المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

مستقبل ارييل شارون السياسي يتأرجح اليوم بين نوعين من الهدوء: الهدوء الأمني الذي ساد إثر الهدنة وصمت نجله جلعاد في تحقيقات الشرطة تحت مظلة الصمت الجماهيري الذي يتبعه رئيس الوزراء وديوانه في قضية التحقيقات. وقف اطلاق النار الذي أعلنه الفلسطينيون مريح لشارون رغم تحذيرات "الشاباك" والجيش الاسرائيلي من تعاظم قوة التنظيمات الارهابية. الجمهور الاسرائيلي راض من الهدوء والاقتصاد ينهض من سباته ولا يوجد ضغط امريكي علي الحكومة حتي تتخذ قرارات صعبة. من المحتمل ان يكون شارون معنيا بتسوية سياسية، كما صرح، وانه مستعد حقا لتنازلات مؤلمة في مهد ميلاد الشعب اليهودي . ولكنه لم يجد حتي الآن شريكا فلسطينيا لمثل هذه التسوية وخطواته تهدف، مثلما حدث خلال العامين المنصرمين، الي كسب الوقت بالأساس والاحتفاظ بالحد الأقصي من حرية الحركة. ساعة الحسم بالنسبة له لم تحن بعد، جورج بوش ايضا يتصرف بحذر بعد اندفاعه في عملية التدخل الذي تمخض عن عقد قمة العقبة وقبول خريطة الطريق، يبدو انه يكتفي الآن بانجاز الهدنة الفوري ويحذر من اتخاذ خطوات قد تتعقد وتورطه معها. بوش لا يحلم بجائزة نوبل للسلام وهدفه كان شطب الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني من قائمة المشاكل الضاغطة وصد الانتقادات التي توجه لادارته وتتهمها بالعجز في مواجهة سفك الدماء. لهذا السبب صرح بأن علي الفلسطينيين ان يكافحوا الارهاب قبل ان يحصلوا علي مطلبهم في المستوطنات وفي القضايا الصعبة الاخري وسارع الي التلميح بأن الجدول الزمني ليس مُلِحّاً.


الهدنة والهدوء ملائمان ايضا للسلطة الفلسطينية التي لا ترغب في التصادم مع حماس والجهاد الاسلامي وكتائب شهداء الاقصي. خلال لقاء شعث ـ شالوم في يوم الاحد تحدث الاثنان عن المصاعب السياسية التي يواجهها الجانبان وعن تخوفهما من الصدامات الداخلية ـ الفلسطينيين مع التنظيمات الارهابية، واسرائيل مع المستوطنين (شالوم عندنا توجد ديمقراطية . شعث: شارون قام باخلاء يميت).
في مثل هذه الأجواء توجد للجميع مصلحة في الحفاظ علي الهدنة مع تبادل الاتهامات حول الجمود في تطبيق خريطة الطريق بما لا يتجاوز الخطوات التمهيدية. كلا الجانبين سارعا الي تحمل المسؤولية عن إلغاء لقاء أبو مازن ـ شارون المزمع بالأمس.
في وزارة الخارجية لاحظوا وجود انقلاب هام في المناكفة الدبلوماسية. اسرائيل التي حاولت قبل عدة اشهر ان ترفض خريطة الطريق، تطالب الفلسطينيين الآن بتطبيقها حرفيا. أما أبو مازن وحكومته الذين تمسكوا بالخطة في الوقت الذي تنصلت فيه اسرائيل منها فيطرح الآن مطالب ليست موجودة في اطارها: وقف اطلاق النار بدلا من مكافحة الارهاب، واطلاق سراح السجناء كلهم، وتجميد بناء الجدار الفاصل.
ربما ليس أبو مازن بقائد جبروتي وكاريزماتي وسيطرته علي السلطة مسألة مشكوك فيها، ولكنه يملك قدرات لا بأس فيها في المجال الدبلوماسي. بمساعدة وزير ماليته، سلام فياض، نجح أبو مازن في هدم مكانة شارون الاحتكارية في البيت الابيض وحول الجدار الفاصل الي شوكة مزعجة بين واشنطن والقدس. بوش لا يسارع الي التصادم مع شارون ومؤيديه اليهود عشية عام الانتخابات، وفي الشهر الذي يزور فيه اسرائيل 60 عضوا من مجلسي النواب والشيوخ. ولكن التهديد في تقليص تكلفة الجدار من الضمانات ظل مطروحا علي الطاولة ومثله تهديد شارون المبطن باقامة الجدار في اريئيل اذا تجددت الانتفاضة.
في ديوان شارون يصفون زيارته لبوش في الاسبوع الماضي بأنها أكثر زياراته نجاحا. الاغتباط نابع بالأساس من تصريح بوش بضرورة مكافحة الارهاب الفلسطيني ومن الادراك بأن المرحلة المؤلمة من خريطة الطريق ليست وشيكة. الهدوء النسبي في الحلبة السياسية سيمكن شارون وبوش من التفرغ لمعارك البقاء السياسية: الرئيس في مواجهة الاقتصاد الذي يراوح في مكانه والاتهامات الموجهة اليه في انه خدع شعبه في حرب العراق، وشارون في مواجهة الشرطة والنيابة العامة.

الوف بن
(هآرتس) 9/8/2003

المصطلحات المستخدمة:

يميت, انقلاب, اريئيل, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات