المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب أنطوان شلحت

قد يكون من غير المجدي أن نقرأ قرار الحكومة الاسرائيلية بالمصادقة، بأغلبية الأصوات، على خطة "خريطة الطريق" الدولية (لتسوية الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي) في منأى عن سياقيين :

(*) الأول - الصلة، التي يشترط القرار الاسرائيلي إقامتها بين المصادقة على الخطة وبين إخراجها الى حيّز التطبيق، والتي تأخذ مدلولها من تحفظات إسرائيلية شاطة ترى وجوب أن تتوازى غاية إقامة الدولة الفلسطينية، بموجب ما تنصّ عليه الخطة، مع غاية "موت" حق العودة الفلسطيني..

وحيال ذلك فإن إعلان شارون بلسانه، عشية جلسة الحكومة، أنه "حان الوقت من ضرورة تقسيم البلاد بيننا وبين الفلسطينيين" لا يعدو كونه أكثر من تمهيد الأجواء لإجراء سياسي وجغرافي غير تاريخي، ليس من شأنه أن يبهظ إسرائيل.

(*) الثاني- سياق العلاقات الاسرائيلية - الأمريكية في صيرورتها الراهنة. ولعل أكثر ما تفيد به هذه الصيرورة أن الرئيس الأمريكي، جورج بوش، لا قبل له لأسبابه المخصوصة أيضاً أن يحيد قيد أنملة عن "مبدأ العمل مع شارون لا ضده". وهذا ما أخبرنا به كذلك مارتين إنديك، السفير الأميركي السابق في إسرائيل، في صلب مقالته التي نشرها في "يديعوت أحرونوت" يوم الأحد الأخير (25/5)، غداة إعلان شارون أنه على وشك طرح "خريطة الطريق" على حكومته للمصادقة عليها.

علاوة على ذلك يشير إنديك إلى أن طمأنة إسرائيل بأن بوش ينوي العمل مع شارون لا ضده، في الأحوال جميعاً كما يفهم، كانت غاية الزيارة "السرية" إلى إسرائيل التي قام بها مؤخراً مندوبا مجلس الأمن القومي (الأمريكي) ستيف هيدلي واليوت أبرامز. "فلقد سعيا-أضاف- إلى وضع الأسس للبحث الإستراتيجي بين بوش وشارون حول حلّ الدولتين". ويتابع إنديك : إذا ما أخذنا بالاعتبار أن شارون كان أول من اقترح دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة، حسبما هو مكتوب في "خريطة الطريق"، فمن الممكن أن تكون هناك جدوى لهذا البحث (بكلمات أخرى أن تتماشى هذه الجدوى، بالتمام والكمال، مع حدود رؤية شارون).

إلى ما يقوله إنديك يضيف ألوف بن، المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس"، أن وجود "شكوك متبادلة ليست قليلة" بين إسرائيل والولايات المتحدة لا يعني أن المصالح المشتركة للطرفين قد إنحسرت من ناحية قوتها تحت تأثير الفجوات في مواقفهما. على العكس من ذلك فإن "الصراع" على "خريطة الطريق" - إذا جاز أن نعتبره صراعاً بالمفهوم الكلاسيكي- أظهر مرة أخرى أن شارون والإدارة الأمريكية يستنكفان عن المواجهة ويؤثران التوصل إلى تفاهمات. والتوقعات بحدوث ضغوط كبيرة، من طرف الولايات المتحدة، ذهبت أدراج الرياح. وبكلمات معلق الشؤون الأمنية في الصحيفة ذاتها، أمير أورن، فان "إطاعة الإملاء، بحكم التنسيق مع البيت الأبيض، أفضل من الشرخ البائن الذي من شأنه أن يقضم القوة الإسرائيلية بمفاهيم السلاح والمال والنفوذ في العالم". ويفيد يوئيل ماركوس بأنه لا مندوحة من الإفتراض أنه في عدة بنود (حق العودة مثلاَ) أُحرزت تفاهمات سرية (بين شارون والبيت الأبيض). ويعيد الى الأذهان أن مشاركة رئيس الحكومة الاسرائيلي الأسبق، يتسحاق شمير، في مؤتمر مدريد (1991) أصبحت ممكنة فقط بعد أن فصّل السفير زلمان شوفال إتفاقاً سريًا لا تقام بموجبه دولة فلسطينية ولا يكون في المؤتمر وفد عن منظمة التحرير الفلسطينية ("هآرتس" - 27/5/2003)!

هكذا نصل الى السؤال، الذي لا مهرب منه: هل نحن بازاء مناورة جديدة لشارون تتيح له إمكانية الهروب الى الأمام من الإلحاح الأمريكي عليه بضرورة قبول "خريطة الطريق"؟.

للاجابة عن هذا السؤال فان المتيسر أمامنا الآن هو الإشارة الى ما يلي :

1- تفترض إسرائيل بأن المصادقة على "خريطة الطريق"، ولو كان ذلك بشروط تفرغها من مضمونها، تنقل "الكرة" الى الملعب الفلسطيني، وتحديداً ملعب الحكومة الفلسطينية الجديدة برئاسة محمود عباس (أبو مازن).فهذه المصادقة "تصادر" ذريعة سياسية هامة من أيدي الطرف الفلسطيني. وهذا بالتالي يخدم سعي شارون لاستثمار شرط "مكافحة الإرهاب" في حدوده القصوى. وإن أكثر ما يعني شارون من إحتمالات نجاح هذا الشرط، التي تبدو ضئيلة، هو الاستمرار في تحميل الطرف الفلسطيني وزر عدم تحقيق أي اختراق في "العملية السياسية".

يكشف لنا عوزي بنزيمن، في هذا الشأن، أنه لدى محاولتهم إرضاء أو إتقاء شرّ الجناح اليميني المتطرف في الحكومة قال المقربون من شارون، في نهاية الأسبوع الفائت، إن جهوزيته لطرح "خريطة الطريق" على الحكومة للمصادقة عليها تتغيّا إحراج السلطة الوطنية الفلسطينية، لناحية أن تثبت جهوزيتها ومقدرتها على "وقف الإرهاب" ونزع ذخيرة المنظمات المسلحة. ويضيف : "صحيح أن هذا المطلب له ما يبرره، وهو يظهر بوضوح في بنود خريطة الطريق، لكن المتساذج فقط هو من يدعي بأن تطبيقه منوط فقط بالقيادة الفلسطينية. فان الارهاب الفلسطيني وثيق الصلة بسلوك إسرائيل" ("هآرتس"، 25/5).

وفي رأي معلق آخر، ناحوم برنياع، فان شارون وضع وزراء حكومته أمام حالة من اللاخيار "ذلك أن قراراً ضد خريطة الطريق سيظهر إسرائيل كما لو أنها رافضة مزمنة، وسيمنح الفلسطينيين إنتصاراً كبيراً في الحلبة الدولية. وان المتطرفين فقط من بين الوزراء على استعداد لمنح الفلسطينيين إنتصاراً من هذا القبيل. أما البقية فسيكتفون بمؤونة العضّ على النواجذ وابتلاع الخطة" ("يديعوت أحرونوت"- 25/5).

2- ترتبط مع فائدة الأيلولة الى وضعية دولية تكون فيها "البيّنة على الحكومة الفلسطينية"، عطفاً على ما جاء في البند السابق،فوائد أخرى معظمها إقتصادي.

وتنبغي الاشارة هنا إلى أن هذه الفوائد متضمنّة في إستمرار العلاقات الحسنة مع الولايات المتحدة، التي صادقت أخيراً على مساعدات لإسرائيل بقيمة مليار دولار وعلى ضمانات قروض بقيمة تسعة مليارات دولار. كما صادقت على صفقة مليارات الدولارات للصناعات الجوية الاسرائيلية مع الهند.

3- لا يمكن الحكم على أريئيل شارون دون التمعن الدقيق في تاريخه القريب والبعيد المرتبط بالصراع الفلسطيني- الاسرائيلي. وهنا لا بدّ لنا من ملاحظة ما لفت إليه أكثر من مراقب عن أن أكثرما كان يشغل بال شارون، في الوظائف والمهمات التي أشغلها كافة على مرّ السنوات، هو رد التهمة بالذنب عنه، الى درجة تحوّل ذلك الى عارض لديه يمسك بتلابيبه.

ومن غير المستبعد أن يكون مسلكه الآن أسير هذا العارض أيضاً، ما يطرح المزيد من الشكوك حول وجود نية حقيقية بعيدة المدى لديه لتطبيق "خريطة الطريق"، وهي نيّة مشكوك فيها أصلاً بمجرّد مصادقة حكومته المشروطة عليها.

كما ينبغي التذكير بأن تركيبة الحكومة الاسرائيلية الحالية تضم غالبية من الوزراء يتمثل إستعدادهم الأدنى لتأييد أية عملية سياسية مع الفلسطينيين في مقايضة ذلك بوعود قاطعة أن لا يكون هذا التأييد عاملاً في تطبيق تلك العملية، على ما يقول مراقب ما. وربما يكون مضمون تلك الوعود القاطعة بأن لا يجري تطبيق تلك العملية البتة. وفي هذا، ضمن أشياء أخرى، ما يفسر إكتفاء وزراء الجناح اليميني المتطرف بالتصويت ضد "خريطة الطريق" وعدم التهديد بإحداث أزمة يمكنها أن تؤدي الى تقويض الائتلاف الحكومي.

وقد حفظ لنا التاريخ الاسرائيلي الكثير من الوقائع التي كان فيها المسؤولون يتحدثون عن غايةٍ من أجل أخرى، موازية لها ولكن مناقضة جملة وتفصيلاً، كذلك.

ولعل من المفيد الإشارة إلى أن صحيفة "هآرتس"، في مقالها الافتتاحي يوم الاثنين (26/5)، أعربت عن خوف ما من أن يكون قرار أحزاب "الاتحاد القومي" و"المفدال" ووزراء الجناح المتطرف في "الليكود" البقاء في حكومة شارون، حسبما أسلفت الملاحظة، سيكشف لاحقاً أن قرار الحكومة بالموافقة المشروطة على "خريطة الطريق"ط هو مجرد إجراء تكتيكي لا ينطوي على نية حقيقية، بمثابة "رمي الكرة الى ملعب الخصم". وقالت إن المحك الأول لنوايا شارون يتمثل في ما سيحصل على الأرض في غضون الأيام القليلة القادمة في حلبة المناطق (الفلسطينية)، سواء فيما هو مختص بـ "البؤر الاستيطانية غير الشرعية" أو بوجود الجيش الاسرائيلي في مدن الضفة الغربية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات