن حماية اليهود تبرّر قتل المدنيين الفلسطينيين. وأخيراً جاء التهديد بالحرب الأهلية، الذي ترافق مع حملة إعلامية قوية لنزع الشرعية عن أريئيل شارون وعن فكرة الفصل.
وفي المظاهرة الكبرى التي أقامها اليمين الإسرائيلي مساء أمس (12/9/2004) كانت الدعوات واضحة بضرورة استقالة شارون، وبوجوب تغيير الزعامة. بل بلغ الحد ببعض أقطاب اليمين الاستيطاني الى اعلان وجوب محاكمة شارون في المحكمة الدولية مثل الزعيم الصربي سلوفدان ميلوسوفيتش. وقال المحامي الياكيم هعتسني، من قادة المستوطنين، إنه يجب تقديم كل من ينفذ أمر إخلاء مستوطنين للمحاكمة. "إن إخلاء مستوطنات هو جريمة أخلاقية، وهي مرض نفسي يصيب اليهود. كما انها جريمة ضد الإنسانية".
ولكن اليمين لا يكتفي فقط بالتظاهر وبالحملات الاعلامية وبالتهديد بالحرب الأهلية، ولكنه يستخدم تباعاً اوراقه السياسية والحزبية. وهو الذي كسب الى جانبه منذ وقت بعيد جميع أعضاء "الاتحاد القومي"، وزعيم "المفدال" إيفي ايتام، وقسما كبيرا من أعضاء الكنيست من "الليكود"، يحاول الآن إدراج هؤلاء في المعركة. وهكذا فرقة وراء فرقة ينزلون الى المعركة: أولا "الاتحاد القومي"، ثم زعيم "المفدال"، والآن دور "المفدال". ومن المقرر ان يحسم مركز المفدال الصيغة الواجب التعامل بها مع شارون وموعد الانسحاب من حكومته. وبهذا المعنى فإن حكومة شارون تعيش اليوم برسم بقاء او انسحاب المفدال منها.
وعلى ما يبدو فإن المفاوضات الائتلافية التي قادها شارون مع "يهدوت هتوراه" الحريدية لم تصل بعد الى خاتمة سعيدة. ويمكن الافتراض ان انسحاب المفدال من الحكومة سوف يجعل من شبه المستحيل على شارون ضم "يهدوت هتوراه" وبالتالي المحافظة على حكومته التي سوف تتحول الى حكومة أقلية. وإذا لم يكن ذلك كافياً لأريئيل شارون لإقناعه بالتراجع عن خطة الفصل ووضعها في الأدراج فإن لدى اليمين المتطرف "القوة الضاربة" داخل الليكود وممثلة بأعضاء الكنيست المنضوين في إطار "اللوبي الاستيطاني". ويشكل هؤلاء حوالي ثلث أعضاء الكنيست من الليكود.
وأمام حال كهذه لم يكن صدفة أن يُبدي زعيم "شينوي"، تومي لبيد، تقديره بأنه حتى شباط المقبل سوف يكون قرار تقديم موعد الانتخابات قد اتخذ. وإذا كان شارون قد هدّد في الماضي أعضاء حزبه بتقديم موعد الانتخابات، فإن هدف المستوطنين المعلن الآن هو تقديم موعد الانتخابات وإسقاط حكومة شارون.
وإجمالاً، كلما ارتفع صوت شارون أعلى حول خطة الفصل، ينبغي لكل عاقل أن يزداد اقتناعاً بعجزه عن تنفيذها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات