المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
يائير غولان. (فلاش 90)

تجري هذا الأسبوع الانتخابات لرئاسة حزب العمل الإسرائيلي، في إجراء تشوبه عثرات، بعد أن أصدرت المحكمة قرارا يقضي بأن نتيجة الانتخابات لن تكون نهائية، إلا في حال إقرارها في مؤتمر مقبل للحزب، وهذه الحال تعكس البؤس التنظيمي والجماهيري الذي وصل إليه الحزب، والذي تتنبأ كل استطلاعات الرأي بعدم اجتيازه نسبة الحسم في أي انتخابات مقبلة، وهو الذي أسس وانفرد بالحكم في العقود الثلاثة الأولى بعد العام 1948، وتناوب على الحكم لاحقاً.

ويقف الحزب أمام أسئلة صعبة بالنسبة له، في إطار بحثه عن مسار ضمان تمثيله البرلماني مستقبلا، وأبرز هذه الأسئلة: الأجندة السياسية والاجتماعية التي تميّزه عن الآخرين؛ وثانيا، شكل خوضه الانتخابات، وخاصة مسألة تحالفه مع حزب ميرتس، الذي لم يجتز نسبة الحسم في الانتخابات الأخيرة، وتعيده استطلاعات الرأي حاليا إلى مستوى تمثيل مضمون، على حساب العمل.

وتجري الانتخابات يوم 28 أيار الجاري، والمنافس صاحب احتمال الفوز شبه المؤكد، إذا لم تحصل مفاجأة، هو النائب السابق لرئيس هيئة أركان الجيش، الجنرال يائير غولان، الذي تمثل في السنوات الأخيرة في الكنيست، من خلال حزب ميرتس. وقبل عدة أشهر انضم إلى حزب العمل بهدف المنافسة على رئاسته، بعد أن أعلنت رئيسة الحزب الحالية، ميراف ميخائيلي، اعتزالها رئاسة الحزب، إلى حين انتخاب رئيس جديد؛ وليس واضحا، ما إذا ستستمر في عضويتها البرلمانية بعد صدور النتيجة، خاصة وأن نشاطها البرلماني في أدنى مستوياته، مقارنة مع نشاطها هي منذ أن دخلت إلى الكنيست لأول مرّة في العام 2013.

وفي مطلع العام 2021، انتخبت ميخائيلي لرئاسة الحزب، وقادته في انتخابات العام ذاته، والعام التالي 2022، إذ في الانتخابات الأخيرة، حصل الحزب على التمثيل الأدنى في تاريخه، 4 مقاعد، وهو التمثيل الأدنى الممكن لأي قائمة تجتاز نسبة الحسم.

ويتنافس على رئاسة الحزب أربعة أشخاص، أبرزهم والأوفر حظا برئاسة الحزب، يائير غولان. يليه من حيث حجم التأييد مع فارق كبير، المستثمر آفي شكيد، وهو عضو حزب قديم، وحسب ما نشر، فإن مجال استثماراته الأساس مراهنات على شبكة الإنترنت، يليهما عوزي نجار والمحامية إيتي ليشيم.

وحسب ما أعلنه الحزب، فإن حق التصويت سيكون لقرابة 14 ألف منتسب للحزب، ونسبة جديّة منهم، حسب التقديرات، انتسبت لغرض المشاركة في التصويت. وستكون عملية التصويت إلكترونية، بمعنى إمكانية التصويت دون الوصول إلى مراكز اقتراع.

إلا أن محكمة إسرائيلية أصدرت في الأسبوع الماضي أمرا احترازيا، يقضي بأن أي نتيجة تصدر عن الانتخابات لن تكون نهائية، إلا إذا أقرها مؤتمر الحزب الذي سيعقد لاحقا، بمعنى حسب دستور الحزب، فعلى المؤتمر أن يبحث النتيجة ويقرّها. وحسب هذا البند، فمن حق المؤتمر أن يرفضها، وهذا التفسير يقف وراء ترحيب المنافس شكيد بالقرار، الذي كما يبدو يراهن على قواعد الحزب الأساسية، التي ستصل إلى عضوية المؤتمر، إلا أن تغيير نتيجة كهذه في المؤتمر، من شأنه أن يزيد أزمة الحزب، العميقة أصلا.

حزب العمل والأزمة المزمنة

وصل حزب العمل في آخر انتخابات برلمانية، جرت يوم الأول من تشرين الثاني 2022، كما ذكر، إلى حضيض انتخابي غير مسبوق، فقد اجتازت قائمته نسبة الحسم بأقل من نصف بالمئة، بمعنى أن نسبة الحسم هي 3.25%، بينما حصل الحزب على نسبة 3.69%. في حين أن استطلاعات الرأي تُجمع منذ أشهر طويلة، وحتى قبل شن الحرب الإسرائيلية على غزة، على أن العمل لن يجتاز نسبة الحسم في أي انتخابات مقبلة، وبدلا منه، عاد إلى الواجهة حزب ميرتس، الذي كان في الانتخابات إياها على حافة الدخول إلى البرلمان، وكان ينقصه قرابة 4 آلاف صوت، من أصل أقل من 158 ألف صوت، هي المطلوبة لاجتياز نسبة الحسم.

وانعكست نتيجة حزب العمل على أداء كتلته البرلمانية، من أربعة نواب، إذ من الواضح أن حالة احباط تعم الحزب، ويقِل النواب من الظهور، وحتى الوصول إلى منبر الهيئة العامة، وحتى للتصويت على القوانين، خاصة الغياب الواضح عن جلسات التصويت على سلسلة قوانين تتعلق بأنظمة الطوارئ وتسيير الحرب الإسرائيلية؛ فغالبا هم غائبون، أو حاضرون جزئيا، والأكثر غيابا، هي رئيسة الحزب ميخائيلي.

وأزمة العمل ترافقه منذ منتصف سنوات التسعين، حينما خسر الحكم مجددا في العام 1996، بعد أن عاد اليه مفاجئا، في العام 1992، بقيادة إسحق رابين. وحصل الحزب على أكثر من فرصة خلال السنوات الأخيرة، ليعود إلى الصدارة، خاصة في انتخابات العام 2015، حينما حصل على 24 مقعدا، بتحالفه مع الحزب الذي أسسته الوزيرة السابقة تسيبي ليفني، إلا أن الخطاب الضبابي، بقيادة من كان يومها رئيسا للحزب، إسحق هرتسوغ، واليوم رئيس الدولة، أعاد الحزب إلى مسار التراجع، فانهار في الانتخابات التالية، التي جرت في ربيع العام 2019، للكنيست الـ 21 إلى 6 مقاعد، وبقي عليها في الانتخابات التالية في أيلول العام ذاته، وفي انتخابات آذار العام 2020 تحالف مع حزب ميرتس وحصلا معا على 7 مقاعد، وعاد الحزب مستقلا في انتخابات آذار العام 2021، وحصل على 6 مقاعد، ثم الانتخابات الأخيرة، كما ذكر، وصل إلى حضيض تمثيل 4 مقاعد.

وأسباب أزمة حزب العمل متعددة، لكن في أساسها غياب الخطاب البديل لخطاب اليمين الاستيطاني المتشدد، خاصة أمام شارع إسرائيلي ينزاح باستمرار إلى توجهات اليمين المتشددة.

فرغم كل ما مرّ ويمر على الحزب، فإنه لم يسع لخطاب يميزه عن باقي أحزاب المعارضة الصهيونية، وهو يلتزم الصمت أكثر. فعلى سبيل المثال، ونموذج لوجوده في الخانة الضبابية، في الأسبوع الماضي وقّع 106 أعضاء كنيست على عريضة ترفض قرار المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية، كريم خان، تقديم طلب اعتقال لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع لديه يوآف غالانت، والنواب الـ 14 الذين لم يوقعوا، هم 5 نواب كتلة الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير، و5 نواب كتلة القائمة العربية الموحدة، و4 نواب كتلة العمل، إلا أن الأخيرة لم تصدر بيانا يوضح موقفها، والتزمت الصمت.

العمل بين العرب

في حملة المنافسة على رئاسة حزب العمل، عاد المتنافسان المركزيان الأقوى، غولان وشكيد، إلى تقليد قديم نسبيا، في حزب العمل، وهو التوجه إلى الجمهور العربي، الذي كان على مدى سنين طويلة جدا مرتعا لحزب العمل. وفي السنوات الأولى بعد العام 1948 كان يحصد غالبية أصوات العرب، بفعل حملات الترهيب والاغراءات الهامشية؛ وهذه القوة الانتخابية، كانت تتراجع من عام إلى آخر، مع تبدل الأجيال وارتفاع منسوب التحدي السياسي، وتلقى العمل أولى الضربات من العرب، في سنوات السبعين، ومنها كان يتدهور باستمرار. وفي الانتخابات الأخيرة، التي جرت في الأول من تشرين الثاني 2022، حصل هذا الحزب بالكاد على ألفي صوت، من أصل حوالي 610 آلاف صوت عربي، أدلوا بأصواتهم، بمعنى أن الحديث عن أقل من نصف بالمئة.

وللتأكيد مجددا، عدنا إلى نتائج الانتخابات، وبالذات إلى المدن والبلدات التي كان يحصد فيها حزب العمل، حتى قبل سنوات، على نسبة ملموسة من الأصوات، فوجدنا نتائجه في قاع القاع.

وليس واضحا إذا نجح المتنافسون في تجنيد منتسبين لحزب العمل لغرض مشاركتهم في الانتخابات الداخلية في الحزب، كما سيكون من الصعب معرفة عدد المصوتين العرب في يوم انتخابات العمل، لأن التصويت سيكون إلكترونيا، دون الوصول إلى مراكز اقتراع.

وكرر المتنافسان غولان وشكيد ديباجات قديمة، لم يف بها حزب العمل، مثل المساواة الكاملة، والشراكة في الحكومة، وما إلى ذلك، مع تجنّب واضح لذكر تفاصيل الحل السياسي الذي يطرحانه، خاصة وأن حزب العمل غيّب البرنامج السياسي عن صدارة برنامجه الانتخابي، على الأقل في السنوات الـ 12 الأخيرة، وهذا برز خلال رئاسة النائبة السابقة شيلي يحيموفيتش، التي أعلنت في العام 2013، أن القضية الفلسطينية ليست من أولويات حزبها، بل القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وهي من كانت قبل دخولها لحزب العمل في العام 2006، تصوّت غالبا، خارج دائرة الأحزاب الصهيونية، وتدعو لحل القضية، بحسب ما كانت تقوله في حينه.

في المحصلة، فإن المجتمع العربي، وبحسب الأجواء العامة، لن يغير توجهاته تجاه حزب العمل في الانتخابات المقبلة، خاصة وأن الفئات التي تختار التصويت للأحزاب الصهيونية، ونسبتها قليلة، تتجه إلى قوائم ممكن أن تؤمن لها مكاسب ذاتية، وفئوية.

العمل وميرتس بحاجة للتحالف... ولكن

إذا أخذنا استطلاعات الرأي العام التي تصدر تباعا منذ الانتخابات الأخيرة، فإن حزب العمل على الأغلب لن يعبر نسبة الحسم، في حين أنه على الرغم من منح ميرتس ما بين 4 إلى 5 مقاعد، فإنه يبقى أيضا في خانة التأرجح حول نسبة الحسم. وقد نرى تغيرات في نتيجة الاستطلاعات بعد انتخابات العمل، لكن هذا لن يغير واقع الحال كثيرا، إذ حسب استطلاعات سابقة، إذا قفز حزب العمل إلى نسبة الحسم، فإن هذا سيكون على حساب تمثيل ميرتس.

وبيّن استطلاعان سابقان أن تحالفا بين الحزبين قد يحقق ما بين 7 إلى 8 مقاعد، لكن لا أكثر.

ومسألة التحالف بين الحزبين ظهرت بقوة وبضغط جمهور مصوتي الحزبين في العام 2020، وبالفعل تحالفا، إلا أنه مقابل قوة مجتمعة للحزبين 10 مقاعد، حصلا بتحالفهما على 7 مقاعد، وفي الحال تم فك الشراكة، إذ أن ميرتس ليس بأفضل حال جماهيرية من حزب العمل.

والنقاش المركزي الذي دار في صفوف حزب العمل، هو أن الحزب ليس يساريا، مثل حال ميرتس، الذي يعرّف نفسه على أساس أنه حزب يساري صهيوني، كما أن البرنامج السياسي للحزبين فيه اختلافات بالشأن الفلسطيني، رغم محدودية الاختلافات بالنظرة الفلسطينية. والجانب الأبرز، هو تخوف حزب العمل في حينه مما يطرحه ميرتس بقوة، في الشأن الاجتماعي، وخاصة ملف المثليين، ومطالبهم بالحقوق الاجتماعية، إذ رأى حزب العمل رغم توجهاته الليبرالية الاجتماعية، أن هذا سيُبعد عنه أصوات محافظين تقليديين لديه.

زادت الحرب الإسرائيلية على غزة من انزياح الشارع الإسرائيلي أكثر، نحو توجهات اليمين المتشدد، وهذا ما يمكن استنتاجه من قراءتنا لاستطلاعات الرأي العام التي تظهر بكثافة، فالقوة الزائدة التي يحصل عليها حزب "المعسكر الرسمي" بقيادة بيني غانتس، تنهار في استطلاعات الرأي، إذا تشكلت قائمة يمينية أشد، برئاسة رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينيت، ومعه حلفاء يمينيون.

وهذا ما نراه أيضا من قراءة نتائج حزب "يوجد مستقبل"، الذي رغم أنه لم ينفك عن التوجهات اليمينية، وفي التوصيفات الإسرائيلية فهو "يمين معتدل"، حسب التعبير، فإنه ينهار في استطلاعات الرأي من 24 مقعدا في الانتخابات الأخيرة، إلى ما بين 13 وحتى 16 مقعدا، كأعلى نتيجة.

ويحدث كل هذا في ظل غياب خطاب بديل واضح لخطاب اليمين الاستيطاني المتشدد في الحلبة الإسرائيلية، وهو ما يطرح فرضية أن تحالفا انتخابيا، بين العمل وميرتس في وقت مبكر، وليس مع بدء دوران عجلة الانتخابات، وهي على أرض الواقع لا تلوح في الأفق حاليا، من شأنه أن يعزز قوة وتمثيل الحزبين، ولكن هذا قد يكون على حساب حزب "يوجد مستقبل"، غير أنه في ذات الوقت قد يخلق جدلا سياسيا آخر في الحلبة الإسرائيلية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات