أفردت الصحف الاسرائيلية في نهاية الاسبوع مساحات واسعة لمتابعة الخطط الامريكية بشأن الشرق الاوسط، بعد انتهاء الحرب على العراق.و<<تشتري>> هذه الصحف التصريحات الامريكية - البريطانية التي تربط بين الحرب على العراق والمسار الاسرائيلي – الفلسطيني، وهي تشترك في التعبير عن الموقف الاسرائيلي الرسمي من ضغوط دولية محتملة لتحريك الجمود القاتل على هذا المسار، نظراً لكون <<خريطة الطريق>> المشروع السياسي الوحيد المطروح على ساحة الصراع، مدركة ان اسرائيل ستجد نفسها، عاجلاً ام آجلاً، مضطرة للتفاعل معه.
لكن اسرائيل تتفاعل حالياً مع الدبلوماسية الامريكية والاوروبية بالحديث عن التزامها بـ "مسار بوش" والتأكيد على وجود <<تحفظات جوهرية>> لديها على خطط الرباعية بشأن الصراع.
وابرزت <<يديعوت احرونوت>> (28/3) تصريحات مصادر سياسية اسرائيلية رفيعة في القدس الغربية، تعقيباً على تصريحات الرئيس الامريكي جورج بوش، في المؤتمر الصحفي المشترك في كامب ديفيد مع رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير (الخميس 27/3)، بأن ادارة بوش لن ترغم إسرائيل على دفع <<ثمن سياسي>> للحرب الامريكية – البريطانية على العراق، عندما تؤكد على وجوب تطبيق <<خارطة الطريق>> والتقدم نحو إقامة الدولة الفلسطينية بعد انتهاء الحرب.
ويعقب المسؤولون الاسرائيليون على ما تضمنته مقابلة صحفية نشرتها صحيفة <<واشنطن بوسط>> مع وزير الخارجية الأمريكي، كولين باول، وجاء فيها إن <<الرئيس بوش سيضغط على رئيس الحكومة، أريئيل شارون، من أجل التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، بعد أن تنتهي الحرب في العراق>>.
<<لن يفرضوا على اسرائيل خارطة طريق لا تكون مقبولة عليها>>، اوضحت المصادر الاسرائيلية (يديعوت احرونوت 28/3)، مشددة على ان اسرائيل <<لن تدفع ثمن الحرب على العراق>>.
لكن الصحيفة نوهت الى <<مخاوف في القدس (الغربية) من ان الادارة الامريكية لن تتمكن في ختام الحرب على العراق من مجابهة الضغط المفعّل عليها، لذلك ستطالب اسرائيل بتطبيق فوري لخارطة الطريق واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ولو مقابل تظاهر بالتقدم من جهة الفلسطينيين>>.
وقالت <<يديعوت>> ان وزير الخارجية الاسرائيلي سلفان شالوم الذي يزور واشنطن سيحاول التوصل الى تنسيق مع الادارة الامريكية فيما يخص نشر <<خارطة الطريق>> مع استكمال تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة برئاسة "ابو مازن". وسيحاول شالوم اقناع الامريكيين بتأجيل عرض الخطة الى ما بعد انتهاء الحرب في العراق.
وترى المصادر السياسية الإسرائيلية أن سياسة الرئيس الأمريكي، جورج بوش، و<<التفاهمات المبدئية>> مع الولايات المتحدة لم تتغير. لكنها – أي: المصادر – تزعم ان <<المشكلة هي أن الفلسطينيين ما زالوا غير مستعدين لتطبيقها. أبو مازن، رئيس الحكومة الفلسطيني يجب أن يحصل على صلاحيات تجعله قادراً على تنفيذ الاصلاحات المطلوبة. وهو بحاجة إلى أن يملك القدرة التي تخوله اتخاذ قرارات صعبة، مثل العمل ضد التنظيمات "الارهابية" وتنفيذ الاعتقالات>>.
وتعرب المصادر السياسية عن اقتناعها التام بأن الأمر الوحيد الذي يشغل بال الأمريكيين الآن هو إنهاء الحرب في العراق. وهي ترى ان <<السبب الذي دعا الرئيس بوش لطرح الموضوع خلال المؤتمر الصحفي الخاص بالحرب على العراق، يعود إلى أن رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، يواجه مشكلة سياسية بسبب معارضة الحرب في بلاده، وأن إبراز قضية خارطة الطرق هو جزء من محاولة الرئيس بوش لمساعدته>>.
بريطانيا تحاول تهدئة الجدل مع اسرائيل
ويحاول المسؤولون في الخارجية الإسرائيلية تعطيل أي جهد اوروبي للتقدم على المسار الفلسطيني، كما تفعل الدبلوماسية البريطانية في هذه الايام، وليس فقط بالتصريحات الصحفية.
واستدعت وزارة الخارجية الاسرائيلية السفير البريطاني في تل ابيب للتنديد بتصريحات وزير الخارجية البريطانية جاك سترو بأنه <<يأسف لأن الغرب لا يعتمد تجاه اسرائيل نفس الصرامة التي يبديها تجاه العراق>>.
بالمقابل حاولت بريطانيا تهدئة الجدل مع اسرائيل بعد التصريحات التي ادلى بها سترو وقال فيها ان العالم العربي يعتبر ان الغرب ينتهج سياسة <<الكيل بمكالين>> تجاه اسرائيل والعراق، في وقت اعتبر مسؤول اسرائيلي كبير ان لا اعلان <<لخارطة الطريق>> قبل نهاية الحرب في العراق.
واعلن ناطق باسم الوزارة ان مديرها العام يوآف بيران اكد للسفير البريطاني شيرارد كوبر -كولز الذي استدعاه مساء الخميس (27/3) ان اسرائيل تعتبر تصريحات الوزير جاك سترو <<خطيرة>> و <<لا اساس لها قطعاً>>. وقال بيران للسفير البريطاني ان <<رئيس الوزراء ارييل شارون ووزير الخارجية البريطاني سيفان شالوم يعتبران تصريحات سترو خطيرة ولا سيما المحاولة التي لا اساس لها لاقامة مقارنة بين الحملة الدولية ضد النظام العراق والنزاع الاسرائيلي العربي>>.
واعتبر بيران تصريحات سترو <<مثيرة للسخط>> وانها قد تضر بالعملية السياسية، ولكنه اشاد بتحرك بريطانيا ضد نظام الرئيس العراقي صدام حسين.
وكان سترو اقر (الثلاثاء 25/3) في مقابلة مع الاذاعة البريطانية "بي بي سي" بأن الغرب بما في ذلك بريطانيا انتهج سياسة الكيل بمكيالين ازاء العراق والنزاع الاسرائيلي الفلسطيني.
واعترف بأن <<هناك قلقا من ازدواجية لغة البلدان الغربية التي تقول ان قرارات مجلس الامن الدولي بشأن العراق يجب ان تطبق، بينما لا تبدي حزمًا ازاء تطبيق القرارات المتعلقة بالنزاع الفلسطيني الاسرائيلي>>. وفي رد على سؤال حول ما اذا كان يشعر بالذنب قال سترو <<بشكل من الاشكال نعم وسنسعى الى تدارك ذلك>>.
الا ان بريطانيا حاولت تهدئة الجدل مع اسرائيل. وقال متحدث بريطاني لوكالة فرانس برس ان <<وزير الخارجية اعتبر انه يجب تطبيق جميع قرارات الامم المتحدة وليس فقط تلك المتعلقة بالعراق>>. واضاف <<طبعاً اننا لا نعتبر ان الوضعين متشابهين>>.
من جهة ثانية اعتبر مسؤول اسرائيلي كبير ان لا اعلان لخارطة الطريق قبل نهاية الحرب في العراق. واعلن المسؤول طالبا عدم الكشف عن هويته: <<نتوقع ان لا يتم الاعلان عن هذه الوثيقة قبل نهاية الحرب في العراق وان تقوم الولايات المتحدة باستشارتنا قبل ذلك>>. واعرب المسؤول الاسرائيلي عن <<ارتياحه>> لتصريحات الرئيس الاميركي جورج بوش بخصوص هذه الوثيقة حيث انه اكتفى بالقول ان الاعلان عنها سيكون <<قريباً>> بدون تحديد اي موعد.
واعلن الرئيس الاميركي الخميس خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في كامب ديفيد <<سننشر قريبا "خارطة الطريق" الهادفة الى تحويل رؤية الى واقع>>، في اشارة الى قيام دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل.
وكان بوش اعلن في الرابع عشر من الشهر الجاري انه سيتم الاعلان عن <<خارطة الطريق>> حينما يتولى رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) مهامه <<مضطلعا بصلاحيات حقيقية>>. ووافق ابو مازن في التاسع عشر من نفس الشهر تعيينه رئيساً للحكومة الفلسطينية وابدت واشنطن ارتياحها لذلك على غرار الحكومة الاسرائيلية.