يبدو بعد انتهاء الأيام المئة الأولى من ولاية الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، كما يُمكن أن يُستشف من جل التحليلات الإسرائيلية في هذا الشأن، أن إسرائيل قلقة أكثر شيء من احتمال عودة إدارته إلى إرث الرئيس السابق باراك أوباما، الذي كان بايدن نائبه، ولا سيما فيما يتعلق بالملفين الإيراني والفلسطيني. وإلى أن ينقشع الضباب عن الصورة الواضحة لتفاصيل هذه العودة، في حال حدوثها، نعيد التذكير بأن أكثر ما سعى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو نحوه فور تسلم الإدارة الأميركية السابقة برئاسة دونالد ترامب مهمات منصبها هو محاولة تخليصها من ذلك الإرث في أكثر من مجال على مستوى السياسة الخارجية التي انتهجتها الولايات المتحدة وكانت ذات صلة بإسرائيل.
وهذا ما كان بالوسع التأكد منه، لمساً ورؤية، عن طريق الزيارة التي قام بها نتنياهو إلى الولايات المتحدة في مستهل ولاية ترامب، في أواسط شباط 2017، وعقد خلالها اجتماعاً مع الرئيس الأميركي وقادة الكونغرس.
في تقرير مدار الاستراتيجي الأخير بشأن المشهد الإسرائيلي 2020-2021 تمّ التطرّق، لدى الحديث عن نتائج انتخابات الكنيست الـ24 التي جرت يوم 23 آذار الفائت، إلى المفاجأة التي سجلها حزب العمل في إثر انتخاب عضو الكنيست ميراف ميخائيلي رئيسة له، بحصوله على سبعة مقاعد بعد أن كانت كل استطلاعات الرأي العام تتوقع له قبل انتخابها ألا يتمكن من اجتياز نسبة الحسم.
وأشرنا إلى أن أهم أسباب تلك التوقعات تعود إلى ما يلي:
أولاً، بعد انضمام حزب العمل إلى الائتلاف الحكومي برئاسة بنيامين نتنياهو، تراجع تأييد الحزب لدى قواعده التي اعتبرت هذه الخطوة "خيانة"، فقررت التصويت لأحزاب بقيت في المعارضة وفي مقدمها حزب "يوجد مستقبل". وعندما تم انتخاب ميخائيلي عاد جزء من المصوتين إلى الحزب، لا سيما بعد قرار الانسحاب من الائتلاف الحكومي.
هل يوجد وجه للمقارنة بين أزمة وباء كورونا وحرب تشرين الأول/أكتوبر 1973؟ في إسرائيل ثمة من يعتقد أن هناك أكثر من وجه للمقارنة، وليس أبسطها أن الوباء داهمها على حين غرة كما كانت الحال إلى حدّ ما بالنسبة إلى الحرب المذكورة من حيث كونها، من الناحية الأولى، لم تكن متوقعة استخباراتياً، كما يزعم البعض خلافاً لبعض آخر يدعّي العكس، ومن الناحية الأخرى، من زاوية وقائع خوضها ناهيك عن الاستعداد لها، والتي كادت أن تفضي إلى إلحاق هزيمة بدولة الاحتلال تمحو أثر هزيمة ألحقتها بدول عربية قبل ذلك بستة أعوام في حرب خاطفة دامت ستة أيام، وعندما استراحت في اليوم السابع ألفت نفسها رابضة على مزيد من أراضي فلسطين، وعلى أراض مصرية وسورية.
وإذ نقول إن المفاجأة ليست أبسط ما انطوى عليه الوباء لدى مقارنته بحرب 1973 مع ضرورة التنويه بأن هناك من نفى ذلك جملة وتفصيلاً، فإننا نقصد بالأساس أن هناك ما هو أبعد دلالة منها، بما قد يرسم ما يشبه البورتريه للواقع القائم في إسرائيل في الوقت الحالي. فالذين يعتقدون أن إسرائيل كسبت الحرب في نهاية المطاف، يؤكدون في الوقت عينه أنها أصيبت بخسائر جسيمة، بينما تسبب الفشل
من غير الواضح بعد أي حكومة إسرائيلية يمكن أن تُقام في ضوء النتائج النهائية لانتخابات الكنيست الـ24 التي جرت يوم 23 آذار الحالي، وكانت الرابعة خلال أقل من عامين. كما لم يتضح بعد فيما إذا جولة الانتخابات الرابعة هذه هي الأخيرة، أم أنها ستكون كسابقاتها وتؤدي إلى جولة انتخابات خامسة على خلفية الأسباب ذاتها. ولعلّ ما يبدو واضحاً حتى الآن هو أنه ليست هناك أغلبية لحكومة يؤلفها معسكر الأحزاب المؤيد لاستمرار حكم بنيامين نتنياهو والذي يضم الليكود وأحزاب اليهود الحريديم المتشددين دينياً و"الصهيونية الدينية"، وفي الوقت نفسه ليست هناك أغلبية لحكومة يؤلفها معسكر الأحزاب المناهض لاستمرار حكمه.
كما يبدو واضحاً أن هناك حزبين فقط لم ينتميا إلى أي معسكر طوال الحملة الانتخابية، وهما "يمينا" برئاسة عضو الكنيست نفتالي بينيت، والقائمة العربية الموحدة برئاسة عضو الكنيست منصور عباس. بناء على ذلك فإن أياً منهما لن ينكث وعوده إذا ما قرر السير مع نتنياهو أو الانضمام إلى خصومه.
للمرة الرابعة خلال عامين تذهب إسرائيل الى انتخابات تشريعية، حيث يأمل المتنافسون أن يتمكنوا هذه المرة من إنجاز ما فشلوا في إنجازه سابقاً. وتتنافس في الانتخابات المقبلة للكنيست 39 قائمة انتخابية، من بينها 14 قائمة يمكن، بحسب الاستطلاعات، أن تتجاوز نسبة الحسم. وعلى خلاف الانتخابات السابقة تجري هذه الانتخابات في ظل تفكك أكبر جسم معارض هو "أزرق أبيض" وتفكك القائمة المشتركة بعد انشقاق تيار الحركة الإسلامية الجنوبية (القائمة العربية الموحدة) بقيادة منصور عباس، وفي ظل عدم وجود قائمة معارضة قوية بل عدة قوائم لا تشكل أي منها حالة معارضة مهددة لوحدها.
وتأتي هذه الانتخابات على خلفية ما صار يُعرف إسرائيلياً بـ "الأزمة السياسية"؛ التي بدأت غداة الانتخابات للكنيست الحادي والعشرين التي جرت في 9 نيسان 2019 بعدما فشل نتنياهو في تشكيل ائتلاف يميني ضيق في إثر رفض أفيغدور ليبرمان الانضمام لحكومته. وتتجلّى في دخول إسرائيل في دوامة انتخابات متكررة
مع الاقتراب من موعد إجراء انتخابات الكنيست الـ24، يوم 23 آذار الحالي، نتملّك أكثر فأكثر دلالات ذهاب إسرائيل إلى أربع جولات انتخابية خلال أقل من عامين، وما دلّت وستدل عليه نتائج هذه الجولات.
ولئن تم، في الجولات الثلاث السابقة، تغليف تلك الدلالات داخل بعض مفاهيم ملتبسة كان من شأنها أن تضبّب العامل الرئيس الواقف وراءها، والذي يُحيل إلى محاولة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو البقاء في سدّة الحكم بما يسعفه في الهروب من محاكمته بشبهة ارتكاب مخالفات فساد، فإنها في هذه الجولة الرابعة غادرت منطقة الالتباس أكثر فأكثر وأمست على نحو أشدّ وضوحاً، وجاءت جائحة كورونا لتؤكد فاعلية العامل المذكور في الحملات الإعلامية المتواترة، بل وحتى في محاولات إنتاج كل المعنى المرتبط بالحياة السياسية والحزبية الإسرائيلية.
الصفحة 28 من 48