واصل المحللون والمعلقون الإسرائيليون التقليل من أهمية الأنباء التي تتوقع احتمال حصول "اختراق دراماتيكي" على المسار الإسرائيلي- السوري، والتي تعج بها وسائل الإعلام الإسرائيلية في الفترة القليلة الفائتة.
وكان آخر هذه الأنباء ما نشره المراسل السياسيّ لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، شمعون شيفر، المعروف بصلاته الوثيقة مع ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية. وقد ادعى شيفر، فيما اعتبره سبقًا صحافيًا، في عدد الصحيفة الصادر يوم الجمعة الماضي (8/6/2007)، بأنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، أبلغ الرئيس السوريّ، بشار الأسد، عبر رسائل سريّة، بأنه يعرف "ما هو ثمن السلام مع سورية وبأنه على استعداد لدفعه". وقال إنّ معنى ذلك هو أنه "في مقابل السلام الكامل مع إسرائيل وفضّ التحالف مع إيران والمنظمات الإرهابية تحصل سورية على الجولان". ونقل عن مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى، قوله إن الأسد لم يردّ إلى الآن على توجهات أولمرت.
ومضى شيفر في شرح هذا النبأ غير المسبوق قائلاً: في يوم الاستقلال (الإسرائيلي) الأخير عرّج رئيس الحكومة إلى ديوانه في القدس لكي يتحدث عبر الهاتف السريّ مع رئيس الولايات المتحدة، جورج بوش. وقال رجالات أولمرت بعد تلك المحادثة إن بوش هنأ أولمرت بولادة حفيدته وبيوم استقلال إسرائيل. لكن ما يتضح الآن هو أنه خلال تلك المحادثة، التي استمرت أكثر من ساعة، أبلغ رئيس الحكومة الرئيس الأميركي بأنه قرّر أن يفحص إمكان تجديد المفاوضات السلمية مع سورية، بعد أن توصل إلى استنتاج بشأن نفاد احتمالات تحقيق اختراق سياسي مع الفلسطينيين. ووافق بوش على استنتاج أولمرت ومنحه الضوء الأخضر لفحص الخيار السوريّ. وقد تمّ نقل رسائل أولمرت السريّة إلى سورية بواسطة زعيمي ألمانيا وتركيا ومستشاريهما لشؤون الاستخبارات والأمن.
وأضاف شيفر أن أولمرت توصل مؤخرًا إلى الاستنتاج بأنه من أجل مواصلة البقاء في رئاسة الحكومة يتعيّن عليه أن يضع هدفًا سياسيًا قابلا للتحقيق نصب عينيه. ويقدر مستشارو رئيس الحكومة بأن لديه القوة السياسية المطلوبة من أجل تطبيق ما حاول ثلاثة رؤساء حكومة قبله- وهم إسحق رابين وشمعون بيريس وبنيامين نتنياهو- تطبيقه ولم ينجحوا، وهو التوصل إلى سلام مع سورية.
وختم أنّ من المتوقع أن يلتقي أولمرت، بعد أسبوع ونصف أسبوع، مع بوش في البيت الأبيض وأن يتحدث معه عن محاولات إحياء المفاوضات مع سورية. ونقل عن أحد المقربين من أولمرت القول "إن الموضوع الفلسطيني أصبح في عداد الأموات، ولذا فإن رئيس الحكومة سيبذل قصارى جهوده من أجل محاولة الوصول إلى محادثات مع الأسد".
غير أنّ المراسل السياسيّ لصحيفة "هآرتس"، ألوف بن، عاد في أعقاب ذلك (يوم 10/6/2007) إلى توكيد ما قال إنها الحقائق التي لا يوجد خلاف بشأنها في هذا الشأن. ووفقًا لبن فإن هذه الحقائق هي ما يلي: "رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، نقل قبل حوالي شهرين رسالة إلى الرئيس السوري، بشار الأسد، طلب أن يعرف من خلالها ما إذا كانت سورية ستوافق على فضّ تحالفها مع إيران وحزب الله والمنظمات الفلسطينية الإرهابية في مقابل بدء مفاوضات يتم فيها بحث الانسحاب الإسرائيلي من الجولان. وليس واضحًا ما إذا تعهّد أولمرت بالانسحاب أم أنه اكتفى برمز من قبيل أن "ثمن السلام معروف". الأسد لم يجب على الرسالة. والإدارة الأميركية تتحفظ من تجدّد المسار السوري بحجة أن دمشق تؤيد الإرهاب وتعمل على زعزعة الاستقرار في لبنان".
وقال بن إنّ معنى ذلك هو أنه "لا توجد الآن عملية سياسية بين إسرائيل وسورية وأن شروط تجديد هذا المسار لم تنضج بعد. الواضح فقط هو أن هناك مصلحة لدى أولمرت والأسد، كل لاعتباراته الخاصة، في إطلاق أصوات سلمية في موازاة ارتفاع منسوب التوتر الأمني بين الطرفين والمتمثل في التصريحات الحربية المتبادلة والتدريبات التي يجريها الجيشان".
وتساءل بن: ما الذي يمكن تعلمه من كل ذلك؟ ومضى يقول: أولاً- أنّ أولمرت هو فاشل تسلسلي. هناك نمط ثابت لخطوات أولمرت السياسية. فهي تبدأ بتصريح بالغ الأهمية لكنه ضبابيّ، وعندما يحين وقت بوادر حسن النية فإنه يردّ ببخل ورفض. ولذا ليس لدى إسرائيل الآن أي مسار فاعل لدفع حلّ سياسي إلى الأمام. ثانيًا- أن أميركا ليست طرفًا في اللعبة. إنّ تدخل أميركا هو شرط ضروري لحلّ وسط مع سورية من أي جانب ممكن. ثالثًا- من الصعب تجاهل السياق السياسيّ للموضوع. أولمرت يرغب في أن يبقى حزب العمل في حكومته وينبغي إعطاء المرشح الفائز في انتخابات رئاسة الحزب، التي ستجري اليوم الثلاثاء (12/6)، سببًا يمكن أن يقنع بواسطته مركز العمل بعدم ترك صفوف الائتلاف. وفي الظروف الحالية، التي بلغت فيها العلاقات مع الفلسطينيين الحضيض التام، من الصعب التفكير بحجة أفضل للبقاء في الحكومة من الحديث عن شبه حرب أو شبه سلام مع سورية.
أمّا معلق الشؤون العربية في الصحيفة نفسها، تسفي برئيل، فقد رأى ("هآرتس"، 11/6/2007) أنه لا ينبغي بالصمت السوري ردًا على الرسالة الإسرائيلية التي نقلت إلى دمشق أن يثير العجب. فسورية، حسبما أوضح الرئيس بشّار الأسد مرات عديدة منذ تنصيبه رئيسًا قبل سبعة أعوام، تسعى للعودة إلى مفاوضات مباشرة وعلنية من أجل مواصلة التفاهمات التي تم التوصل إليها خلال المفاوضات مع والده. وهذه التفاهمات، أو "الوديعة" كما أسماها الأسد الأب، تتحدث عن ترتيبات أمنية وعن سلام في مقابل الانسحاب الإسرائيلي الكامل من هضبة الجولان. والأسد الابن لم يحد عن هذا المبدأ.
وتابع برئيل: إسرائيل طرحت، من جانبها، على طاولة الرئيس السوري سلسلة من الشروط المسبقة لمجرد إجراء المفاوضات. وإلى جانب هذه الشروط الإسرائيلية، وهي الانفصال عن إيران والابتعاد عن حزب الله وطرد قيادات الفصائل الفلسطينية وخصوصًا حماس والجهاد الإسلامي من الأراضي السورية، هناك مطلب أميركي بسدّ الحدود مع العراق. وهكذا فإنه إلى حين يتم الحصول على المصادقة الأميركية ستبقى المفاوضات مع سورية رهينة الحرب في العراق. وحتى بدون هذا الشرط الأميركي فإن شروط إسرائيل الجديدة ليست مقبولة على الأسد. وعلى هذه الخلفية يجد الأسد أن الرسالة الإسرائيلية إنما تسعى لدفعه إلى مفاوضات حول الشروط المسبقة للمفاوضات، وهو ما لا يرغب فيه. ويبدو أنه حتى في حال ردّه على الرسالة فسيشدّد مرة أخرى على التزامه بالعملية التي بدأ بها والده، بما في ذلك رفض إضافة شروط جديدة.
وأكّد هذا المعلق أنه ليس في وسع إسرائيل، من ناحيتها، أن تعلن أن الكرة موجودة الآن في الملعب السوري، لأن من الواضح لها أن الشروط التي طرحت ينظر إليها باعتبارها "تستهدف إفشال المفاوضات مسبقًا".
من جهته رأى الجنرال في الاحتياط شلومو غزيت، الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، أنّ الخطوات الدبلوماسية التي أقدم عليها رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، تجاه سورية تبدو له غريبة وغير مفهومة بل وحتى خطيرة. فهي ليس فقط لن تفضي إلى محادثات واتفاق وإنما من شأنها أيضًا أن تفسر خطأ بكونها خديعة لدفع عملية عسكرية إسرائيلية في مقابل السوريين، مشيرًا في تعليق له ظهر يوم الاثنين 11/6/2007 في صحيفة "معاريف" إلى أنّه في موازاة هذه الخطوات لم تتوقف الأحاديث في القدس وتل أبيب عن الاستعدادات العسكرية وعن الحرب المتوقعة بين إسرائيل وسورية في الصيف القريب.
ولدى تطرّق غزيت إلى ما جاء على لسان المراسل السياسيّ لصحيفة "يديعوت أحرونوت" قال إنه ما من سبب يستدعيه أن يشكّك في صحة المعلومات التي وردت، إلا أنه عاد وحذّر من مغبة تسريب المعلومات فيما يتعلق بالاتصالات السريّة. وكتب في هذا الصدد يقول: لقد مهّد رئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن الأرض لزيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس في العام 1977 بواسطة الاتصالات التي أجراها وزير الخارجية موشيه ديان. ولم يعرف أحد عن هذه الاتصالات، بمن ذلك غزيت نفسه الذي كان في ذلك الوقت رئيسًا لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان). وعلى ما يبدو فإن شيئًا ما تغيّر في إسرائيل خلال الأعوام الثلاثين التي مرت منذ تلك الزيارة. والدرس الرئيس الذي يتعيّن على الدبلوماسية الإسرائيلية استخلاصه هو أن "مؤسستنا السياسية ليست قادرة على القيام بخطوات سرية".
وأضاف أنّه في مقابل هذا الواقع في وسع إسرائيل أن تبني سياستها على ثلاث طرق عمل: 1) إجراء مباحثات تحضيرية بواسطة مندوبين إسرائيليين "خصوصيين". ويفترض بهؤلاء المندوبين أن يستوضحوا بشكل سريّ كل المشاكل ويمهدوا الأرض للمفاوضات الرسمية، 2) إجراء مفاوضات علنية على أرض محايدة عبر استغلال وساطة وخدمات طرف ثالث. ومثل هذه المفاوضات سبق أن جرت مع الرئيس حافظ الأسد، 3) المبادرة إلى خطوة سياسية في اتجاه دمشق لا يكون في وسع الأسد التغاضي عنها.
وختم غزيت بالقول إنّ الخطوات الدبلوماسية التي انتهجها رئيس الحكومة إلى الآن محكوم عليها بالفشل. فلا يجوز القيام بدبلوماسية سرية وتسريبها فورًا إلى المقربين. علاوة على ذلك يجب ألا نستغرب إذا ما فسرت دمشق المبادرة الدبلوماسية بأنها خدعة هدفها التستر على هجوم عسكري تعدّ إسرائيل العدّة لشنّه.