المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بقلم: وديع أبونصاربعد نحو ستة أسابيع من الهدوء النسبي جاءت العملية التي نفذها فلسطينيان في تل أبيب مؤدية إلى مقتل ثلاثة وعشرين شخصا، نصفهم من الإسرائيليين والنصف الآخر من الأجانب العاملين والمقيمين في إسرائيل، لتذكر بأن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي ما زال محتدما بالرغم من جميع العمليات التي قامت بها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في الساحة الفلسطينية مؤخراً.

لكن، وعلى رغم العدد الكبير من المصابين جراء هذه العملية، إلا أن نتائجها المباشرة لن تكون "محسوسة جدا". فالرد الإسرائيلي العسكري لن يكون أكبر مما كان عليه خلال الأسابيع القليلة الماضية، نظرا للتحضيرات الأمريكية لضرب العراق خلال الأسابيع القليلة المقبلة، مما يتطلب حالة من الهدوء النسبي على الجبهة الفلسطينية. أضف إلى ذلك أن إسرائيل تحتل فعليا الغالبية العظمى من المناطق الفلسطينية، كما أنها قامت بشل معظم مؤسسات السلطة الفلسطينية، وبالتالي فإن الخيارات العسكرية المفتوحة أمامها محدودة جدا، وهذا ما يفسر تركيز وزراء اليمين المتشدد في الحكومة الإسرائيلية على المطالبة بطرد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، الأمر الذي رفضه رئيس الحكومة الإسرائيلي أرئيل شارون منوّها الى "أن هذا الأمر قد يتم في وقت لاحق!"

أما على صعيد الانتخابات، فقد ادعى البعض بأن هذه العملية قد تخدم شارون انتخابيا بحجة أنها ستغطي على الفضائح التي هزت حزب الليكود خلال الأسابيع الماضية جاعلة إياه يخسر عشرة مقاعد في الكنيست المقبلة. وقد يكون هذا التحليل صحيحا بما يتعلق بفرص أرئيل شارون بالفوز بولاية جديدة في رئاسة الحكومة، لكن هذه العملية قد تخدم أحزاب اليمين المتشدد وأحزاب اليسار أكثر من خدمتها لليكود، وإن كان بشكل طفيف.

إن أرئيل شارون ليس بحاجة لمثل هذه العملية لا سياسيا ولا أمنيا. فمن الناحية السياسية، هو مقتنع بأنه سيعود لرئاسة الحكومة بعيد الانتخابات العامة المقبلة للكنيست والتي من المقرر ان تتم في الثامن والعشرين من الشهر الجاري. حيث أن جميع الاستطلاعات تشير إلى أنه سيكون زعيم الحزب الأكبر في الكنيست من جهة، وبأن الأحزاب اليمينية والدينية ستتمتع بغالبية في الكنيست المقبل من الجهة الأخرى. أما أمنيّاً، فإن عملية تل أبيب قد تفسر من قبل الكثيرين، ومن ضمنهم بعض مقربي شارون، بأنها فشل للسياسة التي ينتهجها رئيس الحكومة في تعامله مع الفلسطينيين.

أما على صعيد الأحزاب، فإن عملية تل أبيب أتت لتزيد، بعض الشيء، من الاستقطاب القائم في الخريطة السياسية الإسرائيلية. فالمواطنون الذين يملكون مواقف يمينية متشددة سيدعون بأن عملية تل أبيب تدل على "أن الفلسطينيين إرهابيون وبأنهم مستعدون لمواصلة ضرب أهداف يهودية في العمق الإسرائيلي وليس فقط أهدافا عسكرية واستيطانية." بالتالي فإن معظم هؤلاء سيصوتون على الأرجح لصالح أحزاب اليمين، لكن ليس بالضرورة لليكود، الذي يعده الكثيرون حزبا وسطيا، وإن كانت تغلب عليه الصبغة اليمينية.

من جهة أخرى، فإن عملية تل أبيب من شأنها زيادة تمسك من يعتقد بعدم جدوى الحل العسكري برأيه هذا. حيث يعتقد العديد من الإسرائيليين، بما يشمل الغالبية العظمى من الفلسطينيين - الإسرائيليين (عدد لا بأس به من اليهود)، بأن عملية تل أبيب أتت لتثبت عدم جدوى الحل العسكري الذي تتبناه الحكومة الإسرائيلية في تعاملها مع الفلسطينيين منذ ما يربو على العامين. هؤلاء يرون في العملية فشلا ذريعا لأصحاب النظرية الأمنية ويؤكدون على أهمية العودة إلى مائدة المفاوضات بالرغم من الهوة الشاسعة المليئة بالحقد والكراهية وعدم الثقة بين غالبية الإسرائيليين وغالبية الفلسطينيين. لذلك، من المتوقع أن يزداد هؤلاء قناعة بأن عليهم التصويت لصالح أحزاب اليسار، بما يشمل بالأساس حزب ميرتس والأحزاب ذات الغالبية العربية.

إن الخاسر الرئيس من جراء عملية تل أبيب، كما هو حاله جراء الأوضاع الحالية بمجملها أيضا، هو حزب العمل. فمحاولة هذا الحزب وضع نفسه في وسط الخريطة الحزبية الإسرائيلية لم يجده نفعا، حيث خسر أنصار اليمين المؤمنين بالحل العسكري من جهة، وخسر أنصار اليسار المؤمنين بالحل السياسي، والذين لم يعودوا يثقوا به بنسبة لا بأس بها، من الجهة الأخرى.

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, الليكود, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات