عادت الامور الى نقطة البداية: أغلبية واضحة لمعسكر اليمين في الكنيست القادمة تصل الى 65 مقعدا، وربما أكثر من ذلك. ومعنى ذلك ان فرص امتلاك معسكر اليسار، حتى وإن اجتمع مع الوسط، لـ "كتلة مانعة" باتت بعيدة. ولهذا السبب ثمة أهمية كبيرة اليوم للحديث ليس عن الصراع بين المعسكرات، وإنما عن الصراع داخل معسكر اليمين وتلامسه مع "الوسط" ممثلا بحركة شينوي
تحليل إخباري، بقلم: حلمي موسى
يحار المعلقون الاسرائيليون في وصف حقيقة ما يجري من تقلبات في مزاج الشارع الاسرائيلي. وثمة من يعتبر هذه التقلبات ثمرة حقيقية للتوتر الذي يهيمن على المزاج العام جراء الانتفاضة والوضع الاقتصادي. وآخرون يقولون بالقدرة السحرية لخطاب شارون الذي أظهره على انه ضحية مؤامرة كبرى لانتزاع السلطة منه عبر الافتراء والكذب. ومع ذلك يجزم الجميع بأن هذه حالة انتقالية غير مسبوقة. فللمرة الأولى في تاريخ الانتخابات الاسرائيلية تزداد نسبة المترددين مع اقتراب موعد التصويت.
وتقريبا عادت الامور الى نقطة البداية: معسكر اليمين يمتلك أغلبية واضحة في الكنيست القادمة تصل الى خمسة وستين مقعدا، وربما أكثر من ذلك. ومعنى ذلك ان فرص امتلاك معسكر اليسار، حتى وإن اجتمع مع الوسط، لـ "كتلة مانعة" باتت بعيدة. ولهذا السبب ثمة أهمية كبيرة اليوم للحديث ليس عن الصراع بين المعسكرات، وإنما عن الصراع داخل معسكر اليمين وتلامسه مع "الوسط" ممثلا بحركة شينوي.
وقبل ذلك بات واضحا أكثر من أي وقت مضى ان عميرام متسناع يؤهل نفسه، قبل زملائه في قيادة حزب العمل، لتبوء زعامة المعارضة. فمن جهة عمل على تقييد زعماء حزبه بالتعهد العلني الذي أطلقوه بعدم الانضمام الى حكومة يرأسها ارييل شارون. ومن جهة اخرى أسقط فكرة الحكومة العلمانية ضمن نظرة ترمي الى إفراغ حركة شينوي من محتواها كحركة وسط. ورغم ذلك ليس هناك، حتى الآن، ما يضمن ان يغدو متسناع الضحية الاولى التي يمدها حزب العمل جسرا لعبور الطريق نحو حكومة الوحدة.
ولكن متسناع، الذي يريد زعامة المعارضة، يجد أمامه اليوم حزبا آخر ينافسه على هذا اللقب، وهو حركة شينوي. وتشير استطلاعات الرأي الى احتمال تساوي الحزبين او حتى تفوق شينوي. وفي مثل هذه الحالة يصعب عليه ادعاء الاولوية بزعامة المعارضة. واذا أخذنا بالحسبان احتمال تفجر خلافات شديدة داخل حزب العمل فإن زعامة المعارضة تغدو هدفا صعب المنال لعميرام متسناع.
ورغم ذلك يصعب القول ان الامور باتت محسومة بشكل نهائي. اذ يتحدث الحذرون عن احتمال انقلاب الصورة. ففي الليكود يخشون مرة اخرى من فضيحة فساد جديدة، ويخشون أكثر من ان ينظر لها الجمهور بجدية اكبر. وفي العمل ما عادوا يأملون شيئا.
ولكن؟
هناك اليوم ما يقرب من العشرين في المئة يقولون بأنهم لم يحسموا موقفهم بعد لا لجهة التصويت ولا لجهة الحزب الذي سيصوتون له. ومن الجائز ان هذه النقطة كانت وراء إعلان بعض قادة الليكود عن خشيتهم من احتمال ضعف نسبة التصويت. وهم يؤمنون بأن تراجع نسبة التصويت لن تكون في مصلحتهم. كذلك ثمة أهمية كبيرة لحقيقة ان ما يزيد عن خمسين في المئة ممن يعلنون نيتهم التصويت لحركتي شينوي وميرتس، لم يحسموا أمرهم بشكل نهائي، وأن ثلث الناخبين المؤيدين لليكود والعمل يمكن ان يغيروا تصويتهم في اللحظة الأخيرة.
وهكذا تبدو الصورة جلية من جهة وغامضة من الجهة الاخرى. فمعسكر اليمين هو الذي سيحصل على أغلبية برلمانية، ولكن هذه الاغلبية تكفل تشكيل حكومة ولا تكفل استمرارها. وأرييل شارون لا يريد الاعتماد على الاتحاد القومي والمفدال، كما ان هذين الحزبين لا يريدان شارون زعيما. ويحلم شارون بإعادة تشكيل حكومة الوحدة، ولكن هذا الحلم بات متعذر التحقيق، ولو الى حين، جراء التعهد المعلن من جانب حزب العمل بعدم دخول هكذا حكومة.
ومن الوجهة النظرية تبقى لدى شارون فرصة تشكيل حكومة يمين ضيقة، أو حكومة وحدة من دون متسناع، او حكومة وحدة من دون حزب العمل، أو حكومة علمانية.
ويعتبر شارون الحكومة اليمينية الضيقة كابوس حياته. فمثل هذه الحكومة تضعه تحت رحمة آخر متطرف في اليمين الاسرائيلي من رجالات كاهانا وصولا الى مهووسي حركة شاس. ورغم زيادة عدد أعضاء الكنيست في معسكر اليمين عن عددهم في الكنيست السابقة، فإنه من الناحية الجوهرية لم يتغير شيء في توازن القوى داخل معسكر اليمين. وكان هذا التوازن هو الذي حال دون تشكيل حكومة ضيقة بعد انسحاب حزب العمل من حكومة شارون.
أما حكومة الوحدة من دون حزب العمل، فهي متعذرة، رغم انها احتمال يرجحه كثيرون ممن يؤمنون بأن قادة حزب العمل سوف يقضون على متسناع فور انتهاء الانتخابات. ويفضل شارون هذه الحكومة لأنها تمنحه فرصة كبيرة للمناورة. واذا لم يتمكن من تحقيق ذلك فسوف يسعى لإحلال حركة شينوي في الحكومة بديلا عن حزب العمل.
ويواجه شارون مصاعب جدية في الحالتين، ومع ذلك ليس ثمة مستحيل في غرائب السياسة الداخلية الاسرائيلية. فطومي لبيد زعيم حركة شينوي يميني الميل والهوى ولكنه يعلم ان الجمهور ركض وراءه ليس بسبب مواقفه السياسية وإنما بسبب مهاجمته للحريديم. وكان قد تعهد بعدم الجلوس في حكومة واحدة مع حركة شاس.
وأرييل شارون لا يستطيع تشكيل حكومة علمانية لأن الليكود لا يستطيع التخلي عن علاقته التاريخية مع الاحزاب الدينية. ولذلك، ورغم امتلاك شارون فرصا نظرية لتشكيل الحكومة المقبلة، فإن هذه الفرص من الزاوية العملية باتت ضعيفة. وحسب التقديرات السائدة حاليا، فإن أي حكومة غير حكومة الوحدة الوطنية على شاكلة التي أقامها مع العمل في الولاية السابقة، ستكون متعثرة ولن يطول عمرها.