المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
حادث في موقع بناء في إسرائيل.  (أرشيفية)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 155
  • هشام نفاع

كان شهر تشرين الأول الماضي الشهر الأكثر دموية منذ بداية العام من حيث حوادث العمل. وأفادت "مجموعة مكافحة حوادث البناء والحوادث الصناعية"، وهي جمعية مسجّلة ناشطة في المجال، أن 12 عاملا قد قُتلوا في حوادث عمل خلال شهر تشرين الأول، منهم سبعة في مواقع بناء، وأصيب عدد أكبر منهم في حوادث عمل خطيرة أخرى. وقالت المجموعة إن هذا التدهور الخطير للغاية في حالة سلامة العمال يقابَل باللامبالاة الحكومية والعامة، مما يؤدي إلى نتائج قاتلة مستمرة.

وأكدت أن "التعديل التاريخي والأساس لأنظمة سلامة البناء تأخر فترة طويلة بسبب معارضة نقابة المقاولين والهستدروت لأحكامه المركزية، وامتناع وزارة العمل ورئيس لجنة العمل والرفاه في الكنيست من الدفع بها قدماً كما هو مطلوب، وذلك وسط تجاهل مستمر لسلامة العمال في هذا القطاع".

للتذكير: خصص مراقب الدولة الإسرائيلية في تقرير له قبل عام ونصف العام فصلاً لقضية حوادث العمل، وكتب أنه في أماكن العمل بشكل عام وفي قطاع البناء على وجه الخصوص، يتعرض العمال لمختلف مخاطر انعدام متطلبات السلامة والصحة. وتقع مسؤولية ضمان سلامة وصحة الموظفين على عاتق صاحب العمل. وتعتبر منظمة العمل الدولية قطاع البناء من أخطر القطاعات بالنسبة لعمالها. وقد قُتل في إسرائيل، في كل من العامين 2020 و2021، 32 عاملاً في حوادث عمل في قطاع البناء. وفي الأعوام 2017- 2020، كانت نسبة العمال الذين لقوا حتفهم في حوادث العمل في قطاع البناء أكبر مما هو في الصناعة، والخدمات، والتجارة والزراعة. كذلك، في مقارنة دولية، كان معدل الوفيات في حوادث العمل في قطاع البناء في إسرائيل في كل عام من 2011- 2018 أكبر من المتوسط في دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 28 دولة، وفي بعض السنوات كان يعادل الضعفين وأكثر.

بحسب دراسة أجراها معهد السلامة في العمل، فإن نسبة العرب الذين يتعرضون لمخاطر العمل أعلى بكثير من اليهود. تم تحديد النتائج وفقا لاختيار اللغة التي أجاب بها المستطلعون. ومما جاء في الدراسة، أن نسبة العمال العرب الذين أبلغوا عن آلام في العضلات والهيكل العظمي أعلى من العمال اليهود، وكذلك نسبة التعرض لعوامل الخطر المحتملة التي تضر بالصحة أثناء العمل. وكشفت عن وجود فجوة كبيرة بين العمال اليهود والعرب في الإبلاغ عن الألم الذي قد ينشأ عن العمل. 48.9% من العاملين الذين أجابوا باللغة العربية أبلغوا عن آلام في الجزء العلوي من الظهر في الأسابيع الستة الأخيرة قبل الاستطلاع، مقارنة بـ 36.5% من الموظفين الذين أجابوا باللغة العبرية. وأفاد 48% عن وجود آلام في أسفل الظهر مقارنة بـ 39% من المستطلعين في العبرية؛ أفاد 41.7% بوجود آلام في الجزء الخلفي من الرقبة، مقارنة بـ 29.7% من المستطلعين في العبرية؛ أفاد 35% بألم في الساق، مقارنة بـ 19.1% من المستطلعين في العبرية؛ أبلغ 30.5% عن آلام في الركبة، مقارنة بـ 20.5% من المشاركين في الاستطلاع في العبرية؛ وأفاد 28.7% بألم في ذراع اليد، مقارنة بـ 15.4% من المستطلعين في العبرية.

العاملون العرب يواجهون صعوبات جسدية أكثر من اليهود بضِعفين

أُجري الاستطلاع في شهري آب وكانون الأول 2023، وشمل أكثر من ألفي مشارك. أفاد 32.5% من المشاركين في الاستطلاع باللغة العربية عن تعرضهم لإصابة في العمل تسببت بتغيبهم عن العمل، مقارنة بـ 16.7% بين المشاركين في الاستطلاع باللغة العبرية. وتشير النتائج إلى أن معظم عوامل الخطر الصحية الناجمة عن العمل تكون أعلى بين العمال العرب. أفاد 48.9% من العمال الذين أجابوا باللغة العربية أن عملهم يتطلب منهم الوقوف لأكثر من ساعتين متواصلتين (مقارنة بـ 27.2% فقط من العمال الذين أجابوا باللغة العبرية). أفاد 23.3% من أفراد العينة العربية أنهم يعملون في بيئة يسيطر عليها الضجيج (مقارنة بـ 14.1% من أفراد العينة العبرية)؛ أفاد 33.2% أنهم يقومون بحركة متكررة للظهر كجزء من عملهم (مقارنة بـ 15.6%)، و30.5% في العمل بمناوبات (مقارنة بـ 22%)؛ 17% أفادوا عن العمل في بيئة متربة أو مليئة بالغبار (مقارنة بـ 12.3%)، و16.1% أفادوا عن العمل في درجات حرارة شديدة (مقارنة بـ 12.5%).

وتظهر المعطيات أيضاً أن 14.3% من المشاركين العرب أفادوا بأنهم تعرضوا لاهتزازات ذراع اليد (مقارنة بـ 6.3% من المجيبين بالعبرية)، و12.2% لاهتزاز الجسم بالكامل (مقارنة بـ 4.4%)، وأفاد 10.8% أنهم كانوا مجبرين على رفع أوزان ثقيلة (مقارنة بـ 6.8%). أما عوامل الخطر الوحيدة الموجودة في المعدلات المرتفعة بين اليهود فهي الجلوس لفترات طويلة لأكثر من ساعتين (58.2% من المشاركين العرب، مقارنة بـ 76.3% من المشاركين اليهود) وحركة اليد المتكررة (31.9% من المشاركين العرب مقارنة بـ 37.9% من المشاركين اليهود).

أما في الخصائص النفسية والاجتماعية في العمل، فلم تظهر فروق ذات دلالة إحصائية بين العمال العرب واليهود. الإجابات على الأسئلة حول عبء المتطلبات المعرفية، والشعور بأن العمل يحمل معنى بالنسبة للعمال، ومستوى المسؤولية المطلوبة، والشعور بعدم العدالة فيما يتعلق بالراتب، والصراع بين المنزل والعمل ومتطلبات المهارات الخاصة للوظيفة، كانت قريبة بين المجموعتين. ولدى العمال العرب أفادوا بدرجة أعلى عن وجود عبء من المتطلبات الجسدية، والحواجز التنظيمية، والافتقار إلى الاستقلالية الوظيفية وبيئة العمل العدوانية. وأفاد عدد أكبر من العمال العرب بوجود عوامل إجهاد متعددة في عملهم - 44% من العمال العرب الذكور و11.3% من النساء، مقارنة بـ 16% و9.2% على التوالي بين العمال اليهود.

زيادة معدلات الذين أبلغوا عن الإرهاق وصعوبة النوم بعد الحرب

كانت في المجتمع اليهودي وفي المجتمع العربي، على حد سواء، زيادة في معدلات العاملين الذين أبلغوا عن الإرهاق وصعوبة النوم بعد الحرب، ولكن في المجتمع العربي كانت الزيادة أكبر: حوالي مرتين، مقارنة بـ 1.5 مرة في المجتمع اليهودي. في شهر آب، أفاد 31.9% من المشاركين العرب بتعرضهم لصعوبة في النوم و%30.4 أبلغوا عن الإرهاق (مقارنة بـ 17.4% و24.8% بين المشاركين اليهود). في شهر كانون الأول، أفاد 43.8% من المشاركين العرب بصعوبة في النوم و50.8% أبلغوا عن الإرهاق (مقارنة بـ 37.1% و38.4% بين المشاركين اليهود).

الجدير بالذكر، بحسب الدراسة، أنه تم تعريف الإرهاق في الأدبيات البحثية كعامل يزيد عوامل خطر التورط في حوادث عمل. وأفاد 22% من أفراد العينة باللغة العربية بأنهم تغيبوا عن العمل بسبب التوتر أو حالة نفسية أخرى مقارنة بـ 9.8% من أفراد العينة باللغة العبرية.

أمام هذه المعطيات الواضحة تزعم وزارة العمل أنها "تؤمن بدمج مجموعات سكانية متنوعة في العمل"، لكنها تعترف على لسان مديرها العام بأن "نتائج الدراسة تظهر صورة واضحة، حيث يجب التركيز على المساواة بين القطاعات المختلفة، وأنا مصمم على النجاح في هذه المهمة. في كل عام يموت في إسرائيل حوالي 800 شخص بسبب الأمراض المهنية. هذا الموضوع لا يحظى بتغطية إعلامية كافية فيما يتعلق بحوادث العمل، لأنه مرض يتطور مع مرور الوقت وهي مسألة ذات أهمية قصوى".

وقال المدير العام لمعهد السلامة: "إن نتائج الدراسة تشير إلى واجبنا جميعا في مواصلة العمل على تعزيز المعلومات والأبحاث بين العاملين في المجتمع العربي. لكل عامل يهودي أو عربي الحق في الذهاب إلى مكان العمل لكسب لقمة العيش بكرامة، والعودة في نهاية يوم العمل إلى عائلته سليما وغير مصاب بأذى من الحادث". وتابع أنه يدعو "كافة مرشدي معهد السلامة الذين يصلون إلى أماكن العمل إلى إجراء تقييم للمخاطر وتدريب المديرين على طرق تقليلها. ويجب تشجيع جميع أصحاب العمل على خلق ثقافة السلامة في مكان العمل التي من شأنها أن تؤدي إلى تحسين الكفاءة المهنية، وتحسين جودة المنتج، والحد من التغيّب عن العمل والإصابات من العمل".

لأول مرة: جداول زمنية وأسلوب للتعامل مع المقاولين مخالفي قواعد للسلامة

قبل أشهر، وبعد طلب الالتماس الذي تقدمت به جمعية "صوت العامل" إلى المحكمة الإسرائيلية العليا، نشر مسجل المقاولين في وزارة الإسكان إجراء ينظم لأول مرة جداول زمنية وأسلوباً للتعامل مع المقاولين الذين يرتكبون مخالفات للسلامة، وتتضمن عقوبات وحتى إلغاء الترخيص. تعتبر العقوبات التي قد يفرضها مسجل المقاولين بناء على المعلومات المرسلة إليه من إدارة السلامة والصحة المهنية، إحدى الأدوات الرئيسة التي حددتها الوزارات الحكومية للقضاء على ظاهرة حوادث العمل في قطاع البناء. قبل نحو سنتين قدمت منظمة "صوت العامل" التماساً إلى المحكمة العليا مؤكدة أنه لم يتم تحديد الإجراء، بما في ذلك الجداول الزمنية، للتعامل مع هذه الطلبات، وكذلك طريقة الإشراف على المقاولين الذين تم تعليق تراخيصهم بالفعل.

إن حوادث العمل في ورشات البناء داخل إسرائيل هي أشبه بـ "الوباء". هذا هو الوصف الذي تطلقه منظمات مدافعة عن حقوق العمال على الظاهرة، والتي تدل المعطيات ورصدها ومتابعتها على أن السلطات تفشل وتتقاعس، على أقل تعديل، في مواجهتها ومعالجتها. هذه القضية المؤلمة التي يقع ضحيتها العمال الأكثر استضعافاً مركبة ومتعددة الجوانب، لكن صُلبها هوية العمال المهددين، القومية منها والطبقية. هذا سبب ممكن لتفسير الإهمال الذي يصل حدوداً إجرامية.

جاء في طلب الالتماس أعلاه أن المسجل بدأ صلاحياته على شركات المقاولات العام 2018، ومنذ ذلك الحين، بحسب ما هو معروف، تم عقد 68 جلسة للشركات، حتى أنه اتخذ عقوبات مثل فرض غرامة مالية، إلغاء الترخيص أو تعليق الترخيص (إلغاء الترخيص مؤقتا لحين تصحيح النواقص) بشكل عملي أو مشروط. لكن المنظمة تذكر في الالتماس أن بعض عمليات الإيقاف كانت مشروطة، أو سمحت للشركات بمواصلة العمل، وتبين أن بعضها ارتكب مخالفات تتعلق بالسلامة حتى بعد الجلسة.

في الماضي، تم بالفعل تنظيم نقل تفاصيل المقاولين الذين لديهم "تاريخ إشكالي" بخصوص أوامر السلامة المتعددة من قبل إدارة السلامة في وزارة العمل المقدمة إلى مسجل المقاولين، كما تم تنظيم سلطته في اتخاذ عقوبات ضد هؤلاء المقاولين. ويوضح في الإجراء الجديد أن طلب إدارة السلامة يجب أن يتضمن تفاصيل النواقص والمخالفات الموثقة بالنسبة للمقاول، ونسخة من جميع التقارير والأوامر المفروضة عليه بما في ذلك تقارير الزيارة، وأوامر وقف العمل وأوامر السلامة والإشعارات بشأن تصحيح أوجه القصور.

أكد تقرير مراقب الدولة المشار إليه أعلاه بشأن حوادث العمل والسلامة والصحة المهنية، أن التقاعس الحكومي والرسمي عموماً ما زال سائداً إزاء الحوادث التي يتعرّض لها عمّال قطاع البناء، ولذا يتواصل سقوطهم قتلى أو جرحى بشكل بالغ. ليس فقط أن الحوادث لم تتراجع بشكل يمكن اعتباره تحوّلاً، بسبب عدم تطبيق قرارات وتعهدات بزيادة الرقابة على ظروف مواقع وورشات العمل ومتطلبات الأمان فيها، بل إن المقاولين الذين يتحملون مسؤولية الإهمال بحق العمال في شركاتهم، يحظون بتعامل متساهل بدرجات مثيرة للاستهجان.

المصطلحات المستخدمة:

مراقب الدولة, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات