لا يوجد خلاف كبير بين أغلب المحللين الإسرائيليين على أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لديه تحالف استراتيجي مع كتل الصهيونية الدينية واليهود الحريديم المتشددين دينياً والذين يوصفون عادة بأنهم شركاؤه الطبيعيون، وذلك منذ عودته إلى هذا المنصب في العام 2009، بعد أن تولاه بين الأعوام 1996- 1999، ولكن هناك خلاف فيما إذا كان هذا التحالف ما زال خاضعاً إلى سيطرته، ولا سيما في أعقاب تقديمه إلى المحاكمة على خلفية تهم جنائيّة، أم أنه يجعله عرضةً إلى الابتزاز المرة تلو الأخرى بما لا يتوافق مع مواقفه الأصلية. وسواء أكان هذا التحالف واقعاً تحت السيطرة من جانب نتنياهو أو العكس، فإن النتيجة تبدو واحدة في كل ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية والأراضي المحتلة منذ 1967. كذلك لا يجوز ألا نأخذ في الاعتبار أن زعماء التيّار الصهيونيّ الدينيّ في الوقت الحالي هم من الجماعات الأكثر تطرّفاً وأن منافسيهم من الأقلّ تطرّفاً لم يعد لهم أدنى تمثيل في الكنيست الحالي.
تلقت حكومة بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي، صفعة معنوية مُدوية في انتخابات نقابة المحامين، إذ إن المرشح الذي دعمته مباشرة، واستنفرت أحزابها بقوة لتجنيد أصوات له، خسر بحصوله على نسبة 19% فقط، مقابل 73% للمدعوم من القوى المعارضة لتعديلات القوانين، التي من شأنها أن تضرب مكانة جهاز القضاء الإسرائيلي، خاصة صلاحيات المحكمة العليا، وهذا بحذ ذاته مؤشر لحالة الشارع الإسرائيلي، ما يضع نتنياهو أمام خيارين: التجاهل والاستمرار في مشروعه، أو أن يلجم مبادرات حكومته التشريعية، خاصة وأن صندوق النقد الدولي انضم لمؤسسات وأطر دولية في التحذير من مبادرة تعديلات القوانين المتعلقة بجهاز القضاء.
في 21 حزيران 2023، اندلعت مواجهات بين السوريين في هضبة الجولان المحتلة والشرطة الإسرائيلية، احتجاجا على مشروع بناء مراوح هوائية (توربينات) على أراضيهم. وعلى خلفية مشهد المواجهات العنيفة، والاحتجاجات التي امتدت إلى مناطق أخرى في الجليل، أعلن الوزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، أنه "لا يمكن أخذ القانون عنوة"، وأن أعمال البناء ستستمر في اليوم التالي. هذه المقالة تنظر في العلاقة المعقدة، والمتبدلة، بين السوريين في هضبة الجولان ودولة إسرائيل، خصوصا أن بعض مركبات مشروع الاستعمار الاستيطاني (مدّ نفوذ الدولة على مساحات أكثر من الأراضي للهيمنة على حياة سكانها الاجتماعية والاقتصادية) يتم تنفيذه من قبل "القطاع الخاص"، عبر شركة "إنرجيكس" (Energix Renewable)، المتحالفة مع الدولة (كما سيتضح أدناه)، ولهذا دلالات لا بد من استشراف تبعاتها.
يواجه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ضغوطا من قبل شركائه في الائتلاف الحكومي خاصة أحزاب الصهيونية الدينية تصل إلى درجة الابتزاز لتحقيق مكاسب سياسية كمواقع رسمية أو صلاحيات، أو لفرض وقائع على الأرض. في بعض الأحيان يقدم نتنياهو ما يمكن وصفه بالرشاوى السياسية، لتجنب أو امتصاص غضب وضغوط هؤلاء الشركاء. لكن في أحيان أخرى يلجأ نتنياهو إلى توصيات المستوى الأمني ليواجه بها ضغوط وزرائه عليه. وهذا يتناقض مع شخصية نتنياهو القوية والمناورة خاصة في فترة حكمه قبل خسارته الانتخابات قبل أكثر من عامين. إذ أدرك نتنياهو من جهة وشركاؤه من جهة أخرى مدى حاجته للائتلاف الحالي، في ظل استطلاعات الرأي العام التي تشير إلى أن اليمين لن يحصل على أغلبية في الكنيست مرة أخرى.
الصفحة 116 من 883