الأزمة الداخلية الحالية، بما في ذلك طريقة إدارتها، هي حدث تدميريّ متواصل وغير مسبوق في إسرائيل، لا من حيث حدته ولا من حيث نطاقه ولا من حيث إسقاطاته المستقبلية. من الصعب جداً تقدير كيفية تطور هذا الحدث ووجهات تطوره، إلا إن الفرضية المتفق عليها هو أنه قد نشأ في إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة "ميزان رعب" غير مستقرّ ما بين الحكومة والحركة الاحتجاجية. ومن المشكوك فيه، جداً، إن كانا، كلاهما أو كل منهما على حدة، معنيين بالبحث عن إمكانيات التجسير على الفجوات العميقة بينهما، أو مدركين لضرورة هذا البحث أو قادرين عليه. ذلك أن القضية لا تنحصر في المواضيع العينية المتعلقة ببرنامج "الإصلاح" الحكومي في المجال القضائي، وإنما هي تطال، في العمق وبقوة كبيرة، الشرخ الاجتماعي العميق، السابق على الأزمة الحالية بكثير.
المواقف القائلة إنّ العديد من القضايا والمشاكل الجدية تتفاعل وتتضخّم خلف صخب الصدام السياسي في إسرائيل، ما بين الحكومة ومعارضي خطواتها الموصوفة بالانقلاب على الحكم، تتخذ تجليات ملموسة في مسائل الصحة ومجمل الحقوق الصحية. وتكشّفت مؤخراً معطيات، وصفتها لجنة الصحة التابعة للكنيست بأنها مقلقة، وتخصّ معدل إشغال الأسرّة في أقسام الأمراض الباطنية في المستشفيات في أنحاء البلاد. وقد بلغت في مستشفى بيلينسون الواقع بين تل أبيب وبيتح تكفا 133%، وفي هداسا الواقع في القدس بلغت النسبة 114%.
هذا الأسبوع ارتأينا تسليط مزيدٍ من الأضواء على اليمين الإسرائيلي المتطرّف والمتمثّل تحديداً في مثلث الأحزاب الذي شكّل تحالف "الصهيونية الدينيّة" (والقصد أحزاب الصهيونية الدينية بزعامة بتسلئيل سموتريتش، وعوتسما يهوديت بزعامة إيتمار بن غفير، ونوعام بزعامة آفي ماعوز) والذي فاز في الانتخابات العامة الأخيرة (جرت يوم 1/11/2022) بـ 14 مقعداً في الكنيست المنتخب (الـ 25). وبسبب هذا اليمين المتطرّف وما يحمله من أفكارٍ وما يقوم به من ممارسات ميدانية، توصف الحكومة التي أقامها بنيامين نتنياهو معه، ومع أحزاب اليهود الحريديم (المتشددون دينياً)، وهي حكومته السادسة، بأنها الأكثر تطرفّاً دينياً وقوميّاً حتى من طرف أقرب أصدقاء إسرائيل وحلفائها، كما عبّر عنهم الرئيس الأميركي جو بايدن.
قال بحث أكاديمي إسرائيلي جديد إن جمهورا واسعا، قد يكون الأغلبية، من أتباع التيار الديني الصهيوني لم يعد يجد بيتا سياسيا مناسبا له، إذ إن من يدّعي تمثيل هذا التيار في الكنيست، التحالف الانتخابي السابق "الصهيونية الدينية"، الذي جرف 51% من أصوات هذا الجمهور، حسب البحث، لا يمثل هذا الجمهور، بسبب نهجه الديني المتزمت، وتعامله مع مؤسسات الحكم. كما يضيف البحث أن نسبة التأييد الأكبر في هذا التحالف الانتخابي كانت لحزب "قوة يهودية" بزعامة إيتمار بن غفير، إلا أنه في استطلاعات الأشهر الأخيرة، خسر هذا الحزب نصف شعبيته. وفي سياق متصل يقول بحث آخر، إن 45% من اليهود الإسرائيليين يعرّفون أنفسهم بالمحافظين، لكن غالبيتهم تؤيد التعددية المجتمعية، وترفض قوانين وأنظمة الإكراه الديني.
الصفحة 111 من 883