المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بدأ ارئيل شارون هذا الاسبوع معركة الدفاع عن النفس وذلك في اطار سعية لتثبيت مقعده. وحتى اذا كان المقعد غير مهدد بخطر حقيقي، فان وسائل الاعلام (التي ينعتها شارون باسم "الكلاب"، وهو يحب الكلاب..) خلقت ومنذ الآن الانطباع بأن العد التنازلي في أوجِه. ولا شك في ان شارون، صاحب الحواس الحادة والتجربة الغنية، يدرك أن التوقعات المتتابعة حول النهاية المبكرة لولايته يمكن ان تتحقق.

فعلى الصعيد السياسي - العام، تحدث مقربون عن ان توجيه لائحة اتهام ضد رئيس الوزراء، ستؤدي الى استقالته، وتضع حدًا لفرص التوصل الى سلام، خاصة وان شارون هو المؤهل فقط لإنجاز هذه العملية. وعلى الصعيد الشخصي، بذلت جهود للتظاهر برباطة جأش وهدوء اعصاب وقدر من روح الدعابة، وهو ما تؤكد عليه الحكاية التالية التي رواها احد معاوني شارون. فعندما جرى في نهاية الاسبوع اطلاع شارون على التناقضات الكثيرة التي تحفل بها التقارير والتقديرات المتعلقة بوضعه السياسي والقانوني، علق شارون، حسب هذا المقرب منه، بقوله: "آمل ألا يتعبوا.. فأمامهم اربع سنوات اخرى للإنشغال والثرثرة في هذا الموضوع..".

غير ان هذه القصص والاحاديث والتوقعات لا تلقى جزافاً او من باب الصدفة، وانما هي نتاج شحذ أدمغة وعقول يجري بشكل دائم في المحافل المقربة جدًا من شارون. ويهدف المنشغلون في ذلك الى السيطرة قدر المستطاع على "اللغط" الذي يدور حول شارون، ومحاولة إخماده وتوجيهه الى قنوات اقل ضررًا.

فصباح يوم الخميس من كل اسبوع، يلتقي عومري وغلعاد شارون، ومدير مكتب رئيس الوزراء دوف فايسغاليس، وسلفة في المنصب اوري شَني وخبير الدعاية والاعلام روبين ادلر، في "مزرعة الجميز" (حيث منزل شارون في النقب) ليطرحوا على بساط البحث كافة المواضيع، الشخصية، والسياسية والحزبية وكذلك – تلقائياً - مسائل قانونية ايضاً. ومن هنا فان كل ما يقوله او يفعله شارون في الاسبوع التالي يكون قد خضع الى التحليل والتمحيص والتنميق على مائدة الافطار في المزرعة.

رحلة الهند

قد يكون التحركان السياسيان اللذان قام بهما شارون هذا الاسبوع نوقشا ايضًا في المحفل ذاته. وعلى ما يبدو فان هذين التحركين جزء من معركة البقاء، احدهما يكمل الآخر.. فقد دعا شارون ثلاثة وزراء لمرافقته في زيارته الهامة الى الهند، في السابع من ايلول المقبل، كما اعلن عن نيته نقل حقيبة الاتصالات الى مُقرَّبه الوزير إيهود اولمرت. الوزراء الثلاثة الذين اختارهم شارون لمرافته هم وزيرة التعليم ليمور ليفنات، ووزير الزراعة يسرائيل كاتس (وكلاهما من وزراء الليكود) ووزير العدل يوسف لبيد (شينوي).

وكان شارون قد شعر في الاسابيع الاخيرة ان الارض في بيته السياسي (الليكود) بدأت تهتز تحت قدميه. فتجدد العلاقة والتواصل بين وزير المالية بنيامين نتنياهو وبين نشطاء الحزب الموالين له، واللقاء الذي تم بين نتنياهو ووزير الخارجية سيلفان شالوم، كانا بمثابة مؤشرين ينذران بالسوء

(من وجهة نظر شارون). لذلك قرر شارون العمل على توطيد العلاقة بالذات مع الوزيرين اللذين لا يَعتبر ولاءَهما مضمونًا له في يوم الحسم، الوزيرة "ليفنات"، التي تعتبر مستقلة وتجرؤ على تحديه وانتقاده مرارًا، والوزير "كاتس"، الذي يعد من مقربي نتنياهو، ويصوت بشكل دائم ضد كل خطوة سياسية يقترحها شارون.

ان دعوة الاثنين، وهما من القوى الصاعدة في الليكود، لمرافقته في زيارته للهند، هي خطوة شارونية مميزة، فلو لم يكن يواجه ازمة لما فكر ابدًا بدعوتهما.

اما زعيم "شينوي" يوسف لبيد، فموضوعه مختلف كليًا. فدعوته مجرد اعتراف بجميل او تعبير عن امتنان ليس الا.. اذ ان شارون يدرك ما الذي كان بوسع "لبيد" ان يفعله به وبأفراد اسرته، لو كان لبيد اليوم في المعارضة. لكن فم لبيد الكبير ظل مطبقا، وبصعوبة بالغة نبست شفتاه بعبارة مقتضبة حيث قال ان من الافضل لنجل شارون"غلعاد" الا يحتفظ بحق الصمت "في قضايا عامة".

لذلك، فإن شارون يدرك أنه ما كان ليحظى بوزير عدل مريح اكثر من المذكور.

الخطوة السياسية الثانية التي قام بها شارون، والتي اعلن عنها بنفسه في جلسة الحكومة يوم الاحد الماضي، تمثلت في نقل حقيبة الاتصالات للقائم بأعمال رئيس الوزراء، ايهود اولمرت.

هذا التعيين الجديد الذي حظي به اولمرت، يجعله واحدًا من اقوى الوزراء واكثرهم نفوذًا.

فحقيبة الاتصالات، اضافة الى مسؤوليته عن سلطة البث، من شأنها ان تعطيه (اي اولمرت) سلطة وسيطرة على جميع قنوات البث الالكترونية في اسرائيل. وهذا لا يعني فقط الظهور مرارًا وتكرارًا في برنامج "بولتيكا" في القناه الاولى، وانما ايضًا الوصول الى اصحاب رؤوس الاموال الكبيرة في سوق محطات الاقمار الصناعية والكوابل وشبكة الانترنت والهواتف الخلوية، وهذا ما يعتبر بالنسبة لمن يسعى لخوض التنافس على زعامة الليكود، ذخرًا لا يستهان به. واذا ما اضفنا لذلك مسؤوليات وصلاحيات اولمرت في مجالات اخرى، فإننا سنجد انفسنا امام امبراطورية حقيقية.

وليس عبثا ان اولمرت همس في اذن احد مقريبه هذا الاسبوع قائلا: "اريك (شارون) انجز لحسابي نصف العمل. والمشكلة هي في النصف الثاني".

المرشح العائلي

النصف الثاني موجود في يد المستشار القانوني للحكومة، الياكيم روبنشتاين، الذي سيقرر ما اذا كان سيتبنى توصية الشرطة بتقديم اولمرت للمحاكمة في قضية "الجزيرة اليونانية". فقد يتمكن اولمرت، اذا لم تقدم ضده لائحة اتهام، من الامساك بـ "النصف الثاني"، بمعنى زيادة وتكثيف نشاطه الحزبي في صفوف اعضاء الليكود تمهيدًا للتنافس على خلافة شارون.

ولكن الاستطلاعات التي تتحرى شعبية ورَثَةِ شارون المحتملين، تضع اولمرت في اسفل القائمة، فهو لا يحصل سوى على نسبة تأييد قليلة جدا في صفوف اعضاء الليكود والجمهور العام. ولعل احد الاسباب يرجع الى كون بنيامين نتنياهو، رغم كل مشكلات وزارة المالية، لا زال يعتبر في نظر الكثيرين المرشح الطبيعي والوحيد لخلافة شارون. كما يمكن ارجاع ذلك الى أن اولمرت كان منهمكًا طوال تسع سنوات في الشؤون البلدية للقدس، وكذلك الى شخصية اولمرت وما تتميز به من سمات التعالي والترفع على الناس. الى ذلك فان اعضاء الليكود لم يغفروا لـ "اولمرت" كما يبدو دعمه وتأييده لـ "ايهود باراك" في انتخابات العام 1999.

ومع كل ذلك فان اولمرت لا زال يبدو في نظر الكثيرين من اعضاء الليكود كمرشح هام يتمتع بحظوظ في النجاح، وهذا منوط بامكانية ان تتاح لـ "اولمرت" عشية استقالة شارون من منصبه، سواء في منتصف ولايته او بعد انتهائها، فرصة تولي منصب رئيس الوزراء فعليا لبضعة اشهر

(كفترة انتقالية) وذلك باعتباره القائم الوحيد بأعمال رئيس الحكومة.

ليس سرًا ان شارون وابنه عومري يريان في اولمرت الوريث. وهناك في الليكود من يصف اولمرت بانه "المرشح العائلي".

اولمرت من جهته يطرب لسماع مثل هذه الاقوال، لكنه يرفض التحدث عن وضعه السياسي وعن نواياه، مكتفيا بالقول "لا ارى اي سبب يدعوني الى تغيير وتيرة نشاطي السياسي في هذه الفترة، لا سيما وان الحكومة ورئيسها سيكملان، حسب رأيي، كامل ولايتهما.. وانا لدي نفس طويل".

لقد خلق التقارب اللافت للنظر بين شارون واولمرت، والاشارة للأخير باعتباره "الوريث العائلي"، فضلا عن اغداق الصلاحيات والحقائب عليه، اسطورة شعبية اخذت في الرواج مؤخرًا داخل صفوف الليكود. وعلى الرغم من ان هذه الحكاية تبدو خيالية الى حد بعيد، الا انها تتحدث، حسبما اشيع عن ان عائلة شارون "الملتزمة الصمت" قررت تهيئة الإبن، عضو الكنيست عومري شارون لخلافة ابيه في منصب رئيس الوزراء، في الوقت المناسب، ولكن ليس في فترة الولاية المقبلة. وتمضي نفس "الاسطورة" لتروي انه تم اختيار اولمرت (من قبل عائلة شارون) ليكون الرجل الذي سيفصل بين (ولاية) شارون الاب وشارون الابن، في رئاسة الحكومة، وسيقوم اولمرت كرئيس للوزراء بتعيين "عومري" في مناصب وزارية مركزية، وإعداده عمليًا لتولي المنصب الرفيع – رئاسة الحكومة.

ومثلما ان كل جنون ينطوي على منطق ما، فان هذه الحكاية تفسر على الاقل تأييد عومري

لـ اولمرت. فهو – اي عومري- يدرك أن ايا من المرشحين الثلاثة الآخرين – نتنياهو وموفاز وشالوم - لن يفكر بتعيينه في منصب وزاري في حكومة يشكلها احدهم، اذ ان لكل واحد منهم حسابا مع عومري شارون.

(هآرتس، 14/8)

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات