يتوجه (4.7) ملايين ناخب إسرائيلي، إلى (7967) صندوق إقتراع، موزعة في أنحاء إسرائيل، لانتخابات الكنيست السادسة عشرة، بعد مضي أقل من ثلاث سنوات على الانتخابات الماضية. وهذه هي الانتخابات الأولى منذ الانتخابات في العام 1992، التي تجري ببطاقة واحدة بدلا من اثنتين. وقد أعادت هذه العودة إلى بطاقة واحدة التنافس ليكون تنافسًا بين قوائم مرشحين، وليس بين شخصين رئيسيين. وعلى الرغم من ذلك نرى "الليكود" و"العمل" يشددان على المرشحيْن الأولين، كما في الترشيح المباشر لرئاسة الحكومة.ومنذ الاعلان عن تبكير الانتخابات، بدأت الأحزاب وجهات أخرى عديدة، أهمها وسائل الاعلام، بإجراء إستطلاعات بوتيرة عالية، لجس نبض الشارع ومحاولة تخمين عدد المقاعد لكل حزب. ومع الوقت، تحولت هذه الاستطلاعات من وسيلة إلى غاية، وصارت هي المفصل الأساسي في التطورات الحزبية والسياسية. ويعزو الكثيرون هدوء الشوارع والمفارق إلى أن الأحزاب سلّمت نهائيًا بسيطرة الاستطلاعات على العمل الانتخابي الشعبي الكلاسيكي.
وفي اليوم السابق على انتخابات الكنيست السادسة عشرة بدت نتائجها محسومة. وبموجب استطلاع "هآرتس" الذي اجرته شركة "ديالوغ" باشراف البروفسور كميل فوكس، تستقر كتلة اليمين عند اغلبية ثابتة من 67 نائبا، مقابل 37 نائبا لكتلة اليسار و 16 للوسط ("شينوي" و "عام إحاد"). على رغم هذه النتائج الواقعية جدا، لا يزال 14% من الناخبين مترددين لمن سيصوتون في يوم الانتخابات. ولدى سؤالهم عن ميولهم الانتخابية، يحدد 7% منهم الاجابة، و 7% ليسوا مستعدين للاجابة، ما يعني ان هناك ما يعادل تسعة مقاعد "عائمة"، ينتظر ناخبوها المحتملون رؤية التطورات، وسيقررون فقط في اللحظة الاخيرة، على فنجان قهوة في الصباح او خلف الستار. واذا تصرف الناخبون حيال هذه المقاعد التسعة خلافا للقسمة المتعارف عليها، فقد تحدث مفاجأة، لكن احتمالات ذلك ضعيفة.
كذلك فإن نسبة تصويت عالية في الوسط العربي قادرة على تقليص الاغلبية التي تملكها كتلة اليمين. واذا لم تحدث مفاجآت استثنائية، فان الاتجاه العام واضح للغاية: "الليكود" مستقر، مع ارتفاع طفيف، و "العمل" يواصل التراجع، ولكن بنصف مقعد فقط بالقياس مع الاسبوع الماضي، في حين يسجل "شينوي" التراجع الكبير، إذ فقدت حركة يوسف لبيد مقعدين خلال اسبوع، وهي تكاد تتعادل، ليس مع حزب "العمل" - كما حاول "الليكود" القول بالامس لاسباب خاصة به – بل مع "شاس" بالذات، الذي يحافظ على ثباته.
وهناك اهمية حاسمة لحجم هذين الحزبين عند بدء المشاورات لتشكيل الحكومة، وسيكون من الصعب على شارون خرق التحالف التقليدي بين "الليكود" واحزاب "الحرديم" وتشكيل حكومة وحدة علمانية في وقت يجد فيه "شينوي" و "شاس" متماثلان او متشابهان في حجمهما. وحتى لو اراد، سيجد معارضة من كتلته.
ولم ينجح "الليكود" في اجتذاب ناخبين من الاحزاب الصغيرة في كتلته: الاتحاد القومي، المفدال، يسرئيل بعلياه تقوّت جميعها بحوالي مقعد واحد، بالقياس مع الاستطلاع السابق. كذلك فشلت محاولة "العمل" العزف على مشاعر الشفقة وطيبة قلب ناخبيه من العام 1999، الذين ما زالوا مترددين بينه وبين احزاب اخرى. "ميرتس" يستقر عند مقاعده التسعة، كذلك هو الحال مع الاحزاب العربية – اربعة مقاعد للجبهة – التغيير، وثلاثة للتجمع الوطني الديموقراطي، ومقعدان للعربية الموحدة.
وفي ختام معركة انتخابات امتدت اقل من تسعين يوما، يمكن إجمال الامر بالقول ان الموضوع برمّته كان زائداً عن الحاجة. وعدا "شينوي"، الذي يتأهب لمضاعفة قوّته، لم تتحسن فرص أي حزب من الاحزاب بصورة جوهرية في الاستطلاعات.
صحيح ان "الليكود" سيكبر، لكن وضع رئيس الحكومة ارئيل شارون الائتلافي ليس متوقعا له ان يتحسن في دورته التالية: العكس هو الصحيح. وفي ختام مفاوضات ائتلافية تبدأ – بصورة غير رسمية – مباشرة في منتصف ليل الانتخابات، قد يجد شارون نفسه برأس حكومة يمين ضيقة، معتمدا على عكازين ضعيفين لرئيس الاتحاد القومي افيغدور ليبرمن وعلى كتلة ليكود يمينية بمعظمها، ترى في بنيامين نتنياهو مكملا طبيعيا لدرب شارون.
كل ما يمكن لشارون في ضوء ذلك ان يفعله هو ان يحلم بحزب "عمل" مختلف عن الحزب الذي اعلن في معركة الانتخابات وفي محاولات جس نبض بشأن ائتلاف حكومي مستقبلي، انه ضد الوحدة الوطنية.
* بدائل شارون:
إستنادًا إلى نتائج الاستطلاعات التي نُشرت، أمس الاثنين، هناك عدة إحتمالات أمام شارون وحزبه، لتشكيل الحكومة القادمة، وهي:
حكومة يمينية ضيقة: الكثيرون يرجحون أن هذا الخيار هو ضئيل جدًا. مثل هذه الحكومة ستجمع "الليكود" و"هئيحود هليئومي" و"المفدال" و"شاس" و"يهدوت هتوراة" و"يسرائيل بعلياه". عدد مقاعد الائتلاف سيكون حوالي (67) مقعدًا بالتقريب. شارون لن يكون معنيًا بمثل هذه الحكومة، لأنه سيكون رهينة إبتزازات دائمة من الأحزاب المشاركة، ولأنه لا يريد أن يبدو أمام بوش والعالم يمينيًا متطرفًا.
حكومة وحدة "يمين- مركز" واسعة: في مثل هذه الحكومة ستنضم "شينوي" و"عام إحاد" إلى الائتلاف، وعندها من المرجح أن شارون سيستغني ربما عن "هئيحود هليئومي" وليبرمان زعيمه. هذه الحكومة ممكنة في حالة أن طومي لبيد خرق وعوده بعدم الانضمام إلى حكومة فيها "شاس"، أو بانضمامه إلى حكومة وحدة علمانية.
حكومة وحدة علمانية: ستكون من "الليكود" و"العمل" و"شينوي" و"عام إحاد". ما يمكن أن يصل إلى (65-68) مقعدًا. هذه الحكومة قد ترتكز إلى قاعدة متينة لأنها مكونة من أحزاب كبيرة بالأساس، وإذا قامت فإنها ستقوم على خطوط عريضة متفق عليها منذ البداية. ثم أنه ليس من السهل أن يتنازل "الليكود" عن شراكته مع الأحزاب القومية والمتدينة. إقامة مثل هذه الحكومة صعبة جدًا، ولكن يبدو أنه في حالة إقامتها فهي أكثر الخيارات قوةً واستقرارًا. شارون يعرف ذلك جيدًا ولذلك لم يتنازل أبدًا خلال الانتخابات عن خيار الوحدة مع "العمل".
حكومة وحدة موسعة: يكون فيها "الليكود"، "العمل"، "شاس"، "شينوي"، و"عام إحاد"، ما يساوي حوالي (74) مقعدًا. هذا الائتلاف شبه مستحيل في التركيبة الحالية، نظرًا لرفض "العمل" الجلوس في حكومة مع "الليكود" ورفض "شينوي" للجلوس مع "شاس".
* اعتبارات ائتلافية اخرى
عند التحدث عن الائتلافات الحكومية المستقبلية، يجب الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات التالية: 1) "العمل" رفض في الأسبوع الأخير بمثابرة الدخول إلى حكومة مع "الليكود". شارون يتعامل مع هذا الرفض بجدية.
2) من الصعب على طومي لبيد أن يخرق وعده بعد الدخول في حكومة يمنية أو في وحدة مع المتدينين، لأن "ميرتس" (ومصوتيه ومرشحي حزبه الذين يميلون بغالبيتهم من اليسار) تنتظره في الزاوية.
3) الأحزاب العربية خارج أية لعبة حكومية.
4) وضع "الليكود" بعد الانتخابات سيكون أصعب من وضعه بعد الانتخابات السابقة.
5) هناك تقديرات بأن شارون سيقيم حكومة ضيقة مع "شينوي" واليمين، ومن ثم محاولة جذب "العمل" إليها. هذا سيكون منوطًا بنجاح بن إليعيزر وغيره في تنحية متسناع عن رئاسة الحزب. على الرغم من الفشل الذريع الذي قد يلحق بـ "العمل" في هذه الانتخابات، إلا أنه يبدو كمن سيكون الحزب صاحب التأثير الأكبر في الحلبة السياسية..
المصطلحات المستخدمة:
هآرتس, الليكود, شينوي, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو