حين يدور الحديث عن الفساد يستدعي ذلك الحديث عن السلطة بما هي آلية لتحقيق مصالح ومنافع لا يغطيها القانون، ولكن يوفرها الاقتراب من السلطة أي الحلول فيها، أو ممن في السلطة. وهذه أمور عامة في المجتمعات، لا يمكن لمجتمع يقوم على الملكية الخاصة، أن يزعم النأي عنها، وإن كانت تنتشر في مجتمعات بعينها أكثر من غيرها، كما أن شفافية مجتمعات ما، تكشفها سريعاً في حين أن بيروقراطية مجتمعات أخرى، تغطيها لمدى أطول.
التهبت الحلبة السياسية الإسرائيلية مؤخرا إثر إعلان إيهود باراك عن عزمه التنافس على زعامة حزب العمل وافتضاح دور إيهود أولمرت في قضية الفساد في سلطة الضرائب وخصخصة البنوك. ورغم أن جميع الأحزاب تأثرت، بشكل أو بآخر، بهذين الأمرين، إلا أن الأنظار توجهت في الأساس نحو حزب العمل.
ينحو الخطاب العربي السائد إلى تفسير تفوّق إسرائيل، على الواقع العربي، بحصره في تفوقها في المجالات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، كما إلى تمتّعها بعلاقات خاصة ومتميزة مع الولايات المتحدة الأميركية، وبمعنى آخر فإن هذا الخطاب، في تفسيراته المذكورة، يغفل (والأصح يحجب) العوامل الذاتية التي تضفي على إسرائيل قوّة مضافة، تجعلها قادرة على تجيير عناصر تفوقها هذه، وتحويلها إلى عوامل قوة وغلبة وتميز في المنطقة.
لم يُخف المسؤولون العسكريون في إسرائيل أن هناك أهدافا غير معلنة للعمليات العسكرية التي أطلقوها ضد قطاع غزة. وهو ما ينبغي أن يدركه القيّمون على المشروع السياسي الفلسطيني الآن كشرط للنجاح في أي إستراتيجية عسكرية أو تفاوضية، سواء كان هدفها التصعيد أو التهدئة. وينبغي ألا تضللنا تلك المقولة العامة ومفادها "أن المقاومة حقّ للخاضعين تحت الاحتلال". فلا نناقش هذه المقولة ولا الحقّ الفلسطيني، لا عدل المطلب الفلسطيني ولا شرعية المقاومة. كل ما نريد هنا والآن،
الصفحة 10 من 81