المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قال ناحوم برنياع، كبير المعلقين في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوم الاثنين 29/10/2007، إنّ أيًا من المحللين الإسرائيليين لا يجرؤ بعد على أن يقول علانية ما يهمس به الجميع سرًا، وهو أن "قرار تعتيم غزة هو قرار غبيّ".

"هذا القرار- أضاف- يعاقب السكان الغزيين كافة، لا الذين يطلقون صواريخ القسّام فقط، ويدفعهم نحو أذرع حماس والإرهاب. وهو، ثانيًا، مناقض لجميع الأعراف الأخلاقية والقانون الدولي، إذ بدل انفصال إسرائيل عن الاحتلال على الأقل فيما يتعلق بغزة، يفاقم القرار صورة إسرائيل باعتبارها محتلاً أجنبيًا. وثالثًا لا يتماشى هذا القرار مع الجهود الرامية إلى تجديد الحوار مع السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية المعتدلة".

وتابع هذا المعلق أن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، الذي صادق يوم الخميس الماضي على خطة أعدها الجيش تقود تدريجيا إلى انفصال إسرائيل بشكل مطلق تقريبا عن كافة ارتباطاتها مع قطاع غزة باستثناء تزويد المياه و"قضايا إنسانية"، لم يخترع وصفة جديدة، فقد سبق أن طرحت فكرة تعتيم غزة في الماضي أكثر من مرة، وقد اتضح في كل مرة أن شركة الكهرباء الإسرائيلية ترفض التعاون في تنفيذ الفكرة لكونها موقعة على اتفاق مع السلطة الفلسطينية ولا يمكنها أن تخرقه.

علاوة على ذلك أكّد برنياع أنه رغم أن احتمال تنفيذ القرار ضئيل للغاية فإنه يعتبر بمثابة "بشرى جيدة لحركة حماس، إذ أنه يوفر لها ذخيرة إعلامية وذريعة جيدة لتبرير قصوراتها في إدارة القطاع".

غير أن المعلق نفسه استدرك قائلاً إنه "لا يجوز أن ننحي باللائمة على باراك لوحده، فلدينا رئيس حكومة مستعد لقبول هذه الحماقة، ولدينا وزيرة خارجية من المفروض أن تحذّر من الضرر الدولي المترتب على القرار لكنها تلتزم الصمت هي أيضًا، ولدينا رئيس دولة من المفروض أن يمثل الجانب الأخلاقي في حياتنا غير أنه يلتزم الصمت أيضًا، وهناك أعضاء في كتلة حزب العمل في الكنيست لا يكمّون أفواههم في أي شأن لكن ليس لديهم ما يقولونه في هذا الشأن".

وكان المراسل العسكري ومراسل الشؤون الفلسطينية في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل وآفي سسخاروف، قد نقلا عن بعض المصادر الأمنية الإسرائيلية قولها غداة المصادقة الرسمية على "خطة العقوبات" إن الخطة "لن تؤدي إلى كسر شوكة المنظمات الإرهابية أو سكان القطاع، بل ستحث هذه المنظمات على أن تردّ عليها بالمزيد من إطلاق الصواريخ كي تثبت أنها لم تهزم تحت وطأة الضغط".

وعلق المراسلان على ذلك بالقول: ثمة فجوة كبيرة بين الذرائع الرسمية التي تبرّر إسرائيل بواسطتها قرارها القاضي باتخاذ عقوبات حقيقية ضد سلطة حماس في قطاع غزة وبين النيات العملية الواقفة خلف ذلك القرار. في الظاهر تهدف هذه العملية إلى تقليص إطلاق صواريخ القسّام، لكن فعليًا يعتقدون في المؤسسة الأمنية أن المنظمات الإرهابية سترد على العقوبات بتصعيد إطلاق الصواريخ. لذا فإن القصد الحقيقي للعقوبات هو قصد مزدوج: من جهة تجربة "درجة" أعلى من ردّة الفعل الإسرائيلية ضد غزة قبل أن تنجرّ إسرائيل إلى عملية عسكرية كبيرة، ومن جهة أخرى التهيئة لانفصال أكثر حدّة بين إسرائيل وقطاع غزة يقلص إلى الحد الأدنى الالتزامات الإسرائيلية للفلسطينيين هناك.

ولدى تطرقهما إلى باراك قال المراسلان إنه قال قبل بضعة أسابيع بأن إسرائيل تقترب بصورة حثيثة من عملية عسكرية كبيرة في غزة. لكن وزير الدفاع غير متحمس لعملية كهذه، تمامًا مثل رئيس الحكومة، إيهود أولمرت ورئيس هيئة الأركان العامة، غابي أشكنازي. فإنّ من شأن عملية كهذه أن تكون "حربًا قذرة" عدوانية للغاية وتعيد إلى الأذهان صور الدمار من الحرب الأخيرة في جنوب لبنان مع فارق واحد هو أنه ليس هناك مكان في وسع سكان القطاع أن يهربوا إليه، خلافًا لسكان جنوب لبنان. علاوة على ذلك قال أشكنازي لأعضاء المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية إنه سيؤيد عملية هجومية ضد غزة فقط إذا كانت عملية متواصلة. وعليه فإنّ باراك معنيّ بأن يثبت أن إسرائيل استنفدت جميع الإمكانيات الأقل سوءًا قبل أن تتجه إلى شنّ عملية عسكرية. ومع أنّ احتمال عملية كهذه هو احتمال كبير فإنّ توقيتها سيكون بعد مؤتمر أنابوليس فقط.

وخلصا إلى أن هدف العقوبات هو "منح سكان سديروت والمنطقة المحيطة بغزة شعورًا بأن المؤسسة الأمنية تقوم بعمل ما من أجل وقف إطلاق الصواريخ".

وفي ضوء ما أورده هذان المراسلان تساءل المعلق السياسي في "هآرتس"، عوزي بنزيمان: إذا كانت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تدرك مسبقًا أن هذه الوسيلة القاسية ليس في وسعها أن تحقق هدفها فلماذا قررت أن تلجأ إليها رغم ذلك؟. وأكّد أن هذا السؤال يكتسب أهمية مضاعفة لكون إيهود باراك واقفًا خلف قرار تنفيذ الخطة، وهو الشخص الذي اتهم إيهود أولمرت وحكومته (قبل أن ينضم إليها) بالتسرّع قي اتخاذ القرارات المتعلقة بشنّ حرب لبنان الثانية.

وتابع بنزيمان: "تدل التجربة على أنّ العقوبات الميدانية المختلفة، التي فرضتها إسرائيل على الجمهور الفلسطينيّ، لم تحقق النتائج المرجوّة، وإنما على العكس أدّت إلى زيادة دافعية المنظمات الإرهابية وإلى توسيع دائرة المنتحرين الراغبين في المساس بإسرائيل. علاوة على ذلك فإنّ ممارسة العقوبات الجماعية تضرّ بصورة إسرائيل وتعرقل جهودها للفوز بتأييد دولي لموقفها من النزاع مع الفلسطينيين".

أخيرًا قال هذا المعلق إنه بدلاً من محاولات فرض الحصار الاقتصادي وقطع التيار الكهربائي وحملات الاجتياح المحدودة والعمليات البرية والاغتيالات، لماذا لا نحاول أن نتوصل إلى اتفاق شامل مع الفلسطينيين يقف في صلبه استعداد إسرائيليّ للتنازل عن المناطق [المحتلة]؟.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات