المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

التهبت الحلبة السياسية الإسرائيلية مؤخرا إثر إعلان إيهود باراك عن عزمه التنافس على زعامة حزب العمل وافتضاح دور إيهود أولمرت في قضية الفساد في سلطة الضرائب وخصخصة البنوك. ورغم أن جميع الأحزاب تأثرت، بشكل أو بآخر، بهذين الأمرين، إلا أن الأنظار توجهت في الأساس نحو حزب العمل.

فالصراع ملموس وواضح في حزب العمل أكثر من بقية الأحزاب، والأهم أن هذا الصراع يدور في حزب لا يزال ينظر إليه على أنه حزب حاكم. ومن الجائز أن هذه الأهمية تعاظمت في أعقاب الفشل الذي منيت به مرة تلو مرة أحزاب الوسط الإسرائيلية وآخرها حزب كديما. وتكفي نظرة واحدة الى الوضع العام السائد في إسرائيل والنظرة للحكومة، للتعرف الى أن نتائج استطلاع الرأي الأخير الذي منح كديما مكانة الحزب الرابع ليست بعيدة عن الحقيقة. فغياب الاهتمام بكديما أعاد الاهتمام بحزبي الليكود والعمل ما أعطى للصراع المستجد والمحتمل بين بنيامين نتنياهو وإيهود باراك أهمية خاصة. ورغم أن الليكود، بقيادة نتنياهو، يواجه مشاكل عويصة، إلا أن تعاطف الجمهور الإسرائيلي مع الليكود بقيادته قد يضعف هذه المشاكل ويدفع منافسيه إلى التنازل له.

وهذا ليس حال حزب العمل. فحزب العمل لا يزال يعاني من الصراعات الداخلية ومن ابتعاد الجمهور عنه. وقد لعب دور حزب العمل في حرب لبنان الأخيرة وفي العثرات التي اعترضت طريق حكومة أولمرت وفي تجاهل البعد الاجتماعي في تعميق هذا الابتعاد. وكانت استطلاعات الرأي قد أظهرت أن حزب العمل قد يفقد حوالي ثلث قوته في الانتخابات المقبلة إذا لم يطرأ تغيير في موقف الجمهور منه.

والحال أن هذا خلق الفراغ الذي قفز إليه إيهود باراك والذي سرعان ما نال، وفق الاستطلاعات، تأييد الكثيرين من أعضاء الحزب. فهؤلاء الأعضاء مهتمون ببقاء دور حزب العمل وبتقدمه ولا بأس عندهم في الصفح عن أخطاء باراك. ولكن المشكلة هي أن المتنافسين الآخرين، وخصوصا عمير بيرتس، ليسوا في وارد التنازل من دون مقاومة أمام باراك. وهكذا فتح الباب واسعا أمام صراع مرير أعيد فيه إنشاء المعسكرات التي يقف في رأسها معسكر الكيبوتسات والموشافيم، معسكر المدن، المعسكر العمالي، معسكر الضواحي أو قرى التطوير، وأخيرا المعسكر العربي.

ويبدو أنه بين المتنافسين الأربعة الكبار: باراك، بيرتس، عامي أيالون وأوفير بينيس ثمة من سيضطر للائتلاف مع آخر كي تنحصر المنافسة بين اثنين. وعلى ما يبدو فإن باراك سيكون واحدا والآخر إما أن يكون بيرتس أو عامي أيالون. ويبدو أن بيرتس هو الخاسر في هذه المنافسة رغم محاولته اليائسة كسب المعسكر العربي من خلال اتخاذه القرار بتعيين غالب مجادلة كأول وزير مسلم في الحكومة الإسرائيلية. فالمعسكرات الأقوى هي معسكر الكيبوتسات والموشافيم ومعسكر المدن، وهي لا تقف إلى جانبه. كما أن المعسكر العربي منقسم على نفسه بين تأييد بيرتس وتأييد خصومه.

ورغم أن الصراع اليوم يبدو كأنه داخل حزب العمل إلا أنه يلقي بأثر مباشر على استقرار حكومة أولمرت. وقد أشارت الأنباء مرارا إلى أن هناك من يسعى لإقامة تحالف بين باراك وأولمرت الأمر الذي يكون على حساب بيرتس. وليس صدفة أن المقربين من بيرتس اتهموا أولمرت في الماضي بتسريب أنباء عن رغبته في إبعاد بيرتس عن وزارة الدفاع خدمة لمصالح باراك في المنافسة. واليوم يتهم المقربون من بيرتس أولمرت أيضا بعدم إقرار تعيين مجادلة للسبب ذاته ولدوافع عنصرية.

وقد حاول بيرتس تمرير قرار تعيين مجادلة في مركز حزب العمل عبر تصويت هاتفي ولكن منافسيه عرقلوا الأمر وقرروا عقد اجتماع لمركز الحزب يوم الخميس. وسوف يبحث المركز في تعيين مجادلة حيث سيسعى كثيرون لعقد صفقات ربما تتيح تعيين مجادلة ولكن من دون أن يربح منها بيرتس.

غير أن الوضع في حزب العمل وتعيين مجادلة بات يهدد الائتلاف الحكومي الحالي واستقراره. ففي حين أبدى حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيغدور ليبرمان انتقاده الشديد لتعيين مجادلة تعامل أولمرت باستغراب مع قرار بيرتس. واتهمت أوساط أولمرت بيرتس باتخاذ القرار بتعيين مجادلة من دون التشاور مع رئيس الحكومة الذي لم يعلم بالأمر إلا بعد إعلانه في وسائل الإعلام.
واعتبر مقربون من أولمرت أن سلوك بيرتس يزيد الوضع تعقيدا خاصة أن افيغدور ليبرمان، بات يطالب بتعيين أعضاء آخرين في كتلته في مناصب وزراء ورؤساء لجان. تجدر الإشارة إلى أن أولمرت الذي يواجه مشاكل عويصة يرغب في إجراء عملية شد وجه لحكومته عبر تغيير بعض المناصب فيها. وكان يأمل أن يقوم حزب العمل بتغيير بيرتس وإبعاده عن وزارة الدفاع ولكن شيئا من ذلك لم يحدث. لذلك ثمة من يرى أن الأسبوع المقبل سوف يكون حاسما لمستقبل الحكومة حيث سيتبين ما إذا كان بيرتس يريد الانسحاب من الحكومة على خلفية قرار تعيين وزير عربي بدلا من الانسحاب على خلفية إبعاده عن وزارة الدفاع.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات