مع الاقتراب من موعد إجراء انتخابات الكنيست الـ24، يوم 23 آذار الحالي، نتملّك أكثر فأكثر دلالات ذهاب إسرائيل إلى أربع جولات انتخابية خلال أقل من عامين، وما دلّت وستدل عليه نتائج هذه الجولات.
ولئن تم، في الجولات الثلاث السابقة، تغليف تلك الدلالات داخل بعض مفاهيم ملتبسة كان من شأنها أن تضبّب العامل الرئيس الواقف وراءها، والذي يُحيل إلى محاولة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو البقاء في سدّة الحكم بما يسعفه في الهروب من محاكمته بشبهة ارتكاب مخالفات فساد، فإنها في هذه الجولة الرابعة غادرت منطقة الالتباس أكثر فأكثر وأمست على نحو أشدّ وضوحاً، وجاءت جائحة كورونا لتؤكد فاعلية العامل المذكور في الحملات الإعلامية المتواترة، بل وحتى في محاولات إنتاج كل المعنى المرتبط بالحياة السياسية والحزبية الإسرائيلية.
وعلى ما يبدو سيظل المشهد العام فيما يتعلق بتركيبة الحكومة الإسرائيلية المقبلة التي سيتم تأليفها وبمن سيقف على رأسها، غائماً إلى حين ظهور النتائج النهائية، وذلك على خلفية ما يشبه حالة التعادل بين معسكر الأحزاب المؤيدة لاستمرار حكم نتنياهو ومعسكر الأحزاب المعارضة لحُكمه والداعية إلى إطاحته، إلى جانب تأرجح عدة قوائم ما بين فوق نسبة الحسم وتحتها، بما من شأنه أن يرجّح كفة أحد المعسكرين. وثمة من يعتقد أن الأحزاب التي لن تنجح في اجتياز نسبة الحسم هي التي تمتلك مفتاح تشكيلة الحكومة التي ستسفر هذه الانتخابات عن تأليفها.
حتى ذلك الوقت سنكتفي بأن نشير إلى أنه بقدر ما إن نتنياهو يحاول جاهداً البقاء في الحكم بقدر ما تتركز حملات الأحزاب المعارضة لبقائه على تسويق شعار "لا لنتنياهو" وتسويغ مبرراته. وليس مبالغة القول إن هذه الحال كانت تنطبق أيضاً على الجولات الانتخابية الثلاث السابقة. بل هي حال شبيهة بما حدث في الانتخابات التي جرت في العام 2015. وسبق أن أشرنا في الماضي إلى أنه لم يحدث في تاريخ إسرائيل أن توحدت نُخب أمنية وثقافية وإعلامية وفنية في مسعى منظم وواسع لإفشال رئيس حكومة كما توحدت ضد نتنياهو قبيل انتخابات 2015. وبحسب كثير من التحليلات آنذاك، وجهت هذه النخب لائحة طويلة من الاتهامات ضد نتنياهو كان من شأنها أن تضمن نزع الشرعية عن حقه في مواصلة تسلم منصب رئيس الحكومة، بما في ذلك اتهامات أطلقها المئات من الجنرالات المتقاعدين وعدد كبير من القادة السابقين في جهازي "الشاباك" و"الموساد" وتهدف إلى توعية الجمهور الإسرائيلي بمخاطر بقاء نتنياهو في سدة الحكم وتصوير حكمه بأنه ينطوي على "خطر مباشر حيال الأمن القومي الإسرائيلي". ووقف في صلب هذه الاتهامات أن نتنياهو يفتقد مؤهلات قيادية تجعله قادراً على مواجهة التحديات الماثلة أمام إسرائيل وأن كل ما يهمه هو ضمان بقائه في ديوان رئاسة الحكومة. وخلال ذلك جرى تحميله المسؤولية عن الفشل في الحرب على غزة (2014) وعجزه عن ردع حركة "حماس" (وهو اتهام وُجّه له أيضاً من جانب شركائه في اليمين وخاصة وزير الخارجية آنذاك أفيغدور ليبرمان). كما اتهم نتنياهو بأنه المسؤول المباشر عن تعاظم المشروع النووي الإيراني، والأنكى من ذلك تمّ تحميله المسؤولية عن الأزمة غير المسبوقة في العلاقات مع الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي الرئيس لإسرائيل. وفي الوقت عينه عجّت وسائل الإعلام بقصص وروايات حول مظاهر الفساد في منزل نتنياهو وخاصة تلاعب زوجته سارة في الأموال العامة فضلاً عن تدخلها في شؤون الحكم.
وأكدت تحليلات كثيرة في حينه أن نتنياهو تمكن من الفوز في انتخابات 2015 لأن المجتمع الإسرائيلي يميني في معظمه، وهذا جعل قطاعات واسعة منه تتقبل الخط الدعائي الذي عكف عليه وشدّد فيه على أن شعار "إلا نتنياهو" يهدف إلى تتويج "حكومة يسارية". من ناحية أخرى ظهر أنه على الرغم من أن جميع الاستطلاعات التي أجريت قبل تلك الانتخابات منحت تحالف "المعسكر الصهيوني" بين حزب العمل وحزب "الحركة" المنحل برئاسة تسيبي ليفني تفوّقاً على الليكود، فإنها في الوقت ذاته بيّنت أن أغلبية الجمهور الإسرائيلي تعتقد أن نتنياهو ما يزال الشخص الأكثر مناسباً لرئاسة الحكومة.
إن مثل هذا الاعتقاد الأخير يتكرّر في الفترة القليلة الفائتة من طرف أغلبية الجمهور الإسرائيلي ونحن على أعتاب الانتخابات القريبة المقبلة، مع فارق إضافي هو احتمال أن يكون التفوّق فيها، بخلاف ما كان في انتخابات 2015، من نصيب أحزاب ليست أقل يمينية من نتنياهو إن لم تكن أكثر حتى. وفي مجرّد هذا ما يُظهر التحوّلات في المواقف التي خضع ويخضع لها المجتمع الإسرائيلي مع كل جولة انتخاب جديدة.
المصطلحات المستخدمة:
الموساد, الليكود, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, أفيغدور ليبرمان