المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
نتنياهو وبن غفير (صحف).
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 95
  • برهوم جرايسي

أعاد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي، رصّ ائتلافه الحاكم، مع عودة كتلة "قوة يهودية- (عوتسما يهوديت)- بزعامة إيتمار بن غفير، إلى الائتلاف، رغم أن انسحاب هذه الكتلة لم يُؤخذ على محمل الجد، واستمرت في كونها محسوبة على الائتلاف. يضاف إلى هذا، أن كتلة "اليمين الرسمي" بزعامة جدعون ساعر، أقدمت على ما كان متوقعا لها، بالاندماج في كتلة الليكود، في إثر استمرار تهاويها في استطلاعات الرأي العام، ما جعل ساعر يسارع في البحث عن "خشبة الخلاص"؛ وبهذا فإن نتنياهو يضرب، مرّة أخرى، كافة التكهنات بانتخابات مبكّرة، التي ستكون فقط في حالة أنها ستخدم مصلحة استمرار حكمه، إلا أن استطلاعات الرأي ما تزال تشير إلى خسارته الحكم، في ما لو جرت الانتخابات في هذه المرحلة.

ساعر يقفز على لوح صغير في نهر جارف

إن قرار جدعون ساعر، زعيم الحزب المتهاوي في الاستطلاعات، "اليمين الرسمي"، العودة إلى الحزب الأم، الليكود، هو بمثابة قفز ساعر على لوح خشبي صغير عائم في النهر الجارف، وبالكاد سيتسع لاثنين من أصل أربعة في كتلته، لضمان تمثيلهما في الانتخابات المقبلة، ضمن أماكن مضمونة في قائمة الليكود، بعد أن خلع ساعر عن نفسه، شيئاً فشيئاً، كل الشعارات البراقة التي نسبها لنفسه، وهو يغادر حزب الليكود في الأيام الأخيرة من العام 2020، بعد أن مُني بخسارة مهينة في منافسته لنتنياهو على رئاسة حزب الليكود، إذ حصل في ذلك الوقت على نسبة 23%، مقابل 77% لنتنياهو.

ومعروف عن ساعر، منذ أن دخل إلى الكنيست لأول مرة في انتخابات العام 2003، وقبلها حينما كان سكرتيراً لحكومة بنيامين نتنياهو في سنوات التسعين، أنه يسعى لانتهاز الفرص، لكنه دخل بصدام مباشر مع نتنياهو في الكنيست الـ 19 على أساس شخصي، واختار ساعر عدم خوض انتخابات العام 2015، لكنه سرعان ما عاد في انتخابات العام 2019، ولاحقاً، أعرب عن نيته المنافسة على رئاسة الليكود، ظنّاً منه أن سلسلة شبهات الفساد حول نتنياهو ستساعده لاحتلال مكان متقدم في الليكود، لكن خاب ظنه في الانتخابات لرئاسة الليكود، التي ضغط لإجرائها في نهاية العام 2020، وكما ذكر سابقاً هنا جاءت نتيجته ضربة قاصمة له، دفعته لمغادرة صفوف الحزب، وانضم له عدد قليل من النواب، وشكّل حزباً جديدًا.

وفور تشكيل حزبه، منحته استطلاعات الرأي ما بين 16 إلى 19 مقعداً، ثم بدأ يتهاوى في استطلاعات الرأي، وعشية انتخابات العام 2021، منحته استطلاعات الرأي 9 مقاعد، لكنه حقق 6 مقاعد فعلية، وبعد تلك الانتخابات تبين أنه يصارع على نسبة الحسم، في أي انتخابات لاحقة، ولهذا تحالف مع حزب بيني غانتس لانتخابات العام 2022، لكن التحالف لم يثمر كثيراً، وبدأ فوراً يبحث عن مسار خروج، اعتقاداً منه أنه سيكوّن نفسه من جديد، لكن استطلاعات الرأي أبعدته بنسبة كبيرة عن نسبة الحسم، بعد انشقاقه عن تحالفه مع غانتس في شهر نيسان العام الماضي.

وسعياً منه لضمان وجوده على الساحة، قرر ساعر الانضمام إلى الحكومة في شهر أيلول العام الماضي، وكان هناك إجماع لدى جميع المراقبين والسياسيين على أن ذلك مقدمة للعودة إلى الليكود، وهذا ما تم في الأسبوع الماضي، بعد أن خلع ساعر عنه كل شعاراته السابقة ضد نتنياهو، لا بل بدأ يضرب بسيفه الآن، في مهاجمته المستمرة للمستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف- ميارا، التي عينها ساعر بنفسه حينما كان وزيرا للقضاء في الحكومة السابقة. بحسب الاتفاق، فإن ساعر سيضمن مقعدين له ولزميله زئيف إلكين، فيما سيكون على النائبين الآخرين السعي لإنقاذ نفسيهما، إذا قررا أصلاً خوض الانتخابات. وعلى الرغم من عودة ساعر وزملائه إلى الليكود، إلا أن هذا الانضمام لم يؤثر على عدد مقاعد الليكود في استطلاعات الرأي العام التي أُجريت نهاية الأسبوع الماضي، إذ استمر في التأرجح حول معدله في الأشهر الأخيرة.

انسحاب بن غفير كان صورياً

لقد كانت عودة إيتمار بن غفير إلى الحكومة متوقعة منذ اللحظة التي غادر فيها الائتلاف الحكومي رداً على اتفاق وقف إطلاق النار. ولم تتعامل أي جهة معه ومع حزبه، على أنهما بالفعل حزب معارضة، ولم تظهر أي أزمة ائتلافية نتيجة خروجه من الائتلاف. وأكثر من هذا، فرغم مغادرته وزارة الأمن القومي، وتعيين الوزير حاييم كاتس من حزب الليكود بدلاً منه، أكدت عدة تقارير صحافية إسرائيلية أن بن غفير استمر في كونه الوزير الفعلي، فمن حلّ محله لم يعمل على تغيير طاقم الوزير الإداري، لإدراكه أنه يجلس في الوزارة مؤقتاً، إلا أن بن غفير يختلق صورة وكأنه نجح في تحقيق شروطه ليعود إلى الحكومة، في سعي لكسب أوراق سياسية، وخاصة انتخابية، وكانت الشروط، استئناف الحرب على قطاع غزة، وإقالة المستشارة القانونية للحكومة، ثم ادّعى أنه طالب أيضاً بإقالة رئيس جهاز "الشاباك" رونين بار، رغم أن هذا الشرط لم يظهر لديه من قبل.

إن استئناف الحرب لم يسقط في أي لحظة عن أجندة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي فعل الكثير من أجل إطالة الحرب، لتمرير أهدافه السياسية بعيدة المدى، وأولها جعل قطاع غزة مكاناً لا يمكن العيش فيه، كحلقة جدية في مخطط القضاء على القضية الفلسطينية، بحسب ما يعتقد. أما قضية المستشارة القانونية للحكومة، فهذه هي قضية نتنياهو الشخصية أولاً، بصفتها المسؤولة الأولى عن النيابة العامة، وهي المقرر في ملفات منتخبي الجمهور وكبار المسؤولين، ومن بينهم، وأبرزهم حالياً بنيامين نتنياهو، الذي يخضع لمحاكمة الفساد المتشعّبة.

أما بخصوص رئيس الشاباك، فهذا أيضاً مخطط نتنياهو، والتيار الذي يمثّله، لجعل المستوى المهني في الجهاز الحاكم خاضعاً بشكل كلّي لإرادته، في حين أن نتنياهو اصطدم مراراً مع قادة الأجهزة الكبيرة، الجيش والمخابرات، قبل وبعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. لذا، فإن القول إن استئناف الحرب هو ثمن لتثبيت الحكومة، لا أساس له، ويصطدم كلياً مع جوهر سياسات نتنياهو وما يمثله، وهذا زاد أكثر، مع غياب أي تحفظ افتراضي سيأتيه من الداعمة الأساس: الإدارة الأميركية.

لكن رغم كل هذا، فإن بن غفير قد يحقق بعض قصاصات الأوراق الإضافية، لدى الجمهور الأشد تطرفاً بين المتطرفين بين المستوطنين، والتيار اليميني الاستيطاني، إلا أنّ هذه الأوراق سيحققها على حساب حليفه الانتخابي السابق، بتسلئيل سموتريتش، الذي يواصل تأرجحه في استطلاعات الرأي العام بين الوصول إلى نسبة الحسم، وتحقيق التمثيل البرلماني الأدنى، وبين السقوط. وهذه وضعية قد تضطره إلى إعادة تشكيل التحالف مع بن غفير، لكن تحت رئاسة الأخير، خلافاً لما كان في انتخابات عام 2022 الأخيرة. 

استطلاعات الرأي العام تراوح مكانها

كل ما سبق ذكره، على مستوى إعادة تثبيت الائتلاف، وانضمام ساعر لليكود، لم يؤثر على نتائج الاستطلاعات الصادرة في نهاية الأسبوع الماضي، الذي كان أسبوعاً عاصفاً آخر، على المستوى الإسرائيلي، فعدا استئناف الحرب بوحشية أشدّ على قطاع غزة، فقد بدأ الأسبوع بالإعلان عن نية وزير القضاء، ياريف ليفين، الشروع بإجراءات لإقالة المستشارة القانونية للحكومة، وهو اجراء مليء بالتعقيدات القانونية. تبعه فوراً، قرار نتنياهو بإقالة رئيس جهاز "الشاباك" بار بذريعة عدم الثقة به.

من أصل 120 مقعداً في الكنيست، تأرجح الائتلاف الحاكم عند 54 مقعداً، بدلاً من 68 مقعداً له اليوم، في حال كان المشاركون هم الممثلون حالياً في الكنيست، وتهبط قوة الائتلاف إلى 49 مقعداً، في حال خاض الانتخابات رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت، على رأس قائمة جديدة. في حين أبقت الاستطلاعات 10 مقاعد للكتلتين اللتين تمثلان الفلسطينيين في الداخل. إن اللافت في استطلاع صحيفة "معاريف" الأسبوعي، وبدون انقطاع منذ الانتخابات الماضية، أن فريق المعارضة الصهيونية، ابتعد أكثر عن حاجز الأغلبية المطلقة (61 نائباً) وحصل على 56 مقعداً، أي أكثر بمقعدين مما حصل عليه الائتلاف الحالي، وتضمن المعارضة الأغلبية الهشة، 61 نائباً، في حال خوض بينيت الانتخابات، لكن هذه فرضية ليست واضحة حقيقتها ومعالمها.

يُعزّز هذا المشهد الاستنتاج بأن لا انتخابات مبكرة، وعلى الأغلب ستجري في موعدها القانوني، في نهاية شهر تشرين الأول 2026. إلّا إذا طرأ متغيران: الأول أن تنقلب صورة الاستطلاعات ويرى نتنياهو أن الفوز سيكون من نصيبه، حينها سيتجه إلى انتخابات جديدة ليعزز فيها حكمه. أما الثاني، والذي يبدو ضعيفاً للغاية، فيتمثّل في صدور قرار محكمة في قضايا فساد نتنياهو، خلال الأشهر الـ 16 المتبقية، قبل حل الكنيست بغية التوجه إلى انتخابات في موعدها القانوني، وأن يقضي القرار النهائي بإبعاد نتنياهو عن السياسة كلياً، لكن قراراً كهذا يجب أن يكون نهائياً وصادراً عن المحكمة الإسرائيلية العليا، في حال تم التوجه اليها باستئناف.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات