المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

وديع أبونصار

أعلنت مصادر في مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلي، أرئيل شارون، مساء يوم الجمعة (23 أيار 2003) موافقة شارون على الوثيقة المسماة "خريطة الطريق،" والتي من المفروض أن تشكل خطة نحو فض النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. وقد جاءت موافقة شارون هذه بعد مماطلة استمرت بضعة أسابيع منذ إعلان "الخريطة" رسميا من قبل أعضاء اللجنة الرباعية التي تضم كلا من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وبعد أن كان الجانب الفلسطيني قد أعلن موافقته على هذه "الخريطة" فور إعلانها.

وبالرغم من أن موافقة شارون التي نحن بصددها زرعت بعض الآمال لدى البعض حول إمكانية حدوث تطور إيجابي ملموس في العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية المتدهورة، إلا انه ما زال مبكرا الحسم في ما إذا كان أرئيل شارون سيمضي فعلا في تطبيق ما يتوجب عليه تطبيقه بناءً على ما ورد في "خريطة الطريق." فمجرد موافقة شارون على هذه "الخريطة" جاءت بعد فترة من المخاض العسير، ومن ثم فإن مضيه قدما في تطبيقها سيتطلب، على الأرجح، فترة أطول وأعسر مما يتصوره البعض.

لقد جاءت موافقة أرئيل شارون على "خريطة الطريق" نتيجة لثلاثة تطورات هامة ومتوازية لا يجوز فصل أحدها عن الآخر.

التطور الأول تمثل بالأساس إثر قبول الإدارة الأمريكية لاثني عشر تحفظا إسرائيليا عليها من أصل أربعة عشر تحفظا وذلك عقب الزيارة الأخيرة التي قام بها مدير مكتب شارون، دوف فايسغلاس، إلى الولايات المتحدة.

التطور الثاني جاء إثر إعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش احتمال تدخله الشخصي لإحداث تقدم ملحوظ في المضي قدما بتطبيق "خريطة الطريق." هنالك من يعتقد أيضا بأن العمليات التفجيرية الأخيرة التي شهدها العالم خلال الأيام القليلة الماضية ساهمت في إقناع الرئيس الأمريكي جورج بوش بالتدخل لإحداث بعض التقدم في الملف الفلسطيني، والذي يعتبر لب الصراع بين العرب وإسرائيل.

أما التطور الثالث فيشمل خليطا من مطالب رئيس الحكومة الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) التي واصل ذكرها بما يتعلق بضرورة المضي قدما بتنفيذ "خريطة الطريق" وتزايد التقديرات لدى جميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية بأن استمرار المماطلة في تطبيق "خريطة الطريق" من شأنه أن يقضي على فرص حكومة أبي مازن بالنجاح، مما قد يعني المزيد من السخط في الشارع العربي عامة والفلسطيني خاصة ليس فقط على إسرائيل بل على الولايات المتحدة أيضا.

لكن، وبالرغم من موافقة شارون "المبدئية" على "خريطة الطريق" ومن احتمال عقد لقاء يجمع بين الرئيس الأمريكي ورئيس الحكومة الفلسطيني ورئيس الحكومة الإسرائيلي خلال الأيام القليلة المقبلة، إلا أن الامتحان الأكبر سيكون أمام أرئيل شارون وليس أمام محمود عباس، كما يعتقد البعض. فبالرغم من أهمية مضي أبو مازن قدما في تنفيذ ما يتوجب على الجانب الفلسطيني تنفيذه بناءً على "خريطة الطريق،" إلا أن أبا مازن لا يستطيع فعل ذلك دون قيام إسرائيل بتنفيذ ما يتوجب عليها من شروط واردة في "الخريطة" المذكورة. وبالتالي، فإن أمام شارون امتحان من شقين لفحص حقيقة نواياه إزاء تنفيذ "خريطة الطريق."

الشق الأول من الامتحان الذي يتوجب على شارون خوضه يتعلق به شخصيا، وذلك باستعداده لإعطاء التعليمات اللازمة للأجهزة الأمنية الإسرائيلية للكف عن اجتياح العديد من المناطق الفلسطينية واغتيال ناشطين عسكريين فلسطينيين وفرض حصار على معظم المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية. كما ان شارون مطالب بأن يمارس سياسة "ضبط النفس" حتى في حالة حدوث بعض العمليات المسلحة الفلسطينية ضد أهداف إسرائيلية وذلك ليمنح فرصة لأبي مازن لتطبيق ما يتوجب على الجانب الفلسطيني تطبيقه بناء على "خريطة الطريق." وبما أن أرئيل شارون هو المسؤول الأعلى وبدون منافس عن جميع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فإن الامتحان يتعلق به شخصيا، ومن شأنه أن يدل على صدق نواياه واستعداده الحقيقي للتوجه نحو حال دائم للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

أما الشق الثاني من امتحان شارون فهو ذو طابع سياسي. فعدا حزب "شينوي" العلماني المشارك في حكومته، سيتوجب على شارون مجابهة معارضة شرسة في أروقة حكومته التي تتسم بتوجهاتها اليمينية. حيث من المتوقع ألا تقتصر هذه المعارضة على شركائه اليمينيين في الائتلاف الحاكم، بالذات من حزبي "المفدال" و"الاتحاد الوطني – إسرائيل بيتنا" بل ستشمل أيضا بعض القيادات من حزب "الليكود" الذي يقوده هو. وقد بدأت بعض القيادات الليكودية المعارضة لتطبيق "خريطة الطريق" تجميع قواها يوم الأحد المنصرم في اجتماع عقد في فندق "رمات أبيب" في تل أبيب، حيث تم تجميع تواقيع وتجنيد نشطاء لفرق عمل تهدف القيام بحملة واسعة النطاق ضد تطبيق "الخريطة" المذكورة.

ولدى شارون القدرة للنجاح في هذا الامتحان بشقيه. في الشق الأول يتطلب الأمر ضبطا للنفس أما الشق الثاني فقد يتطلب إدخال بعض التعديلات على التركيبة الحكومية الحالية لربما من خلال ضم حزب العمل للائتلاف الحاكم. لذلك، فإن فشل أو نجاح "خريطة الطريق" يتعلق بالأساس بأرئيل شارون أكثر من أي شخص آخر، وادعاء غير ذلك سيكون إما من باب الجهل أو من باب التضليل!

24 أيار 2003

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, شينوي, الليكود

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات