المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ارشيف الاخبار
  • 576

*الخبير في الشؤون البرلمانية الاسرائيلية ناظم بدر لـ"المشهد الاسرائيلي": اقرار قانون لاجراء استفتاء سيواجه تعقيدات سياسية وقانونية.. وسيكون سابقة خطيرة في اسرائيل*

 كتب برهوم جرايسي:

 يتوقع المراقبون السياسيون في اسرائيل ان يكون قرار رئيس الحكومة الاسرائيلية، اريئيل شارون، بشأن الاستفتاء واضحا بعد الانتخابات الاميركية، على الرغم من انه في مطلع الاسبوع الحالي أبدى تشددا شارون في رفضه لفكرة اجراء استفتاء حول خطة "الفصل"، القاضية بالانسحاب من قطاع غزة وبعض مناطق شمالي الضفة الغربية.

 

ويؤكد المراقبون ان شارون اسرع في طرحه لخطة الانسحاب على الكنيست قبل نهاية الشهر الحالي، أي قبل اجراء الانتخابات الاميركية، كنوع من الدعم غير المعلن للرئيس الاميركي جورج بوش على صعيد السياسة الخارجية، ولا يشكك المراقبون في امكانية ان يسارع شارون في التراجع عن رفضه، ففي الماضي القريب كان يشدد على أن مصير مستوطنة نيتسريم الصغيرة في شمالي قطاع غزة كمصير مدينة تل ابيب، وها هو اليوم يريد اخلاءها والانسحاب كليا من قطاع غزة.

وادعى شارون في لقائه وفدا من زعامة المستوطنين، يوم الأحد الأخير، انه يرفض اجراء استفتاء من ناحية مبدئية، لأن الأمر "سيقود الى ان تطالب كل فئة تعارض أمرا هاما تقره الحكومة باجراء استفتاء شعبي، ومن بينها قضايا الدين والدولة وغيرها"، على حد تعبير شارون.

ويواجه شارون ضغطا مكثفا من قوى اليمين لاجراء استفتاء، علما بأن اسرائيل لم تجر اي استفتاء في تاريخها على اي من القضايا المصيرية التي واجهتها. ويرى اليمين في الاستفتاء وسيلة جدية لتأجيل تنفيذ الخطة لأشهر أخرى، وهذا ما يعطيهم فرصة اضافية لفرض حقائق على ارض الواقع، حسب مفهومهم. كما أنهم يراهنون على ان نتيجة الاستفتاء ستكون لصالحهم، فإذا لم تكن اغلبية لرفض الخطة، أي إذا لم تتعد الغالبية التي ستحظى بها نسبة 60% من الذين مارسوا حق التصويت، فهذا سيعطيهم فرصة للتشكيك في نتيجة الاستفتاء، والادعاء بأن الاغلبية اليهودية ضد الخطة، وأن شارون ضمن لنفسه الاغلبية "بفضل اصوات العرب"، وهذا حسب منطقهم، علما بأن الأحزاب الاساسية الفاعلة بين العرب في اسرائيل سترفض اجراء مثل هذا الاستفتاء، الذي يعطي حق القرار باخلاء مناطق محتلة للجمهور من خلال استفتاء، وهذه ستكون سابقة خطيرة.

ومن جهة أخرى فإن بعض اصوات اليمين التي أيدت خطة شارون بشروط، تريد من الاستفتاء تعزيزا لموقفها امام جمهور اليمين، وتطمئن هذه الاوساط الى نتائج استطلاعات الرأي التي تنشر في وسائل الاعلام الاسرائيلية تباعا، والتي تعطي خطة الاستفتاء اغلبية تتراوح ما بين 65% الى أكثر بقليل من 70%.

 

اليمين يحاصر شارون في بيته

 

وتصاعدت الضغوط في اوساط اليمين في الايام الأخيرة على شارون من أجل القبول باجراء استفتاء عام حول الخطة، وقد وصل الضغط حتى من رئيس الدولة موشيه كتساب الذي اعلن المقربون منه انه يؤيد فكرة الاستفتاء، ولكنه لا يستطيع قول هذا بوضوح، لكي لا يفهم من كلامه وكأنه يعارض خطة الفصل، وبذلك ينقض مكانته الرسمية التمثيلية المحايدة.

كذلك الأمر فقد انضم الوزراء الثلاثة، المالية بنيامين نتنياهو، والخارجية سيلفان شالوم، والتعليم ليمور ليفنات، الى مجموعة "المتمردين" في "الليكود" في مطلبهم لاجراء استفتاء عام. وحسب المعطيات فإن الفكرة اصبحت تحظى بأغلبية في كتلة "الليكود" البرلمانية. كما ان الحزبين الشريكين في الائتلاف، "المفدال" و"شينوي"، يؤيدان الفكرة، مع أن اعضاء في "شينوي" تحفظوا من الأمر، ولكن هناك شك في ما إذا ستؤيد الكتلتان الدينيتان، "يهدوت هتوراة" و"شاس" الفكرة، فإذا ما ايدت "شاس" (11 عضوا) هذا الاقتراح، فقد ينشأ وضع في الكنيست فيه اغلبية ضئيلة جدا لاجراء استفتاء عام، بعد أن يكون الأمر قد ادى الى شرخ واضح في داخل الحزب الحاكم "الليكود".

 

الاستفتاء سابقة مليئة بالاخطار

 

وفي حديث لـ"المشهد الاسرائيلي" يقول الخبير في الشؤون البرلمانية الاسرائيلية ناظم بدر، ان كتاب القوانين الاسرائيلي لا يشمل قانونا بخصوص الاستفتاء، فحتى الآن لم تجر اسرائيل أي استفتاء، ولكن مسألة اقرار القانون في اسرائيل لم تعد بالمشكلة بالمفهوم المجرد، فبالامكان اقرار قانون كهذا خلال ساعات قليلة وخلال يوم واحد، ولكن المشكلة في هذا القانون ستتركز في مضامينه، ومضمون السؤال الذي سيتوجه للجمهور.

ويقول بدر: على قانون كهذا ان يحدد أولا كل الشروط التي تضمن اجراءه وتنفيذه، ومكانة الاستفتاء من ناحية قانونية ملزمة، أما الأمر الثاني فهو صيغة السؤال الذي سيتم التوجه به للجمهور، لأن صيغة السؤال ستكون عاملا مؤثرا في نتيجة الاستفتاء، وهذا لن يكون بالأمر السهل امام واقع التخبطات السياسية التي يشهدها البرلمان الاسرائيلي.

ويضيف بدر أن الأمر الثالث سيكون أكثر القضايا اشكالية، وهو النسبة المقررة للاستفتاء، فكما شهدنا في الماضي، حين كان يطرح موضوع الاستفتاء، طالبت قوى اليمين المتطرف بأن تكون النسبة المطلوبة لحسم الاغلبية، هي اغلبية من مجمل ذوي حق الاقتراع، بمعنى إذا شارك في الاستفتاء حوالي 70% من ذوي حق الاقتراع، فيجب ان يؤيد الخطة حوالي 71% من المشاركين في الاقتراع لتساوي النسبة 50% من ذوي حق الاقتراع، والهدف من هذا واضح جدا، وهو تحييد العرب من دائرة التأثير، وباعتقادي ففي مثل هذه الحالة سينتقل الأمر الى المحكمة العليا لتحسم الموضوع، كما ان المحكمة قد تكون مطالبة بالتدخل في صيغة السؤال.

 

مسألة أشهر

 

ويتيح اجراء الاستفتاء تأجيل التعامل مع خطة شارون لفترة تتراوح ما بين ثلاثة الى أربعة اشهر. ويقول ناظم بدر إن لجنة الانتخابات المركزية بحاجة الى 90 يوما على الأقل من موعد اقرار الاستفتاء وحتى يوم اجرائه، وتشمل هذه الفترة ايضا فترة دعاية انتخابية.

كما ان موضوع الدعاية الانتخابية سيكون جزءا من القانون، لأن الأمر بحاجة الى ميزانيات وتوزيعها على الاحزاب السياسية لتدير معركتها الانتخابية، ولكن الميزانيات هنا ستكون اقل من اية انتخابات عادية لأنه ستجد عدة احزاب ستلتقي حول واحد من الاجابات الثلاث، تأييد ومعارضة وامتناع، على الرغم من اختلاف المنطلقات.

وحول مكانة الاستفتاء يقول بدر ان الاستفتاء بحد ذاته سيكون وليد قانون، وأي قرار سيصدر عنه سيحل محل قانون في الكنيست، وباعتقادي ان قانونا من هذا النوع سيكون قانونا اساسيا حسب القانون الاسرائيلي، إذ يجب ان يحصل القانون الاساسي من اجل اقراره على أغلبية اعضاء البرلمان، اي على الأقل 61 نائبا، وليس أغلبية عادية من المشاركين في تلك الجلسة.

وحين يكون قانون الاستفتاء بهذه المكانة، فإنه سيلغي دور الكنيست في اتخاذ القرار، ولهذا السبب فإن الأحزاب الايديولوجية التي تنادي بحياة برلمانية ديمقراطية ترفض فكرة اجراء الاستفتاء بشكل مبدئي، وطبعا ففي الحالة العينية التي امامنا سيكون الى جانب الرفض المبدئي رفض على اساس سياسي، لأنه لا يمكن ان تطلب من الجمهور ان يعطي رأيه في اخلاء ارض محتلة ليست تابعة له، احتلتها حكومته بالحرب والقوة ومن دون "استفتاء عام".

وعمليا فإن الحلبة السياسية الاسرائيلية المتهاوية تغرق نفسها في دوامة جديدة، ليس من الواضح كيف ستخرج منها، ولكن بالامكان اعتبار هذه الدوامة حلقة جديدة من الدوران، قبل السقوط في أزمة أعنف، وكل هذا ما هو إلا انعكاس للأزمة السياسية وانهيار "البقرات المقدسة" التي بنت اسرائيل نفسها عليها، من احتلال ارض الغير، وجنون العظمة، وارض اسرائيل الكبرى، وغيرها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات