منذ إعلان حالة الحرب ولغاية 17 كانون الثاني الحالي قامت إسرائيل بتعديل وسنّ 32 قانونا و77 من التعليمات والأنظمة، يتعلق عدد منها مباشرة بالسجون وبالمعتقلين المصنفين أمنيين من الضفة والقطاع والداخل الفلسطيني، ومَن اعتقلتهم من غزة وصنفتهم كـ"مقاتلين غير شرعيين". العديد من القوانين والقرارات التي اتُخِذت والممارسات ضد المعتقلين والأسرى الفلسطينيين لا يتماشى مع القانون الدولي والاتفاقيات الدولية التي وقعت إسرائيل عليها وتلك الملزمة لها، حيث تنتهك حقوقاً أساسية لهم مما يضعهم في خطر تعرضهم للتعذيب، الاختفاء القسري أو الموت.
في الثاني من تشرين الثاني الأخير، أدلى الرئيس الأميركي، جو بايدن، بتصريح لافت بشأن الحاجة إلى "إعادة إحياء" ("إحياء من جديد") السلطة الفلسطينية "استعداداً لليوم التالي" للحرب الإسرائيلية التدميرية المتواصلة على قطاع غزة، دفع الكثير من المعنيين، المباشرين وغير المباشرين، الأفراد والمؤسسات، إلى الشروع الفوري في البحث والتحليل والتمحيص لمحاولة الإجابة على جملة من الأسئلة المركزية المترتبة على التصريح أعلاه والمشتقة من دلالاته ومقاصده السياسية.
أجمل رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود باراك الأجواء العامة في إسرائيل بعد انقضاء أكثر من 15 أسبوعاً على الحرب ضد قطاع غزة، التي شنتها إسرائيل في إثر الهجوم المباغت لحركة حماس على مواقع عسكرية في منطقة الحدود مع القطاع وعلى ما يعرف باسم "بلدات غلاف غزة"، يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بأنها كئيبة جماهيرياً ومتسمة بشعور عام فحواه أنه على الرغم من إنجازات الجيش فإن حماس لم تتقوّض، وعودة المخطوفين الإسرائيليين المحتجزين في القطاع آخذة بالابتعاد أكثر فأكثر ("هآرتس"، 19/1/2024).
في اليوم التالي لهجوم طوفان الأقصى، فتح حزب الله جبهة قتالية إضافية (تضامنية) ضد إسرائيل، عُلّق مصيرها بمصير الحرب الإسرائيلية على القطاع، كما أشار لذلك الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في أكثر من خطاب. بالنسبة لإسرائيل، شكّلت معادلة هذه الجبهة تحدياً "استثنائياً". من ناحية، شكّلت مبادرة حزب الله إلى قصف المستوطنات الإسرائيلية في المنطقة الشمالية معادلة جديدة تجاوزت المعادلة التي حكمت قواعد الاشتباك بين إسرائيل وحزب الله منذ نهاية حرب تموز- "حرب لبنان الثانية" والتي استندت إلى قرار مجلس الأمن رقم 1701 العام 2006. من ناحية ثانية، وجدت إسرائيل نفسها في مأزق في ظل خيارات محدودة: إما القبول بـ"المعادلة الجديدة" التي يسعى حزب الله لإملائها على إسرائيل (حالة اشتباك مستمر على الجبهة الشمالية مرتبطة بمصير الحرب على قطاع غزة)، أو الدخول في حرب مفتوحة وشاملة على هذه الجبهة إلى جانب الانخراط والتعبئة الكاملة في حربها ضد قطاع غزة.
الصفحة 51 من 859