التقرير الإستراتيجي

تقرير سنوي يرصد ويحلل أهم المتغيرات والأحداث في المشهد الإسرائيلي خلال عام كامل، ويحاول استشراف اتجاهاتها المستقبلية وآثارها على القضية الفلسطينية.
العزلة الدولية المتزايدة و"الحرب الأهلية الباردة" تخيّمان على المكاسب
  • تقرير مدار الإستراتيجي
  • هنيدة غانم
  • وليد حباس، أنطوان شلحت، عازر دكور، فادي نحاس، عاص أطرش، ريموندا منصور، عرين هواري، وأحمد أمارة.
  • 165
  • 9789950030527

خلص "تقرير (مدار) الإستراتيجي 2025" إلى أن إسرائيل تمكنت في العام 2024 من احتواء الصدمة التي أحدثتها هجمات 7 أكتوبر، واستعادة توازنها الإستراتيجي، بدعم أميركي غير مسبوق، وبإسناد من قوى دولية كبرى، ما أتاح لها الإمساك مجدداً بزمام المبادرة الميدانية، وانتهاج الإبادة لترميم ردعها، وتوجيه مسار الأحداث نحو محاولة حسم نهائي للمسألة الفلسطينية، عبر "شرعنة" خطاب التهجير والتهيئة له في غزة، واستنساخ شكل التدخل العسكري الخشن في الضفة، المتجاور مع الضم الصامت، وإعادة صياغة العلاقة مع السلطة الفلسطينية، وتسليم مفاتيح إدارة الاحتلال للمستوطنين بشكل مباشر، هذا إلى جانب اعتماد نهج عربدة إقليمية واسعة يعبر عن مفهوم ردع جديد يتغيّا إعادة تشكيل خارطة القوى في الإقليم.

وأضاف التقرير: لكن من ناحية أخرى، فقد تعمّقت عمليتان مضادتان تنطويان على تداعيات عكسية بعيدة المدى؛ الأولى خارجيّة تتمثل في تسارع عملية تحويل إسرائيل إلى «دولة منبوذة»، يرتبط اسمها عالمياً بالأبارتهايد والمكارثية الجديدة والصعود العالمي لتيارات الفاشية الجديدة، أما الثانية، فهي سيرورة داخلية، احتدم فيها الانقسام السياسي والمجتمعي بين التيارات والجماعات الإسرائيلية المختلفة، ودخلت فيه الجماعات المتنازعة ما يشبه حالة "حرب أهلية باردة"، مفتوحة على احتمالات المواجهة.

واعتبر التقرير أن عودة دونالد ترامب للحكم في الولايات المتحدة، بما يحيطه من بِطانة تمثّل أقصى اليمين والمحافظين الجدد والمسيحية الصهيونية، تشكّل متغيّراً إستراتيجيّاً ستكون له آثار عميقة على الديناميات الإسرائيلية الداخلية وعلى المسألة الفلسطينية، إذ سيعزز وجوده من جرأة نتنياهو على تفكيك "الدولة العميقة"، المتماثلة مع إستراتيجية ترامب نفسه في الولايات المتحدة، ومن جهة أخرى فإن وجوده قد يشكل "فرصة ذهبية" للحكومة الإسرائيلية لـ"تصفية المسألة الفلسطينية" وتحويل المشاريع الأيديولوجية التي طرحها بتسلئيل سموتريتش في "خطة الحسم" من مشاريع نظرية إلى مشاريع قابلة للتحقيق.

"أثر الدومينو"

وركّز التقرير على ما سماه "أثر الدومينو" لهجوم 7 أكتوبر وإعادة تشكيل الخارطة الإقليمية"، حيث شنّت إسرائيل حرباً متعددة الجبهات، اتسمت بطابع استثنائي وغير مسبوق من حيث الكثافة والقوة والمدى الزمني، حيث امتدت العمليات الحربية لتشمل غزة ولبنان وسورية وإيران واليمن، وذلك بالتزامن مع التصعيد العسكري المستمر في الضفة الغربية، وتكثيف سياسات المراقبة والعقاب الجماعي ضد فلسطينيي الداخل، ما تمخض عن تدمير غزة ومن ثم إضعاف "حزب الله" بشكل إستراتيجي، وانتهاءً بتفكيك محور المقاومة المدعوم من إيران.

على صعيد الحرب الإبادية على غزة، يعتبر التقرير أن هذه الحرب هدفت بمشهديّتها القياميّة وصورها الخرائبية، تحقيق هدفين، أولاً: تحويل غزة لوسيلة إيضاح ردعية للإقليم عامة والدول والمنظمات التي تعتبرها معادية خاصة، وثانياً: تحويلها أداةً لتحقيق «الحسم النهائي» لما تسميه "مشكلة غزة"، عبر تحويل القطاع إلى منطقة غير قابلة للحياة، بهدف دفع السكان نحو الهجرة القسرية الجماعية.

على الصعيد اللبناني، يحلل التقرير تبعات المعركة مع "حزب الله" ومآلات جبهة الإسناد المضبوطة لغزة، وما أفضت إليه الهجمات الإسرائيلية من مسّ بآلاف المقاتلين بتفجير أجهزة "البيجر" وأجهزة الاستدعاء واغتيال قيادات الحزب وأمينه العام حسن نصر الله، من فك ارتباط بين الجبهتين الشمالية والجنوبية، وإلحاق أضرار استراتيجية بالحزب عمّقها التغيّر في سورية.

ويقول التقرير، إنه بانهيار نظام بشار الأسد - مع أنه لا توجد علاقة سببية مباشرة بين سقوطه والحرب متعددة الجبهات - فَقَدت إيران ومحورها حليفاً إستراتيجياً بالغ الأهمية في المنطقة، وانقطعت خطوط الإمداد الحيوية التي كانت تغذي "حزب الله" اللبناني الذي بات منهكاً بالفعل من الضربات الإسرائيلية، وفي المحصلة انعكست التحولات بشكل مباشر على المشهد السياسي الداخلي اللبناني، حيث تغيّرت توازنات القوى بين الأطراف السياسية المختلفة.

تحولات جيو- إقليمية

وركز التقرير على مجموعة من التحوّلات الإستراتيجية الجذرية للمشهد الجيو- إقليمي، نظرا لاحتمال تأثيرها العميق على التوازنات الجيو- إستراتيجية الإقليمية المستقبلية وعلى مكانة إسرائيل ودورها، معتبرا أنها تحولات لا تزال في حالة دينامية متغيّرة، ترتبط بضبابية وسيولة المشهد السوري، وفرص عودة الصراع للانتظام كصراع عربي - إسرائيلي في ظل تآكل العلاقات بين إسرائيل ومصر والأردن، والدور السعودي الصاعد.

سورياً، يرى التقرير انه من المبكر إصدار حكم نهائي بشأن اتجاه التطوّرات الميدانية والسياسية في سورية، في ظل هشاشة النظام الجديد، ومخاطر الانزلاق نحو حرب أهلية جديدة. كما لم يتضح بعد شكل التحالفات المستقبلية الناتجة عن هذا التحّول، وإذا ما كان سيؤدي مثلاً إلى ظهور محور تركي - سنّي جديد يحل محلّ المحور الإيراني المتراجِع، مع ما يحمله ذلك من تداعيات محتملة على الصراعات الإقليمية وعلى تصعيد محتمل تركي - إسرائيلي تكون سورية ساحته.

 وأضاف التقرير: في مواجهة هذه الضبابية، تقوم إسرائيل بتدخّل استباقي نشط على الساحة السورية للتحكم بشكل التطورات على الصعد العسكرية (تدمير الجيش السوري) والميدانية (انشاء مناطق عازلة) ومحاولة استمالة الطوائف غير السنية.

وحول فُرص إعادة ترسيم الصراع كصراع عربي إسرائيلي، يركز التقرير على تطوّرين إستراتيجيين يحملان آثاراً مستقبليّة مهمة على المدى القريب: أولها تآكل العلاقات المصرية والأردنية مع إسرائيل، حيث أدى طرح إسرائيل المتكرّر لتهجير سكان غزة إلى سيناء لرد فعل مصري أردني حادّ. وثانيها تغيّر الدور السعودي، إذ تشهد السعودية تحولاً إستراتيجيّاً ملحوظاً يعكس طموحاً واسعاً لإعادة التموضع الإقليمي، يظهر ذلك في دورها المتزايد في سورية ولبنان وغزة، وتعزّز مكانتها كقوة إقليمية مركزية في ظلّ تراجع الدور الإيراني.

عودة ترامب.. وثلاث أذرع لـ"التصفية"

ويُفرد التقرير مساحة لقراءة عودة دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة، بالتزامن مع وجود حكومة اليمين الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو.

ويتوقع التقرير أن تبذل تيارات اليمين الاستيطاني الإسرائيلي بوجود ترامب جهوداً مضاعفة لضمان استمرار حكومة نتنياهو حتى نهاية ولايتها في أواخر العام 2026، واستغلال "الشُّباك الزمني" المحدود المتاح لحكومة نتنياهو من أجل تصفية القضية الفلسطينية من خلال عدة أذرع:

أولا: ذراع الحرب بغرض التهجير من خلال تكثيف الحرب على غزة من أجل الدفع بالسكان نحو الهجرة، هذا السيناريو الأمثل للحكومة الإسرائيلية، ويمكن أن يتم العمل على تحقيقه عبر الدمج بين القوة النارية والحصار والتجويع مع فتح مخرج للسكان من خلال بوابة إسرائيلية. لكن هذا السيناريو يمكن إيقافه بتدخل عربي جدّي وحقيقي.

ثانيا: العدوان على الضفة عبر إعادة تشكيل خارطة الضفة، وقضم دور السلطة الفلسطينية، وفي هذا السياق تتضافر عدّة ممارسات إسرائيلية، حيث العمليات العسكرية المتصاعدة، والتدمير والتهجير الممنهج لمخيمات الشمال في طولكرم وجنين وتوقع توسيعها المتدحرج لمناطق جديدة، واستهداف "الأونروا"، وتجويف اقتصاد الضفة، وقَضم صلاحيات السلطة واستباحة مواقع وجودها، بما يحوّلها إلى سلطة مع صلاحيات مدنيّة محدودة جدّاً بلا أهمية إستراتيجية.

ثالثا: الضم بالقانون إذ تتجه إسرائيل نحو الانتقال من سياسة الضم بحكم الأمر الواقع للأراضي الفلسطينية إلى سياسة الضم القانوني الرسمي لجزء من أراضي الضفة الغربية.

مستجدات الاستقطاب الداخلي

على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، يواصل تقرير "مدار" قراءة الأزمة العضوية المستعصية المزدوجة التي تفرزها بنية النظام الاستعماري الاستيطاني، وترتبط باستمرارية وعناد وتصاعد الصراع مع الشعب الفلسطيني من جهة، وبالصراع الداخلي المحتدم بين جماعات تحمل رؤى متناقضة، خاصة فيما يتعلّق بعلاقات الدين والدولة والحوكمة وقيم الديمقراطية في الدولة اليهودية من جهة أخرى، رغم أن حدّة الصراع الداخلي خفتت بعد هجوم 7 أكتوبر فإنها عادت للتعمق.

وفي هذا السياق، يرى التقرير أن هذا الصراع يتجه نحو مزيد من التصعيد في ظلّ الحرب التي يخوضها نتنياهو ضد مؤسسات الدولة المهنية التي تشمل المؤسسات القضائية والأمنية والعسكرية، والتي تعتبر المعارضة أن المس بها يقوّض أسس النظام الديمقراطي الإسرائيلي ويؤدي إلى تحويل نتنياهو إلى حاكم سلطوي.

ويؤكد التقرير: تدلل ديناميات الصراع الداخلي والعلاقة البنيوية بين الاصطفاف والهويات الإثنية - اجتماعية - أيديولوجية للمعسكرات المتنازعة، أن الصراع لن يكون قابلاً للحلّ في المدى المنظور، وأنه مرشّح للتصعيد، وهناك من يعتبر أن إسرائيل دخلت حالة حرب أهلية باردة، نتجت عنها هجرة ملحوظة وسط فئات شبابية متعلمة علمانية، ما سيضعف في حال استمراره الفئات العلمانية الليبرالية مقابل تصاعد قوة الجماعات الدينية والقومية الاستيطانية والمحافظة، كما يحمل بذور تضعضع مكانة إسرائيل الاقتصادية.

عزلة إسرائيل الدولية

ويتتبع تقرير "مدار" منحنى التطورات الدولية المحيطة بالحرب على فلسطين خلال العام 2024 وما شهدته من محاولات تفكيك لقرارات المحاكم الدولية وتراجع واضح في قوة واتساع الحراك الشعبي العالمي المناهض للحرب والداعم للقضية الفلسطينية، إذ إن هذا الحراك الذي بدأ بحجم كبير وغير مسبوق وانتشر في الجامعات الأميركية والأوروبية، سرعان ما تراجع زخمه وانحسر مدّه رغم استمرار الجرائم.

ويقول التقرير: يعود هذا التراجع بشكل رئيس إلى الحملات الشّرسة التي شنتها جهات رسمية وغير رسمية، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، على بؤر الحراك، عبر التهديد بقطع التمويل عن الجامعات ومراكز الأبحاث التي تحتضن الحراك الطلابي المؤيد لفلسطين، بالإضافة إلى الملاحقات وحملات التشهير والاستهداف الشخصي للنشطاء.

ويرى التقرير ختاماً أنه على الرغم من ذلك، فإن الحراك الشعبي والقانوني والدولي وأثره التراكمي ومساعي قمعه الفج في كثير من الأحيان يدفعان في المدى المتوسط باتجاه تعزيز عزلة إسرائيل الدولية وإدخالها في مسار التحوّل  إلى دولة منبوذة على نطاق أوسع، وهو ما تعتبره إسرائيل تهديداً وجوديّاً.

  يذكر أن تقرير "مدار" السنوي الذي تحرره د. هنيدة غانم، وتشارك فيه نخبة من المتخصصين في الشأن الإسرائيلي، يتضمن سبعة محاور أساسية هي: محور إسرائيل والمسألة الفلسطينية، المحور السياسي/ الحزبي الداخلي، محور العلاقات الخارجية، المحور الأمني/ العسكري، المحور الاقتصادي، المحور الاجتماعي، وأخيراً محور الفلسطينيين في إسرائيل. 

شارك في إعداد محاور التقرير للعام الحالي، كل من (وفق ترتيب الفصول): وليد حباس، أنطوان شلحت، عازر دكور، فادي نحاس، عاص أطرش، ريموندا منصور، عرين هواري، أحمد أمارة.

 

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, بتسلئيل, بنيامين نتنياهو

التقرير الإستراتيجي

أحدث التقارير