تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

رأى باحثون في إسرائيل أن الحرب الإسرائيلية العدوانية الحالية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، التي تطلق عليها إسرائيل اسم "عملية الجرف الصامد"، تنطوي على أهمية خاصة، وتشكل مرحلة مهمة في تاريخ الصراع لا تصب بالضرورة في مصلحة إسرائيل.
وانطلاقا من هذه الرؤية، دعا هؤلاء الباحثون صناع القرار في إسرائيل إلى تفضيل التسوية مع الجانب الفلسطيني على تنفيذ خطوات أحادية الجانب، وأكدوا أنه على الرغم من أن تسوية كهذه لن تؤدي إلى المصالحة بين الشعبين إلا إن التوصل إلى تسوية كهذه من شأنه أن يعود بالنفع على الشعبين.


"الجرف الصامد" بنظرة تاريخية

اعتبر الباحث والمحاضر في العلوم السياسية في جامعة حيفا، البروفسور أوري بار يوسف، في مقال نشره في موقع "يديعوت أحرونوت" الإلكتروني، في 6 آب 2014، أن في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي، منذ العام 1967، ثمة ثلاثة أحداث "غيّرت موقف إسرائيل حيال طريقة إنهاء الصراع"، وهي: حرب أكتوبر العام 1973، والانتفاضتان الفلسطينيتان الأولى والثانية.

وأضاف "من الجائز أن عملية الجرف الصامد العسكرية، رغم كونها حدثا مقلصا نسبيا قياسا بالثلاثة التي سبقته، ستتضح أنها ذات تأثير لا يقل أهمية".

وأوضح بار يوسف، وهو أحد أهم الباحثين الإسرائيليين في حرب أكتوبر 73، أنه قبل هذه الحرب الأخيرة "آمن أكثر من 90% من الإسرائيليين أن السيطرة على شرم الشيخ من دون سلام أفضل من سلام من دون شرم الشيخ. لكن الثمن الباهظ الذي تم دفعه في تلك الحرب أقنع أغلبية الجمهور بتغيير مواقفها ومنح دعم جارف لاتفاق سلام مع مصر، تنازلت إسرائيل بموجبه عن كل سيناء حتى ذرة الرمل الأخيرة". 

وأضاف بار يوسف أنه قبل الانتفاضة الفلسطينية الأولى "امتنعت حكومات إسرائيل اليمينية واليسارية عن القيام بأية محاولة لأن تدفع بصورة كبيرة حلا سياسيا للصراع مع الفلسطينيين. وأبرزت الانتفاضة الأولى المخاطر المقرونة بالجمود السياسي وحركت عملية أوسلو التي حظيت بتأييد أغلبية الجمهور. وأغلبية الجمهور عارضت أيضا قيام دولة فلسطينية في غزة وفي حوالي 90% من أراضي الضفة الغربية مثلما اقترح (رئيس حكومة إسرائيل في العام 2000) إيهود باراك في ’كامب ديفيد’. وبعد أن اتضح ثمن الانتفاضة الثانية حظي مسار (الرئيس الأميركي الأسبق بيل) كلينتون من أجل حل الصراع ومسارات مشابهة له بتأييد أغلبية الجمهور".

وأشار الباحث إلى أنه في مركز هذه المسارات السياسية جرى الحديث عن قيام دولة فلسطينية في حدود العام 1967 وإجراء تبادل أراض بنسب صغيرة، و"تقسيم" القدس وتقاسم المسؤولية حول الأماكن المقدسة، "إلى جانب تنازل فلسطيني فعلي عن حق العودة". واعتبر أن تأييد أغلبية الإسرائيليين لهذا الحل ما زال قائماً.

وشنّت إسرائيل عدوانها الحالي على قطاع غزة من خلال التعهد بإعادة ردع الفصائل الفلسطينية. لكن بار يوسف شدد على أنه "كما تبدو الأمور الآن، فإنه ليس فقط أن قدرة الردع الإسرائيلية لم يتم ترميمها، وإنما تراجعت، وذلك ليس لأنه لا توجد لدى إسرائيل قوة عسكرية كافية لمعاقبة حماس على استفزازاتها أو حزم كاف لاستخدام هذه القوة. إن التفوّق العسكري للجيش الإسرائيلي لم يكن محل شك أبدا، ومشاهد الدمار في غزة وعدد الخسائر بين المدنيين الفلسطينيين يدلان على استعداد لضرب حماس بأي ثمن، وبضمن ذلك الثمن الأخلاقي وصورة إسرائيل بسبب موت ’غير ضالعين في القتال" كثيرين".

ولفت بار يوسف إلى أن "جذور مشكلة الردع تكمن في الضرر المتزايد اللاحق بإسرائيل من أسلحة بدائية موجودة بحوزة حماس. وفي اليوم الذي توقفت فيه شركات الطيران عن السفر إلى مطار بن غوريون سيُذكر على أنه اليوم الذي أغلقت فيه قذائف صاروخية، صُنعت في ورشات حدادة في غزة، الحركة الدولية إلى إسرائيل ومنها، وستكون لذلك انعكاسات بالغة الأهمية على استخدام القوة في المستقبل. لأنه على الأرجح، ستوجّه حماس، متشجعة من نجاحها، جل جهدها لتجديد مخزونها الصاروخي من خلال التشديد على صواريخ بعيدة المدى وأكثر دقة بحيث تكون قادرة على ضرب مطار بن غوريون".     

ورأى أن لدى حزب الله قدرة صاروخية بإمكانها أن تشكل خطرا ليس على المطار فقط وإنما أيضاً على محطات توليد الكهرباء ومعامل تحلية المياه ومفاعل ديمونا النووي ومنشآت إستراتيجية إسرائيلية كثيرة أخرى. وأضاف أنه لا يوجد لدى إسرائيل، رغم وجود "القبة الحديدية"، رد دفاعي على "ميزان الرعب" الذي يشكله حزب الله وقدراته الصاروخية. "لذلك فإن أي زعيم عاقل سيحاذر جدا - كما فعل (رئيس حكومة إسرائيل ووزير دفاعها) نتنياهو ويعلون هذه المرة - ممارسة القوة التي قد يكون ثمنها غاليا جدا".

وأردف بار يوسف أنه "بهذا المفهوم، فإن عملية الجرف الصامد هي حلقة أخرى في سلسلة الأحداث التي في مركزها حرب يوم الغفران (1973) والانتفاضتان، والتي تعبر عن قدرة الجانب العربي، الضعيف نسبيا من الناحية العسكرية، على التسبب بأضرار بالغة لإسرائيل وجلبها إلى تفكير جديد حول الطريقة المناسبة لمواجهة تحديات أمنية. إن الشعار ’دعوا الجيش الإسرائيلي ينتصر’ فارغ من مضمونه عندما لا يقوم العدو الماثل أمامنا بتفعيل طائرات ودبابات وإنما يطلق صواريخ بدائية من داخل التجمعات السكنية المدنية أو يقتحم من أنفاق خفية. ويبدو أن أكثر شيء تعلمنا إياه هذه العملية العسكرية يتعلق بالقيود المتعاظمة المقرونة بتحقيق ’انتصار’". 

واستنتج الباحث أنه "على ضوء هذه القيود، فإن من الجائز أنه على غرار حرب يوم الغفران والانتفاضتين، سوف تتضح الجرف الصامد بأنها نقطة تحوّل في الصراع، وهي نقطة حوّلت فيها إسرائيل جل ثقلها في مواجهة مشاكل أمنية من المستوى العسكري العاقر إلى المستوى الدبلوماسي، الذي يبدو مضمونا أكثر بكثير".

التسوية أفضل من خطوة أحادية الجانب

اعتبر الدبلوماسي الإسرائيلي السابق والباحث في "معهد أبحاث الأمن القومي"، الدكتور عوديد عيران، في تحليل نشره في الموقع الالكتروني للمعهد، في 4 آب 2014 وقبل انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، أنه توجد عدة خيارات أمام إسرائيل من أجل إنهاء عدوانها على غزة، وأن الخيارين الأساسيين هما التوصل إلى تسوية بواسطة المجتمع الدولي أو سحب القوات من جانب واحد.

ورأى أن التسوية أفضل من أي خطوة أحادية الجانب.

وعدد عيران أفضلية الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب بما يلي:

أولا: إسرائيل تحافظ على حرية القرار، بصورة كاملة تقريبا، حول متى وفي أية ظروف ستوقف الحرب وعلى أية أحداث أمنية تبادر إليها الفصائل سترد، وبذلك تحتفظ لنفسها بحرية عمل واسعة من دون التعهد بعدم شن عمليات عسكرية.

ثانيا: تستجيب إسرائيل لمطالب جهات دولية بوقف إطلاق النار فوراً.

ثالثا: إسرائيل لا تلتزم تجاه أية جهة في غزة والمنطقة وفي المجتمع الدولي بشأن خطوات سياسية.

رابعا: في السياق السياسي الداخلي، تمنع الحكومة انتقادات متوقعة من اليمين بأنها دفعت ثمنا سياسيا لحماس والسلطة الفلسطينية ومصر والولايات المتحدة من أجل إنهاء الحرب.

خامسا: تقصير مدة تواجد القوات في قطاع غزة.

وأشار عيران إلى أن مساوئ الانسحاب الأحادي الجانب هي:

أولا: خطوة كهذه لا تلزم أحدا من الأطراف الضالعة في الحرب.

ثانيا: سحب القوات بصورة أحادية الجانب ليس مرتبطا بأسباب الحرب، وبينها الحصار المفروض على قطاع غزة.

ثالثا: قد تؤدي خطوة كهذه إلى ترحيب دولي لكنها لا تقاس مقابل أفضليات التسوية السياسية.

رابعا: الجيش الإسرائيلي يترك مهمات من دون تنفيذها، لكن بالإمكان تحقيقها من خلال تسوية سياسية.

خامسا: من دون تسوية شاملة وكاملة، فإن الانسحاب الأحادي الجانب هو مجرد استراحة بانتظار المواجهة المقبلة.

وفي مقابل ذلك، عدد عيران أفضليات التسوية، لافتا إلى أنها تستوجب تفكيرا مختلفا وتضع حلولا بعيدة الأمد:

أولا: خلال المحادثات حول التسوية سيكون بإمكان إسرائيل طرح كل مطالبها من أجل منع تسلح الفصائل الفلسطينية وتجريدها من السلاح، والمطالبة بمشاركة جهات دولية في مراقبة ومتابعة الوضع في القطاع.

ثانيا: خلال الحرب على غزة نشأت مصالح مشتركة بين إسرائيل وجهات إقليمية، مثل مصر والسلطة الفلسطينية والأردن، تتعلق بغزة وبالعلاقات مع جهات إقليمية أخرى، وخاصة تركيا، وأيضا بالعلاقات مع الولايات المتحدة. ورأى عيران أن هذه المصالح المشتركة لن تختفي في حال توجهت إسرائيل نحو انسحاب أحادي الجانب، لكن جميع الجهات الأخرى تفضل المظلة الدولية.

ثالثا: التسوية من خلال المجتمع الدولي تستدعي إسرائيل إلى التعامل مع قسم من مطالب حماس، لأن الجهات الإقليمية، وبينها تلك التي لديها مصالح مشتركة مع إسرائيل، لن تتمكن من تجاهل الواقع الذي كان سائدا في غزة قبل الحرب الحالية وازداد عمقا خلالها. وإحدى المصاعب التي ستواجهها إسرائيل هي أن حل قسم من المشاكل سيتم بواسطة حماس ومن دون ذلك سيكون النجاح جزئيا.

ورأى عيران أن مطلب حماس توسيع منطقة الصيد قبالة شواطئ غزة هو مطلب معقول. وأضاف أن مطلب رفع الحصار "يمكن تفكيكه إلى مجموعة تسهيلات" تكون تحت رقابة إسرائيل.

 

"العالم يحاصرنا ويقيّد حريتنا في العمل"!

انطلق الباحث في تاريخ إسرائيل، البروفسور يغئال عيلام، في مقاله المنشور في صحيفة "هآرتس"، في 7 آب 2014، من أنه ليس صحيحا قول أولئك الذين يدعون بأن الصراع أبدي وليس بالإمكان حله.

ورأى عيلام أن هناك عدة مراحل مهمة في تاريخ الصراع منذ قيام إسرائيل.

والمرحلة الأولى، التي امتدت 25 عاما، من حرب العام 1948 وحتى حرب أكتوبر العام 1973، جرى الصراع خلالها بين إسرائيل والدول العربية. "وبعد حرب يوم الغفران خرجت الدول العربية من المواجهة العنيفة وبقينا وجها لوجه مع الفلسطينيين".

وأضاف أن المرحلة الثانية كانت المواجهة العنيفة بين إسرائيل والفلسطينيين، وبدأت بحرب لبنان (الأولى) في العام 1982، واستمرت خلال الانتفاضتين وحتى العام 2005. و"انتهت هذه المرحلة بأفول الانتفاضة الثانية وتشكيل حكومة محمود عباس وسلام فياض. وبذلك خرجت السلطة الفلسطينية من المواجهة العنيفة، وبقيت هناك جزيرتا مقاومة عنيدتان: حزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزة".

وتابع عيلام أن "المرحلة الثالثة، بدأت بحرب لبنان الثانية في العام 2006، مرورا بعملية ’الرصاص المصبوب’ في العام 2008 وعملية ’عمود سحاب’ في العام 2012. وبعد حرب لبنان الثانية دخل حزب الله في حالة تهدئة مقابل إسرائيل، وبعد ’الرصاص المصبوب’ و’عمود سحاب’ في القطاع، ساد وضع مشابه بين حماس وإسرائيل أيضا".

واعتبر عيلام أن "الاتجاه التاريخي واضح، وهو أن المواجهة العنيفة بين إسرائيل والفلسطينيين تقترب من نهايتها. وحتى أن الشكل الذي تدحرجت فيه الأمور إلى عملية ’الجرف الصامد’ يعزز هذا التشخيص. فقد انجرت حماس إلى هذه المواجهة خلافا لرغبتها، وإنما من خلال محاولة السيطرة على العملية التي بدأت بقتل الفتية الثلاثة (المستوطنين) على أيدي خلية محلية، نشطت بصورة مستقلة. وردت إسرائيل بممارسة ضغوط مكثفة على حماس في الضفة، ووقفت قيادة الحركة في القطاع أمام وضع لا يحتمل من ناحيتها، وبدأت تطلق صواريخ باتجاه إسرائيل".

وأشار عيلام إلى أن حماس بادرت قبل ذلك إلى المصالحة مع فتح وتشكيل حكومة الوفاق، في محاولة للخروج من عزلتها في العالم العربي "وبسبب قيود أيديولوجية تمنعها من تبني خط براغماتي تجاه إسرائيل. بينما إسرائيل عملت جاهدة، كما لو أن أفعى لسعتها، من أجل إفشال الرابطة بين حماس والسلطة"، كما أن إسرائيل بذلت كل ما في وسعها من أجل إرجاء التسوية مع الفلسطينيين "وفقا لإملاءات أيديولوجية لا فائدة منها".

وتابع الباحث أنه لا يؤمن بإمكانية تغيير قناعات "لا في الجانب الفلسطيني ولا في جانبنا، وبالتأكيد ليس عندما يدور الحديث عن مفاهيم أصولية نابعة من أعماق الثقافة القبلية أو الدينية. ولا أؤمن بالمصالحة، فالشعوب لا تتصالح. لكن الدول تصنع السلام وتوقع على اتفاقيات من أجل ضمان سلامة سكانها ورفاهيتهم".

وفيما يتعلق بإسرائيل، شدد عيلام على أنه "ليس بإمكان أية دولة في العالم اليوم الاعتماد على قوتها فقط. وحتى الولايات المتحدة، الدولة العظمى الوحيدة، لم يعد بإمكانها السماح لنفسها بتجاهل الهيئات الدولية. والحديث عن ضعف الولايات المتحدة والرئيس باراك أوباما هو أقوال فارغة نابعة من عدم فهم التحولات الحاصلة اليوم في العالم... وهذا العالم يحاصرنا ويقيد حريتنا في العمل. وهو يجري بموجب معادلات كونية، لا يمكن بدونها إجراء تعاون دولي. والاحتلال والسيطرة على شعب آخر لا ينسجمان مع هذه المعادلات".

وخلص عيلام إلى "أننا ندخل في المرحلة الرابعة في الصراع، وهي المرحلة السياسية، وفيها تقف إسرائيل ليس ضد الفلسطينيين فقط، وإنما أيضاً ضد العالم كله. و’حقوق الإنسان’ و’المعاناة الإنسانية’ هما العملة المتداولة في الخطاب العالمي السائد منذ الحرب العالمية الثانية. وستتمحور حولها الادعاءات الفلسطينية المؤثرة في المداولات المتوقعة المقبلة. وسيضع الواقع الجديد إسرائيل أمام قيود لم تكن موجودة طالما كان النزاع العنيف ضد الفلسطينيين فقط. وهذه القيود قد تشمل قرارات تقود إلى عزل إسرائيل في الحلبة الدولية، وتتدحرج إلى عقوبات ثقافية واقتصادية وسياسية. ولا أعتقد أنه عندئذ ستصرّ إسرائيل على التمسك بأصولها الأيديولوجية وباستمرار السيطرة على مزارعها في المناطق (المحتلة) مهما حصل".

 

هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي.

 
مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"  و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي