مع احتدام النقاش الداخلي في اسرائيل حول خطة شارون
حركة السلام الاسرائيلية تصعد نشاطها وتختلف في الموقف من خطة الانفصال
من: وديع عواودة
العودة الى الشوارع من جديد
شرعت حركة "السلام الآن" الاسرائيلية بحملة اعلامية واسعة لمناصرة خطة الانسحاب من غزة تحت شعار "الاغلبية تقرر" و"ننسحب من غزة ونبدأ بالتفاوض" وغيرهما من الشعارات التي احتضنتها الاف اللافتات الكبيرة في مختلف انحاء البلاد. وهي تواصل استعداداتها لتنظيم مظاهرة كبرى بالمشاركة مع حزبي " العمل" و" ميرتس- ياحد" لتأييد ذات الغرض قبالة الكنيست الاثنين المقبل، اليوم الذي سيطرح فيه شارون خطته للتصويت في الكنيست. ويوم الاحد الأخير نظمت "السلام الان" مظاهرة قبالة ديوان رئيس الوزراء اريئيل شارون خلال لقائه مع قادة المستوطنين بهدف التأكيد بصوت عال للمستوطنين ان هناك جمهورا يفكر بطريقة مختلفة عنهم.
في حديث لـ"لمشهد الاسرائيلي" عبر الناطق بلسان "السلام الان"، ياريف اوبنهايمر، عن امله بان تجدي الحملة نفعا في تأمين نجاح خطة الانفصال عن غزة ومنع المستوطنين من الاستيلاء على الشارع الاسرائيلي. واضاف "تعلمنا العبرة من تجربة اوسلو حيث تركت الساحة للمستوطنين الذين نجحوا رغم قلة عددهم باحباط الاتفاقيات بيننا وبين الفلسطينيين سيما وانهم يملكون الامكانيات المادية والتنظيمية". وكشف ياريف عن ان الحملة تهدف ايضا الى مخاطبة المواطنين العرب. وردا على سؤال عما اذا كان ذلك اهدار للطاقة باعتبار ان التوجه للوسط العربي يعتبر محاولة زائدة لاقناع من هم مقتنعون بضرورة رحيل الاحتلال قال "لا. ينبغي مخاطبة كافة المواطنين والاوساط ودعوتهم للمشاركة في فعاليات السلام وحملتنما ستحمل الجديد حتى لمن هم مقتنعون". وبشأن مخاطر وقوعهم في خطأ تأييد خطة اعتبرها دوف فايسغلاس، كبير مستشاري شارون، مجرد حيلة لقبر خارطة الطريق ولاعادة الانتشار أو تحويل غزة الى سجن كبير اوضح ياريف ان "السلام الان" ترى في الانسحاب من غزة "بداية المشوار لا نهايته وانها تهدف في حملتها الى الاستمرار بالنزول الى الشوارع وتكثيف مساعيها لاحياء عملية السلام بعد الانسحاب ان شاء الله". عندما تقول "ان شاء الله" فهل هذا يعني ان "السلام الآن" متشككة من تطبيق خطة الانسحاب من غزة؟، سألناه.
ياريف: "نعم نحن متشككون من اخراج الخطة الى حيز التنفيذ سيما وأن المستوطنين قادرون على افشالها كما نجحوا في تجارب سابقة بالماضي".
أوري افنيري "هذه وسيلة للقضاء على السلام"
في المقابل قال الناشط في "كتلة السلام" اوري افنيري، الخارج من "السلام الان" بعد تأسيسها وتزعمها مدة طويلة، في حديث لـ"المشهد الاسرائيلي" ان كتلته ترفض بشدة خطة الانسحاب والمشاركة في اية فعالية لتأييدها معتبرة ان اريئيل شارون "شخصية كاذبة" وينوي تحقيق اهدافه التوسعية التقليدية ومحاصرة القيادة الفلسطينية وتدمير كل فرصة للسلام وان أحاديته ليست سوى وسيلة لذلك. ومن اجل تعزيز موقفه الواضح هذا يستشهد افنيري بالاقوال التي ادلى بها رئيس ديوان شارون دوف فايسغلاس لصحيفة "هآرتس" قبل ايام وفيها اكد ان شارون يرى بخطة الانفصال وسيلة للتخلص من خارطة الطريق. وترى "الكتلة" ان الحل يكمن بانهاء الاحتلال واعادة كافة الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما في ذلك مدينة القدس من خلال التفاوض والاتفاق مع السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس ياسر عرفات.
حملة لاختراق الاسرائيليين الروس
والى جانب ذلك تواصل "كتلة السلام" اهتمامها بمشاريع انسانية وسياسية متنوعة كمساعدة الفلسطينيين في قطيف ثمار الزيتون هذه الايام ورصد عملية بناء نقاط استيطانية جديدة ومقاطعة منتوجات المستوطنين. كما ترعى اليوم حملة واسعة لاقناع القادمين الجدد من روسيا بفكرة السلام بعد قطيعة طويلة بين قوى السلام وبين المهاجرين الروس الذين يعتبرون جمهورا يمينيا ويكره العرب. وعن ذلك قال افنيري "شرعنا هذا الشهر في حملة واسعة النطاق وبعيدة المدى التي تأتي بعنوان "حقيقة مقابل حقيقة" وهي تهدف الى اختراق الوسط الروسي في اسرائيل. حتى الان باعدت بيننا وبين الروس، وهم مليون نسمة، هوة كبيرة من غير المعقول التسليم بوجودها. ونحن لا نقبل الرأي الذي ساد حتى الان ان الروس هم متطرفون ويكرهون العرب فلا بد ان يكون مئة الى ثلاثمئة الف نسمة منهم ممن يقبلون مبدئيا بفكرة السلام وبحاجة الى المزيد من الاقناع والشروحات، وهذا ما سنفعله من خلال لقاءات متواصلة معهم وعبر توزيع 100 الف نشرة باللغة الروسية تلقي ضوءا جديدا على الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، جذوره ومسيرته. وعلى غلاف النشرة سيكتب "تحذير" يقول: هذه نشرة تآمرية.. فهي تخلخل المسلمات التي يقوم عليها الاجماع الوطني". ولفت افنيري الى ان "كتلة السلام" توصلت الى استنتاج هام مفاده انه لا يمكن انجاز السلام "دون انضمام اجزاء هامة من الاسرائيليين الناطقين بالروسية".
الى ذلك قال ادم كيلر، الناطق بلسان "كتلة السلام"، ان كتلته تساهم كثيرا في تعزيز قوة حركة معارضة الخدمة العسكرية في الاراضي المحتلة "من الشجاعة ان تعارض". واضاف، في مقال له نشر على الشبكة "كلما زاد اريئيل شارون من اقواله عن الانسحاب من قطاع غزة فإن جيشه يعمق احتلاله له. هذه هي البداية فقط والحركة المعارضة لاداء الخدمة في غزة ستتعاظم حتى تتمكن من الزام اريئيل شارون بسحب الجيش من هناك".
"مغادرة غزة الآن"
وهذه الايام تركز "كتلة السلام" جهودا خاصة لاستقطاب المزيد من المتطوعين الاسرائيليين والاجانب ضمن اطار "ائتلاف الزيتون" من اجل مساعدة الفلسطينيين في موسم قطيف الزيتون الذي يبلغ اوجه هذا الشهر في الضفة الغربية واحتجاجا على سياسة بناء الجدران وعلى التقييدات المفروضة من قبل جيش الاحتلال في "مناطق الاحتكاك" مع المستوطنين. ويوم السبت المقبل 23.10.04 ستنظم "كتلة السلام" مظاهرة كبرى في تل ابيب تحت شعار "اوقفوا القتل ابدأوا بالتفاوض" وذلك استمرارا لسلسلة مظاهراتها ضد الجدار والاحتلال وكان آخرها في الخامس من الشهر الجاري مقابل وزارة الدفاع والتي انضمت اليها حركة الجنود الرافضين للخدمة في الاراضي الفلسطينية،"من الشجاعة ان ترفض"، احتجاجا على العدوان على شمال غزة. وفي المظاهرة الوشيكة سترفع الشعارات المنددة بالاحتلال مثل "لن ينتهي الامر اذا لم نعارض الخدمة في الاراضي المحتلة" او "سديروت وجباليا ضحية للاحتلال" و"أبي، ماذا أفعل في غزة؟" او "الجنود يقتلون بسبب المستوطنين" و"مغادرة غزة الآن".
في المقابل فإن حركة "السلام الان" التي تعتبر نفسها اكثر صهيونية واقل تطرفا من "كتلة السلام" تبدي حماسا واضحا لخطة شارون بالانسحاب من غزة معتبرة ذلك بداية جيدة من شأنها تحريك عملية السلام وهي تتشابه مع "كتلة السلام" في فكرة ومواصفات السلام المنشود من طرفها لكنها تختلف عنها بالوسائل، كما يقول ياريف اوبنهايمر، الناطق بلسان الحركة، في حديثه الينا. واكد اوبنهايمر على اهمية الحملة الدعائية التي شرع بها لتأييد خطة الانسحاب من غزة ولفت الى اهمية اسماع صوت مغاير لصوت المستوطنين وترك الساحة لهم وحدهم مشيرا الى خطورة نشاط المستوطنين، رغم قلة عددهم، على خطة الانسحاب من غزة حيث سبق أن احبطوا اتفاقيات اوسلو من قبل. وتحاول الحركة التشديد على اختلافها عن "كتلة السلام" بالظهور بوجه اكثر "اعتدالا" وبعدم تأييدها لرفض الخدمة العسكرية في الاراضي المحتلة او بتأييد فرض مقاطعة دولية على اسرائيل او بمنح الرئيس الفلسطيني درعا واقيا بشريا، كما فعل اوري افنيري وزملاؤه فيما مضى. وعن العلاقة بين قطبي حركة السلام الاسرائيلية غير الحزبية اوضح اوبنهايمر انه لا غضاضة بوجود حركتين احداهما اكثر اعتدالا من الثانية لافتا الى انه يجري تعاون بينهما. واضاف "امر صحي ان تعمل على الساحة اكثر من حركة سيما واننا لسنا خصومًا وان كنا نختلف عن "السلام الان" من حيث اعتدالنا وكثرة اعدادنا وبتغطيتنا في الاعلام بشكل اوسع".
وردا على سؤالنا حول مصادر تمويل "السلام الان" قال اوبنهايمر ان حركته تحصل على اموال من متبرعين يهود في اسرائيل والخارج ومن صناديق داعمة لمسيرة السلام. وكانت السلام الان قد قامت مطلع الشهر بالاستيلاء ليلا على بيت متنقل، كرفان، من احدى النقاط الاستيطانية القريبة من نابلس وتم نقله الى تل ابيب ووضعه قبالة وزارة الدفاع كي يتم تعليم القادة الاسرائيليين كيفية ازالة هذه النقاط اذا كان ما يصدر على ألسنتهم وما في قلبهم سيان.
عدم رضى من قلة تعاون فلسطينيي 48
وابدى المتحدثون بلسان كتلتي السلام عدم رضاهم من إنعدام تعاون فلسطينيي 48 مع مشاريعهما. وعن ذلك قال اوري افنيري "انا لا افهم لماذا لا يتجند المواطنون العرب في اسرائيل ضمن "ائتلاف الزيتون" ولا يشاركون في اغاثة السكان في الاراضي المحتلة. هذا امر غريب وغير مفهوم فلماذا يستطيع مواطنون يهود من تل ابيب ترك اشغالهم او ايام استراحتهم والذهاب الى الاراضي المحتلة للمساعدة في قطيف الزيتون فيما يعجز المواطنون العرب عن ذلك. لا اعرف اذا كان ذلك ناتجًا عن مماحكات الاحزاب العربية فيما بينها ام ان ثمة مشكلة في الاتصال بيننا وبينهم. لكنني اعتقد ان النواب العرب يصرخون اكثر مما يفعلون بشكل جدي وهادىء من اجل نصرة القضية. على أية فمن جميل ان نلتقي عربا ويهودا في قطيف الزيتون".
وقد سجل الناطق بلسان "السلام الان" موقفا مماثلا حيال هذه المسألة.