المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
مشهد من زيارة الزعيم الدرزي الإسرائيلي موفق طريف ونحو 100 من كبار رجال الدين الدروز السوريين، مقام النبي شعيب في 14 آذار الجاري. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 171
  • ياسر مناع

شهدت الساحة السورية نهاية العام الماضي حدثاً فارقاً في تاريخها، تمثّل في سقوط نظام بشار الأسد بتاريخ 8 كانون الأول 2024، والذي تزامن مع محاولات إعادة تشكيل المشهد في المنطقة في أعقاب حرب الإبادة على قطاع غزة.  في ضوء هذا التحول، سارعت إسرائيل إلى التنصل من اتفاقية وقف إطلاق النار المعروفة باسم "اتفاقية فك الاشتباك" الموقعة مع سورية العام 1974، لتدفع بقواتها نحو هضبة الجولان وتفرض سيطرتها على مساحات جديدة، في خطوة تعكس تحوّلاً استراتيجياً في السياسة الإسرائيلية تجاه سورية. وإلى جانب التحركات العسكرية، ظهرت سياسة إسرائيلية موازية لاستمالة أبناء الطائفة الدرزية هناك، معتمدةً على مزيج من الأدوات الاقتصادية، الدينية والاجتماعية.

ينطلق هذا المقال من فرضية مفادها أن إسرائيل تسعى لإعادة بلورة العلاقة مع سورية الجديدة عبر بناء حليف موثوق من الطائفة الدرزية السورية، يمكن أن يؤدي دور خط الدفاع الأمامي في مواجهة التحديات الأمنية على حدودها الشمالية، لا سيّما في ظل حالة عدم الاستقرار التي تعم سورية بعد انهيار نظام الأسد.

التوزيع الديمغرافي للطائفة الدرزية

يُعد الدروز من الطوائف الدينية ذات الامتداد الجغرافي المتداخل في المنطقة، حيث يتوزعون بشكل رئيس في كل من سورية، لبنان، وإسرائيل، مع وجود محدود في بعض الدول الأخرى مثل الأردن. وتشير معطيات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي للعام 2024 إلى أن عدد السكان الدروز في إسرائيل يبلغ قرابة 152 ألف نسمة، مقارنة بـ 14.5 ألفاً فقط في العام 1949، مما يعكس نمواً ديمغرافياً ملحوظاً خلال العقود السبعة الماضية. يتركز معظم الدروز في إسرائيل ضمن منطقتين رئيسيتين: الكرمل، التي تضم حوالي 17.6 ألف نسمة، والجليل الأعلى الذي يبلغ عدد سكانه من الدروز نحو 17.5 ألف نسمة.[1]

أما في الجزء المحتل من هضبة الجولان العام 1967 فيوجد ما يقارب 23 ألف درزي حيث يرفض معظمهم الجنسية الإسرائيلية ويتمسكون بهويتهم الوطنية السورية. في المقابل تُقدَّر أعداد الطائفة الدرزية في سورية بحوالي 700 ألف نسمة، موزعين بشكل رئيس في محافظة السويداء المعروفة تاريخياً بـ "جبل الدروز أو جبل العرب"، مضافاً إلى بعض القرى والمناطق المحيطة بدمشق، وكذلك في أجزاء من محافظة إدلب شمال سورية، وتجمعات أصغر في الجزء السوري من الجولان (غير المحتل العام 1967).[2]

المساعدات وسيلة الاختراق الناعم

لا تعد السياسة الإسرائيلية المستندة إلى تقديم المساعدات الإنسانية للطائفة الدرزية في سورية بالظاهرة الجديدة، بل هي امتداد لاستراتيجية قديمة عرفت سابقاً باسم مشروع "حسن الجوار". ففي الفترة ما بين عامي 2016 و2018، أقامت إسرائيل وحدة "حسن الجوار" التابعة للجيش الإسرائيلي؛ بهدف تقديم الدعم الطبي للمدنيين السوريين المتضررين من الحرب الداخلية، مع تركيز خاص على المناطق ذات الأغلبية الدرزية. وكان الجيش قد أعلن في وقت لاحق عن وقف عمل هذه الوحدة وعدم نيته إعادة تفعيلها.[3]

في  مطلع شهر آذار 2025 قامت وزارة الخارجية الإسرائيلية بالتنسيق مع قيادة الطائفة الدرزية داخل إسرائيل وبإشراف مباشر من الجيش الإسرائيلي، بإرسال عشرة آلاف حزمة مساعدات غذائية إلى الدروز في سورية، بكلفة بلغت ثلاثة ملايين شيكل. وقد اشتملت هذه المساعدات على مواد أساسية مثل الزيت، الدقيق، والأرز.[4]

كان من اللافت أن 70% من هذه الحزم وُجهت إلى محافظة السويداء (جبل الدروز) جنوب دمشق، بينما خُصصت النسبة المتبقية أي 30% للقرى الدرزية الواقعة ضمن المنطقة العازلة المحاذية لهضبة الجولان وفق ما نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت".[5]

مشروع العمالة الدرزية السورية في الجولان

في الآونة الأخيرة باشرت الحكومة الإسرائيلية في جملة من الخطوات العملية لإقامة قنوات ومسارات اقتصادية جديدة مع الدروز السوريين. تأتي هذه الخطوات بعد تجارب سابقة في هذا المجال، حيث سبق لإسرائيل أن انتهجت سياسات مماثلة، أبرزها إدخال العمالة اللبنانية قبل الانسحاب من جنوب لبنان، واستقدام عمال أردنيين للعمل في إيلات ومنطقة البحر الميت.

علاوة على ذلك، يُنظر إلى نجاح مثل هذه المشاريع بوصفه فرصة لإسرائيل لتقليص اعتمادها التقليدي على العمالة الفلسطينية، خاصة في قطاعات حيوية كالبناء والزراعة. ومن منظور استراتيجي، فإن إدماج الطائفة الدرزية السورية في الاقتصاد الإسرائيلي يخدم هدفاً مزدوجاً: أولاً، تعزيز ارتباط هذه الفئة بإسرائيل على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وثانياً، خلق بدائل لخفض الاعتماد على العمالة الفلسطينية.

بدت ملامح هذه العلاقة من خلال إطلاق مشروع تجريبي لتشغيل عمال دروز من القرى السورية المحاذية للجولان داخل الأراضي الإسرائيلية؛ في محاولة للتعويض عن النقص في الأيدي العاملة، لا سيما في قطاعي الزراعة والبناء في شمال إسرائيل. في مرحلتها الأولى، تم إدخال أربعين عاملاً درزياً سورياً للعمل ليوم واحد في بلدة مجدل شمس، كخطوة تجريبية تهدف إلى اختبار إمكانية توسيع المشروع مستقبلاً.[6]

 في تصريح لوزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أوضح أن هذه الخطوة ترمي إلى توسيع تشغيل العمالة الدرزية السورية في هضبة الجولان، مؤكداً أن المشروع لا يزال مؤقتاً. فيما أكد رئيس المجلس الإقليمي للجولان أوري كلنر أن المشروع يعالج النقص الحاد في القوى العاملة، مشيراً إلى حاجة المنطقة إلى نحو 3000 عامل خلال ذروة الموسم الزراعي، وأن هؤلاء العمال من سورية يمكنهم سد هذا العجز بشكل فعّال، شريطة استيفاء الشروط الأمنية، والتأكد من أنهم دروز يؤمنون بوجود دولة إسرائيل ويدعمونها.[7]

بالتزامن مع ذلك، يعمل منسق أعمال الحكومة في المناطق المحتلة على بلورة مخطط لتشغيل العمالة الدرزية القادمة من القرى السورية المحاذية للحدود، بهدف معالجة النقص الحاد في الأيدي العاملة في شمال إسرائيل. وعلى الرغم من البداية التجريبية للمشروع بتاريخ 16 آذار 2025، لا تزال الرؤية المستقبلية غير واضحة، فيما لا تزال هناك حاجة إلى استكمال الترتيبات الأمنية والتنظيمية لتأمين دخول العمالة بشكل دائم. كما لم يتم تحديد العدد النهائي لتصاريح العمل التي ستُمنح، ولا نقاط العبور التي سيُسمح من خلالها بدخول العمال.

البعد الديني

شهدت الحدود الإسرائيلية- السورية، في 13 آذار 2025، حدثاً تمثل بعبور وفد يضم مئة شيخ درزي من سورية إلى الأراضي الإسرائيلية، لأداء زيارة دينية إلى مقام النبي شعيب قرب طبريا. وقد جرى استقبال الوفد رسمياً من قبل الشيخ موفق طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل.

ومن الجدير بالذكر أن هذه الزيارة ليست أولى من نوعها، إذ شهدت فترة ما بعد حرب العام 1967 زيارات مماثلة لمقام النبي شعيب. وتكرر المشهد ذاته خلال ثمانينيات القرن الماضي، عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982، حيث عبر مئات الشيوخ الدروز اللبنانيين الحدود للمشاركة في زيارات دينية مماثلة.[8] إلا أن زيارة العام 2025 اكتسبت خصوصية لافتة، نظراً لتوقيتها الذي تزامن مع الانهيار الكامل للنظام السوري السابق وصعود نظام جديد إلى الحكم، في ظل واقع إقليمي متغير تسعى إسرائيل فيه إلى إعادة صياغة المشهد الجيوسياسي في المنطقة.

البعد العسكري: الحماية والتوسع

لم تقتصر التحركات الإسرائيلية على الأبعاد الدينية والاقتصادية فقط، بل امتدت لتشمل البعد العسكري أيضاً. فقد أعلن بنيامين نتنياهو أن إسرائيل مستعدة لتأمين الحماية لبلدة جرمانا ذات الأغلبية الدرزية، الواقعة على مشارف العاصمة دمشق. ورافقت ذلك تصريحات واضحة من وزير الدفاع الإسرائيلي، أكّد فيها أن أي استهداف للطائفة الدرزية السورية سيُواجَه برد عسكري فوري وحاسم.[9]

في السياق ذاته، أكد الجيش الإسرائيلي على بقائه في المناطق العازلة داخل الأراضي السورية، بما في ذلك مواقع جبل الشيخ، لفترة غير محددة، تحت ذريعة ضمان نزع السلاح الكامل من جنوب سورية، وترسيخ معادلة ردع فعّالة تمنع أي تهديد مستقبلي.

ووفقاً لما أورده تقرير لصحيفة "معاريف"، تُعدّ المنطقة العازلة الممتدة على طول الحدود الإسرائيلية- السورية خاضعة بشكل فعلي لسيطرة إسرائيلية مباشرة، حيث يقطنها ما يقرب من 40 ألف مدني سوري، يتوزعون بين حوالي 25 ألفاً في منطقة الجولان، و15 ألفاً آخرين في سفوح جبل الشيخ. وتخضع هذه المناطق لإدارة عسكرية محكمة من قبل ثلاث فرق قتالية تابعة للجيش الإسرائيلي.[10]

 

أبعاد استراتيجية لتعزيز إسرائيل علاقتها مع دروز سورية؟

كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير نُشر بتاريخ 4 آذار 2025، أن إسرائيل كثّفت تحركاتها الدبلوماسية لدفع القوى الدولية الكبرى إلى تبني رؤية تقوم على إعادة هيكلة النظام السياسي السوري الناشئ ضمن نموذج فيدرالي، يتم بموجبه تقسيم سورية إلى كيانات إثنية تتمتع بالحكم الذاتي، مع ضمان إعلان المناطق الجنوبية المحاذية لإسرائيل مناطق منزوعة السلاح.[11]

في موقف رسمي يعكس هذا التوجه، شدد نتنياهو على ضرورة جعل جنوب سورية منطقة منزوعة السلاح، مشيراً صراحة: "لن نسمح للنظام الإسلامي المتطرف الجديد في سورية بإيذاء الدروز". يعكس هذا التصريح مساعي إسرائيل لحماية حدودها وخلق منطقة عازلة، إضافة إلى دعم إقامة منطقة حكم ذاتي درزية موالية لها على امتداد حدودها الشمالية بحسب الصحيفة.

كذلك، جاء تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر خلال اجتماع وزاري عُقد في بروكسل بتاريخ 24 شباط 2025، ليعزز هذا التوجه، حيث أكد أن "سورية مستقرة لا يمكن أن تكون إلا سورية فيدرالية، تشمل كيانات تتمتع بالحكم الذاتي وتحترم أنماط الحياة المختلفة".

كما أضاف التقرير أن إسرائيل تعمل بالتوازي مع هذا المسار السياسي على تعزيز علاقاتها مع الطائفة الدرزية، سواء داخل حدودها أو في سورية، وذلك انطلاقاً من إدراكها العميق للأهمية الاستراتيجية التي تمثلها هذه الأقلية، وكذلك بالنظر إلى الروابط العائلية العابرة للحدود، وإلى المصالح الأمنية المشتركة. في هذا السياق، يرى أمير أفيفي، رئيس حركة "أمنيّون"، أنه إذا كانت إسرائيل تسعى إلى خلق عمق استراتيجي مستقر في سورية، فيجب عليها أن تبني تحالفاً راسخاً مع الطائفة الدرزية.[12]

 

[1] مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، تعداد السكان الدروز في إسرائيل 2024، تقرير رقم 124/2024، القدس، 17 شباط 2024، تاريخ الاطلاع 19 آذار 2025.  https://2u.pw/6zHoyrIo

[2]  BBC."من هم دروز سورية؟ محتجون من الطائفة الدرزية في السويداء"، 14 آذار 2025،  تاريخ الاطلاع 20 آذار 2025. https://www.bbc.com/arabic/articles/ckgzjk908gmo

[3] إيتمار آيخنر. "إسرائيل تُرسل 10,000 حزمة مساعدات إنسانية للدروز في سورية". يديعوت أحرونوت. 13 آذار 2025،  تاريخ الاطلاع 20 آذار 2025. https://www.ynet.co.il/news/article/hkwbb7xnyl

[4] المصدر السابق.

[5] المصدر السابق

[6] يائير كراوس ، وعيناف حلبي. "دخول الدروز من سورية إلى إسرائيل – خطوة تجريبية لمرة واحدة، ومزارعو الجولان"، يديعوت أحرونوت، 12 آذار 2025، تاريخ الاطلاع 19 آذار 2025 https://www.ynet.co.il/news/article/yokra14292658

[7]  المصدر السابق.

[8] كيكار هشبات،"100 شيخ درزي يعبرون الحدود من سورية إلى إسرائيل – لزيارة مقام النبي شعيب"، 15 آذار2025، تاريخ الاطلاع 19 آذار 2025، https://www.kikar.co.il/interesting/druze-syria-israel-relations

[9] يائير كراوس ، وعيناف حلبي. مصدر سبق ذكره.

[10] آنا بارسكي وأفي أشكنازي، "إسرائيل تُرسل حزم مساعدات إنسانية للدروز في سورية"، صحيفة معاريف، 13 آذار 2025، تاريخ الاطلاع 19 آذار 2025، https://www.maariv.co.il/news/world/article-1179862

[11] سودارسان راغافان، ودوف ليبر. "اسرائيل ترى تهديداً متزايداً من الإسلاميين الذين يحاولون توحيد سورية"، وول ستريت جورنال، 4 آذار 2025، https://www.wsj.com/world/middle-east/israel-syria-turkey-islamist-government-leaders-d5c118d8

[12]  المصدر السابق.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات