رأى باحثون في إسرائيل أن الحرب الإسرائيلية العدوانية الحالية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، التي تطلق عليها إسرائيل اسم "عملية الجرف الصامد"، تنطوي على أهمية خاصة، وتشكل مرحلة مهمة في تاريخ الصراع لا تصب بالضرورة في مصلحة إسرائيل.
وانطلاقا من هذه الرؤية، دعا هؤلاء الباحثون صناع القرار في إسرائيل إلى تفضيل التسوية مع الجانب الفلسطيني على تنفيذ خطوات أحادية الجانب، وأكدوا أنه على الرغم من أن تسوية كهذه لن تؤدي إلى المصالحة بين الشعبين إلا إن التوصل إلى تسوية كهذه من شأنه أن يعود بالنفع على الشعبين.
نفذ عشرات الفتية والشبان اليهود اعتداء وحشيا (لينش) على ثلاثة شبان فلسطينيين في القدس، مساء يوم الخميس الماضي. وقبل ذلك بوقت قليل ألقى مستوطن زجاجة حارقة على سيارة فلسطينية في منطقة بيت لحم. وأسفر الاعتداءان عن إصابة ركابها بجراح بين خطيرة ومتوسطة. ويظهر، بالاستناد إلى التقارير الصحافية الإسرائيلية، أن مصادر هذين الاعتداءين (واعتداءات أخرى لا حصر لها وفي مقدمتها ما يسمى باعتداءات "جباية الثمن") واحدة، وهي: الاحتلال، الاستيطان، العنصرية، تنامي النزعات اليمينية والدينية، الكراهية لكل ما هو عربي. وباختصار: هذه هي إسرائيل كما تنجلي صورتها في العقد الأخير.
حملت نتائج الانتخابات للكنيست الإسرائيلي الـ17 (جرت في 28 آذار/ مارس 2006) عدة دلالات سياسية واجتماعية وفكرية، تحيل أساسًا إلى التركيبة المتوقعة للحكومة الإسرائيلية المقبلة وإلى أجندتها العامة، بمقدار ما تحيل إلى مستقبل علاقة إسرائيل الخارجية مع الجانب الفلسطيني وخصوصًا ما هو متعلق بالعملية السياسية، فضلاً عن إحالاتها إلى التطورات الداخلية السياسية والاجتماعية والحزبية.
الإتفاقات الإئتلافية واحتمالات البقاء
توطئة
شهد الكنيست يوم 10 كانون الثاني (يناير) 2005 تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة بقيادة حزب "الليكود" وبرئاسة أريئيل شارون، تضم أيضًا كتلتي حزبي "العمل" و"يهدوت هتوراه" (ديني متشدّد). وقد أقر الكنيست هذه الحكومة، للمرة الأولى في تاريخه، بأغلبية أقل من نصف أعضائه الـ120- ثمانية وخمسين عضوًا مقابل ستة وخمسين وامتناع ستة عن التصويت. وفي حين صوّت ثلث أعضاء الكنيست عن "الليكود" ضد الحكومة فقد أيدها أعضاء الكنيست عن حزب "ياحد- ميرتس" اليساري (باستثناء عضو الكنيست يوسي سريد، الذي امتنع عن التصويت).
عادت الأزمة بين إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، وحكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية، لتتصدر العناوين الرئيسة لوسائل الإعلام، خاصة في إسرائيل، منذ نهاية الأسبوع الماضي.
وبرزت الأزمة في العلاقات بين الجانبين هذه المرة على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، علما أن التوتر ومشاعر الغضب والخلافات في المواقف في كلا الجانبين كانت قد طفت على السطح منذ العام الماضي، على خلفية العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، التي وصلت إلى طريق مسدود.
وساهمت معارضة إسرائيل العلنية لمعظم التفاهمات التي توصلت إليها الدول العظمى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، مع إيران حول البرنامج النووي لهذه الأخيرة، في تصاعد التوتر بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو. ولم يتردد المتحدثون الإسرائيليون، وفي مقدمتهم نتنياهو، ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، ووزير الدفاع موشيه يعلون، في مهاجمة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بسبب مواقفه تجاه حل القضية الفلسطينية والموضوع النووي الإيراني. ووصف المسؤولون الإسرائيليون كيري بأنه "معاد لإسرائيل" و"مهووس" وأنه "شخصية غير مرغوب فيها" في إسرائيل.
يركز الخطاب العام في إسرائيل، خلال الحرب العدوانية الحالية على غزة، على القتال ضد حماس والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، ويغيّب معاناة المدنيين الفلسطينيين، الذين يدفعون أبهظ الأثمان، سواء بعدد الشهداء المرتفع للغاية أو بالدمار الرهيب جراء القصف الإسرائيلي العنيف. ولا تخفي إسرائيل تعمدها التسبّب بهذه الأهوال، وأن ذلك يندرج ضمن عقيدة قتالية تطلق عليها اسم "عقيدة الضاحية"، في إشارة إلى تدمير الضاحية الجنوبية في بيروت، معقل حزب الله، خلال حرب لبنان الثانية في العام 2006.
ويرافق هذا العدوان الوحشي، تفاقم لمظاهر العنصرية بين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، في قطاع غزة والضفة الغربية وداخل إسرائيل، ورفض أية مظاهر احتجاجية مناهضة لهذه الحرب، خاصة لدى عرب الداخل.
الصفحة 39 من 61