المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تحليل أخباري
  • 754

 بقلم: برهوم جرايسي
 يظهر رئيس الحكومة الاسرائيلية، اريئيل شارون، في هذه الايام في احدى صوره النادرة جدا في مجمل حياته العسكرية والسياسية، وهو انه يسير "بانضباط" وفق جدول زمني وضعه لنفسه منذ اكثر من شهرين.

لقد قرر شارون في داخله انه سيجعل الساحة الحزبية ترى الويل منه، وتركض خلفه دون توقف، ليقرر هو ما يشاء ويفعل ما يشاء، في كل ما يتعلق بتوسيع ائتلافه الحكومي. فعلى الرغم من انه هو في أمس الحاجة لتوسيع ائتلافه الهش الذي يفتقر للحد الادنى من الاغلبية البرلمانية، إلا ان شارون قرر انه هو الاقوى، وإذا كان يواجه ازمة حقيقية داخل حزبه، فإنه نجح في نقل الأزمة الى داخل الاحزاب التي تدور في فلك حكومته.

 

فحزب "العمل" يواجه ازمة قيادة حادة، بعد ان اتضح مجددا، ما كان واضحا دائما، ان شمعون بيريس لن يتنازل عن قيادة الحزب، خلافا لوعد قطعه على نفسه قبل 14 شهرا، من انه لن يتنافس على رئاسة الحزب في الانتخابات الداخلية. ومسألة المشاركة في حكومة شارون، جعلت مسألة انضمام حزب "عام إيحاد" (شعب واحد) بزعامة رئيس اتحاد النقابات (الهستدروت) عمير بيرتس، لحزب "العمل" على كف عفريت، اضافة الى الازمة الناشئة على خلفية الرفض المبدئي للمشاركة في حكومة يقودها "الليكود".

اما حزب "شينوي" العلماني المتشدد، اكبر احزاب الائتلاف بعد "الليكود" (15 مقعدا من اصل 120 مقعدا)، فإنه يواجه هو الآخر ازمة لم يكن يحلم بها، إذ وضعه شارون امام سؤال صعب ينسف له كل برنامجه الحزبي الذي بنى نفسه عليه، ومطلوب من "شينوي" ان يوافق على الشراكة في الائتلاف الحكومي مع الكتل الدينية المتشددة الاصولية (الحريديم)، وان يرضخ من جديد لقوانين وانظمة الاكراه الديني التي حاربها هذا الحزب بقوة، وعلى اساس هذا ضاعف قوته، من 6 مقاعد الى 15 مقعدا.

كذلك فإن الازمة ظهرت في اليومين الاخيرين في كتلة "يهدوت هتوراة" المتدينة الاصولية، وهي كتلة تضم حزبين صغيرين، "ديغل هتوراة" و"اغودات يسرائيل"، وتواجه اليوم احتمال انقسام جديد بعد 12 عاما من الوحدة، على خلفية الشراكة المفترضة مع "شينوي" في حكومة شارون.

ونذكر ان قرار حكومة شارون بالانسحاب من غالبية مناطق قطاع غزة، وبعض مناطق شمالي الضفة الغربية، ادى الى انشقاق في كتلة "المفدال" المتدينة اليمينية (6 اعضاء، انسلخ عضوان منهم عن الكتلة بسبب مواصلة الشراكة في حكومة شارون). وهناك ازمة متسترة وغير ظاهرة للعيان، في كتلة "هئيحود هليئومي" اليمينية المتطرفة بزعامة افيغدور ليبرمان، إذ هناك عضو واحد من اصل سبعة اعضاء الكتلة، هو ميخائيل نودلمان، يميل الى مواصلة تأييد حكومة شارون، على الرغم من انسحاب كتلته من الائتلاف الحكومي.

 

شارون لن يفلت طويلا
 

ينهي شارون في هذين اليومين عطلة صيفية قضاها في مزرعته الخاصة، وقد راقب هناك عجله المسمّن، ويجري الحديث ان لديه عجلا نادرًا، قد يكون باستطاعته بعد ثلاثة اشهر ان يدخل كتاب غينيس للارقام القياسية، إذ متوقع ان يصل وزنه الى ألف كيلوغرام (طن واحد).

سيعود شارون الى مزاولة عمله كالمعتاد، وعمليا فإنه سيعود لمواجهة الحقيقة، فكل ما نجح بفعله حتى الآن هو دحرجة الأزمة، وتأجيلها، ولكنه لا يمكنه الافلات منها إلى فترة طويلة. ففي الاسابيع القادمة سيقف مجددا امام الكنيست، في محاولة لاقرار ميزانية الدولة للعام القادم 2005، بعد ان حظيت باغلبية كبيرة في حكومته، ولكن حكومته ليس لديها اغلبية برلمانية. وإذا لم يوسع حكومته فعليا، فإنه سيكون بحاجة الى دعم خارجي، وهذه المرّة من الكتلتين الدينيتين "يهدوت هتوراة" و"شاس"، ولكن هاتين الكتلتين لا تقدمان خدمات مجانية، وهما بحاجة الى ميزانيات لجمهوريهما المتدين، لتعود الكرّة الى مفاوضات الابتزاز، وهنا ستكون المشكلة المفترضة مع كتلة "شينوي" العلمانية المتشددة، التي إن رضخت للموافقة على مطالب المتدينين، فهذا يعني انها ستؤجج الازمة في داخلها، وايضا ستتم معاقبتها في الانتخابات البرلمانية، التي اصبحت رياحها تلوح في الافق.

خلال سنوات اسرائيل الـ 56، لم تسقط اية حكومة على خلفية اقتصادية، ولكن "موسم" اقرار الميزانية في اسرائيل هو مناسبة للاحتكاك الحزبي داخل البرلمان، تطرح فيه كافة القضايا، السياسية والحزبية، وتشتد الازمات، وإن سرّع اقرار الميزانية أجل حكومة ما، مثل حكومة نتنياهو، فإن السبب الاساسي لم يكن اقتصاديا، بل سياسيا محضا.

ليس من الواضح لأحد حاليا، ولا حتى لشارون نفسه، ما هي المعادلة السحرية التي سيعرضها شارون لتسمح بتوسيع ائتلافه، ولا حتى من سيجمع، نظرا للتعقيدات الجمّة التي تتراكم يوميا في الساحة الحزبية الاسرائيلية. ولكن اية معادلة سيتم طرحها سيكون في اساسها تجميد الازمة، والجمع بين التناقضات الحادة، وجمع كهذا لا يمكنه ان يدوم طويلا، سيعجّل في انفجار الحكومة.

فالجمع بين العلمانيين المتشددين والمتدينين المتشددين، سينهار سريعا، والجمع بين "شينوي" وحزب "العمل" و"الليكود"، سيعجّل الانفجار داخل "الليكود"، وقد يقود الى انشقاق حقيقي. وجمع بين المتدينين و"العمل" و"الليكود" سيبقي على الازمة في "الليكود"، ولكن الأزمة ستنفجر بقوة داخل حزب "العمل".

 

لا يمكن تجاهل الجانب السياسي
 

الواضح على الخارطة الحزبية الاسرائيلية ان دور الايديولوجيات تلاشى، ولم تعد هناك احزاب تقودها ايديولوجيات، منضوية كلها داخل الحركة الصهيونية، كما كانت الحال حتى اوائل الثمانينيات. فاليوم تحولت الاحزاب في اسرائيل، خاصة التي تدور في فلك الحكم بالتناوب، الى احزاب يقودها افراد ومصالح اقتصادية وغيرها، وهذا الأمر ساهم بشكل أكبر في التخبط السياسي الذي تشهده اسرائيل، خاصة بعد اوسلو 1993، فكل الايديولوجيات التي بنت اسرائيل نفسها عليها، وربت اجيالها عليها تلاشت نوعا ما، واتضح للساسة والشارع معا، انه لا يمكن السيطرة على شعب بأكمله وعلى كامل ارضه لأمد طويل. واسرائيل تبحث عن مخرج، لأنها ما زالت ترفض عمليا المخرج الطبيعي والمنطقي وفق ظروف العصر.

هذا الأمر يؤجج التناقضات داخل البرلمان الاسرائيلي، وبالتالي يؤجج البلبلة داخل الشارع الاسرائيلي، الذي يواصل تمزقه بين احلام الماضي واوهام القوة، وبين السعي الى ممارسة حياة طبيعية.

وسط هذه التناقضات توجه الشارع الاسرائيلي الى الانتخابات البرلمانية في العام 2003، التي افرزت نتائج لا تقود اسرائيل الى شيء، وكان الرابح الأكبر حزب "شينوي" (15 مقعدا) الذي اصطلح على تسميته حزب "ترانزيت" كونه لا يطرح شيئا، ولا يعرف الى اين يتجه سياسيا.

وفق القانون الاسرائيلي، من المفروض ان تجري الانتخابات البرلمانية في خريف 2006، ولكن وضعية حكومة شارون والتفكك الحزبي الحاصل يؤكد ان هذه الانتخابات ستجري قبل موعدها، وكلما اتضحت هذه الحقيقة اكثر للاحزاب، اصبح موعد الانتخابات اقرب، لأن جميع الاحزاب ستترك كل شيء وتسارع لتهيئة نفسها نحو الانتخابات القادمة، وستبعد نفسها عن أية شراكة او تحرك قد يؤثر على نتائجها الانتخابية.

إذا لم يحدث اي تحول حقيقي، مثل الانسحاب من غزة، فإن اسرائيل ستتجه الى انتخابات تكون نتائجها اقرب لنتائج 2003. ودخول اسرائيل الى دوامة انتخابات سيكون ذريعة جديدة لشارون ليتهرب من تنفيذ فعلي لخطة الانسحاب من قطاع غزة.

واجراء انتخابات اسرائيلية قبل الانسحاب المفترض، سيكون سيئا، لأن الانتخابات ستدور حول هذه الخطة، وبالتالي فإن الخطة التي صاحبها اصلا ليس معنيا بها، ستكون السقف الاعلى لاي تحرك سياسي قد تقرره لنفسها اي حكومة جديدة تظهر في اسرائيل.

انقلاب بعض هذه المعادلات منوط بتغيرات خارجية، ومن بينها، وربما اهمها، تغيير في البيت الابيض.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات