أكدت أغلب التحليلات الإسرائيلية التي تناولت صيغة التسوية للأزمة الائتلافية التي نشبت بين حزبي الليكود وأزرق أبيض على خلفية الميزانية العامة للدولة، وكان مؤدّاها إرجاء المصادقة على هذه الميزانية 120 يوماً، والحؤول بذلك دون حلّ الكنيست الحاليّ والذهاب إلى انتخابات مبكرة رابعة خلال أقل من عام ونصف العام، أن هذه الصيغة ليس من شأنها بعد أن تضمن استقرار حكومة بنيامين نتنياهو الخامسة إلى حين انتهاء ولايتها القانونية، بل وحتى إلى حين موعد التناوب في رئاستها مع رئيس أزرق أبيض، بيني غانتس، في تشرين الثاني 2021.
يمكن إطلاق توصيفات عديدة على اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، الذي أعلن البيت الأبيض عنه يوم 13 آب الحالي، غير أن التوصيف "الأبلغ" يبقى ذلك الذي أطلقه بوعز بيسموت، رئيس تحرير صحيفة "يسرائيل هيوم"، الناطقة بلسان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، عندما قال إن الإمارات كانت على مدار أكثر من عقدين بمثابة العشيقة السريّة لإسرائيل وجاء الاتفاق ليغيّر مكانتها ويحوّلها إلى زوجة رسمية علناً.
مع استمرار الاحتجاجات التي تشهدها إسرائيل منذ عدة أسابيع والتي يدفع مؤججوها نحو رفع المزيد من الأصوات في الوقت عينه ضد الأزمتين الصحية والاقتصادية الناجمتين عن تفشي فيروس كورونا، وضد أداء حكومة بنيامين نتنياهو الخامسة، والذي يتم تحت وطأة كون رئيسها يخصص جلّ وقته لهدف واحد فقط: بقاؤه بأي ثمن (اقرأ مقال برهوم جرايسي ومقال سليم سلامة)، شرع عدد من المحللين بطرح سؤال حول ماهية التغيير المرتقب في حال تأدية هذه الاحتجاجات إلى انتهاء عهد نتنياهو المستمر منذ أكثر من عقد.
تسلط أغلبية مواد هذا العدد الأسبوعي من "المشهد الإسرائيلي" الضوء على المُستجدات التي تراكمت في إسرائيل ترتباً على استمرار تداعيات أزمة فيروس كورونا، وفي مقدمها الاحتجاجات الاقتصادية والاجتماعية الآخذة بالتأجج على خلفية هذه التداعيات.
ولعل أكثر ما ارتأينا الالتفات إليه في الوقت الحالي هو وجود نوع من التناغم أو الربط بين الاحتجاجات ضد الأزمتين الصحية والاقتصادية والاحتجاجات التي تربط بين هاتين الأزمتين وأداء حكومة بنيامين نتنياهو الخامسة، والواقع تحت وطأة كون رئيسها يخصص جلّ وقته لهدف واحد فقط: بقاؤه بأي ثمن، كما سبقت لنا الإشارة إلى ذلك.
هناك أكثر من سبب للاعتقاد بأن الأيام الراهنة ترسم أولى إشارات بداية نهاية عهد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو المستمر منذ أكثر من عقد، وهو ما ركزنا عليه في هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي"، بواسطة تسليط الضوء بشكل أساس على التداعيات الاقتصادية- الاجتماعية المترتبة على أزمة فيروس كورونا والتي بلغت آماداً حادّة.
لعل أبرز هذه الأسباب هو انطلاق حملة احتجاج مُرشّحة لأن تتصاعد ضد هذه التداعيات؛ حتى إن كانت تعيد إلى الأذهان إلى حدّ كبير حملة الاحتجاج الاجتماعية التي شهدتها إسرائيل العام 2011 وفشلت في تحقيق مبتغاها، فهي أشدّ قسوة وعمقاً كونها متأتية عن حراك "جمهور يختنق ولم يعد قادراً على التنفس"، كما وصفتها صحيفة "هآرتس"، مؤكدة أنه من غير الممكن إسكاتها ولا حتى بواسطة الشرطة وعنفها.
هذا هو أول عدد من ملحق "المشهد الإسرائيلي" بشكله الإلكتروني الجديد، وبالتلازم مع موعد صدور أسبوعي ثابت هو كل يوم اثنين مع محاور الاهتمام نفسها، ناهيك عما من شأن هذه النقلة الجديدة أن تسمح به من إمكان الخوض في مجالات أخرى.
وسنعمل على أن يواصل هذا المشروع دوره الريادي في قراءة الوقائع الإسرائيلية المتلاحقة ومتابعتها ونقدها وتحليلها من زاوية النظر العربية الفلسطينية، متوخين أن ننجح بتقديمها إلى الجمهور في السياق الصحيح، وأن نساهم في إتاحة الفرصة لإطلالة على مشهد إسرائيلي متنوّع من موقع المتابع والمطلع، المحلّل والمستشرف. ذلك ضروري أولاً ودائماً كي لا نقع في أسر المألوف والسائد.
الصفحة 31 من 45