كتب: محمد دراغمة
ربما كان، وربما لم يكن محض صدفة أن يخرج منفذا العمليتين التفجيريتين (الثلاثاء 12/8) في رأس العين وأرئيل من داخل ومحيط مخيم عسكر في نابلس، الذي شهد الجمعة الماضي عملية واسعة للقوات الإسرائيلية أسفرت عن مقتل أربعة مواطنين وهدم بناية وتشريد العشرات من ساكنيها، وهي العملية التي تعهدت غير منظمة ومجموعة عسكرية فلسطينية بالرد عليها.
وقد تبنت كتائب شهداء الأقصى المسؤولية عن العملية في رأس العين وقالت إن منفذها هو خميس غازي جروان 17 عاماً من مخيم عسكر، فيما تبنت كتائب الشهيد عز الدين القسام المسؤولية عن العملية في مستوطنة أرئيل وقالت إن منفذها هو اسلام يوسف قطيشات 17 عاماً من حي مجاور للمخيم.
ويرى المراقبون أن هاتين العمليتين لا تشكلان نهاية للهدنة بل رداً على استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية التي تواصل حصد المزيد من الضحايا رغم تعهد القوى والفصائل الفلسطينية بالتمسك بتجميد عملياتها العسكرية.
وكانت حركة حماس أعلنت عقب العملية في مخيم عسكر الجمعة الماضي أنها سترد عليها.
ويفسر اختيار حركة حماس لهدف في مستوطنة لتنفيذ عملة الرد كرسالة مفادها أن الحركة متمسكة بالهدنة، لكنها ستقوم برد على العمليات العسكرية الإسرائيلية إذا ما تواصلت.
وكانت الحركة دأبت قبل الهدنة على القيام بعملياتها المماثلة قبل داخل المدن والتجمعات السكانية الإسرائيلية.
وضعت العمليتان رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون أمام امتحان صعب قد تحدد نتيجته مستقبله السياسي، فهو من جهة يرفض الانسحاب من المدن الفلسطينية وإحالة المسؤولية الأمنية فيها للسلطة الفلسطينية، ومن جهة أخرى لا يستطيع بعملياته العسكرية المتواصلة منذ وصوله لكرسي الحكم أن يفي بتعهداته للإسرائيليين بوضع نهاية لما يسميه العنف الفلسطيني.
ولم تستبعد عائلتا منفذي العمليتين خميس جروان واسلام قطيشان أن يكون الدافع وراء قيام ابنيها بتنفيذ العملتين هو الثأر لما تعرض له جيران لهما من المخيم قبل أيام.
وقال يوسف قطيشات والد إسلام: "صُعقت عندما علمت بقيام ابني بتنفيذ العملية، فهو شاب صغير، وكان يكرس حياته لمساعدتي على تحمل أعباء الأسرة، لكن ربما يكون ما شهده مؤخراً من قيام الجيش الإسرائيلي بقتل أربعة من جيراننا، وقبل ذلك العشرات غيرهم، هو الذي دفعه لذلك".
وقال الأب: "إسرائيل لا تدع أبنائنا يعيشون حياة طبيعية، ولو كانت حياتهم طبيعية لما قاموا بذلك، فكل ما حولنا هو موت بموت، العشرات قتلوا في هذه المنطقة - وأشار إلى المخيم ومحيطه - وهذا يكفي لتحويل الناس إلى استشهاديين".
وكان اسلام رسَب في امتحان الثانوية العامة هذا العام، وأخذ يعمل بائعاً للقرطاسية على أحد الأرصفة في السوق التجاري لمساعدة والدة في تحمل أعباء الأسرة الكبيرة.
وقال والده: "اسلام كان عادياً، وكان يعد للتقدم للثانوية العامة مجدداً مجددا، ولم يخطر لي أن يسلك هذا الطريق".
وسخر والده من القول بأن ابنه كسر بعمليته الهدنة المعلنة من الجانب الفلسطيني، وقال بمرارة: "أين هي الهدنة؟ الجيش اجتاح هذا الحي يوم الجمعة وقتل أربعة وغادر، فهل هذه هدنة تقنع أحداً؟؟"
وفي بيت لا يبعد سوى مائتي متر عن بيت اسلام تعالى صراخ عائلة خميس جروان البالغ هو الآخر السابعة عشرة بعد وصول نبأ استشهاده في عملية رأس العين.
وقال والد خميس بأنه غادر البيت مساء العملية وأنه -أي الوالد- أبلغ مركز الشرطة الفلسطينية في الصباح عن غيابه.
ومثل اسلام فإن خميس كان يعمل بائعاً على أحد الأرصفة في نابلس، شأنهم في ذلك شأن المئات من أبناء جيلهم الذين يكدحون طوال النهار خلف بسطات تحتوي على بعض السلع الصغيرة، ويجنون من بيعها بضعة شواقل تساعد أسرهم في العيش.