المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

سيتكاثر، بدءاً من اليوم، منظّرو المقايضة. سيقال إن الدولة الفلسطينية هي جائزة الترضية لفقدان العراق وان جيشا منسحبا من مدن الضفة يعزّي بجيش داخل الى مدن العراق. وهناك من سيقول اكثر: سنحصل على الديموقراطية في العراق والدولة في فلسطين! هذه الخديعة المكشوفة لا تأخذ بالاعتبار موازين القوى الناجمة عن الحرب، ولا تهتم باقتراب الحملة الرئاسية في اميركا، ولا تتوقف عند تركيبة الحكومة الاسرائيلية الجديدة وغياب الاشارة في برنامجها الى خريطة الطريق، او الدولة، او حتى <<خطاب هرتسليا>>. ومن اجل اكتمال الخديعة سنتوقع ضجة كبيرة في اسرائيل تزعم ان التدمير الذي يهدد الامة العربية هو، في الحقيقة، تهديد غير مسبوق لإسرائيل!

بقلم: جوزف سماحة
تكاد الادارة الأميركية تسلّم انها لن تستطيع خوض حربها المقررة لاحتلال العراق باسم الشرعية الدولية. فالنصاب الدولي، الرسمي والشعبي، مؤمن لصالح الدعوة الى استمرار عمليات التفتيش ولو مشددة، ويعني ذلك ان الحرب ستعني الانفراد. والانفراد مكلف على <<النظام>> الدولي كما نعرفه الآن وعلى <<بناء السلام>> لاحقاً.

لقد استنفدت هذه الادارة احابيل تقسيم الصف المعادي للحرب. حيّدت البعض باسم <<الخطر العراقي الداهم>>. والبعض الآخر باسم <<رفض بغداد احترام قرارات مجلس الامن>>. والبعض الأخير باسم <<حقوق الشعب العراقي>>. وهناك، بين العرب، من ساعدها على ذلك سواء باسم <<لا حول لنا ولا قوة>>، أو بطرح مبادرة إلهاء عنوانها <<التنحّي>>، او باعتماد شعار يفتقر الى الحد الادنى من الاخلاق: <<لا للحرب، لا للديكتاتورية>> يتوهم اصحابه انهم أمسكوا المجد من طرفيه!

غير ان اصرار حزب الحرب الاميركي على مناطحة اجمالية مع عالم اليوم أدى الى موجة ارتدادية أصابت المعسكر الذي ارتضى قيادة بوش وبرنامجه. ونشأت، في هذا السياق، مفارقة. ففي حين كان معتدلو الولايات المتحدة، كولن باول نموذجاً، يميلون نحو التطرف، كان متطرفو أوروبا المؤيدون لهم يتعرضون الى عزلة متزايدة في بلدانهم. ففي بريطانيا، مثلاً، بات الحديث علنياً عن <<تنحّي>> طوني بلير. وخاض خوسيه ماريا ازنار في المهزلة حتى الثمالة. أما سيلفيو بيرلوسكوني فلقد بُحّ صوته ولا يبدو انه مدعو الى المجلس الحربي غداً. ويغالب جون هوارد، الاسترالي، اغلبية تريد الخلاص منه.

وأصيب قادة عرب بالاحراج الذي أصيب به مسؤولون أوروبيون يغلّبون <<أميركيتهم>> حتى على نزعة أطلسية راشدة. وادى ذلك كله الى بقاء الملك عارياً فتكفّل دونالد رامسفيلد، بصراحته المعهودة، ضم بريطانيا الى <<أوروبا القديمة>> قائلاً إنه ماضٍ الى الحرب من دونها. وكاد يقول، حتى من دون باول ونصف الادارة...

وليس سراً ان المحرَجين، أوروبيين وعرباً، يناشدون البيت الأبيض تسليحهم بما يمكنه درء الهجمات عنهم. وهذا <<السلاح>> المرغوب هو عدد من الكلمات الطيبة في ما يخص القضية الفلسطينية. فهم كانوا يأملون ترتيباً للأولويات غير الذي اعتمده بوش (فلسطين اولاً ثم العراق). وبما انهم لم يحصلوا عليه، وبما ان الرئيس الاميركي حسم الأمر في خطابه أمام <<معهد انتربرايز>> (العراق اولاً ثم نرى مصير خريطة الطريق) فإن مطلبهم منه بات ان <<يتكرّم>> ولو بدقائق من وقته من أجل توفير صدقية ما لاعلانه انه، شخصياً، ملتزم الالتفات الى النزاع الاسرائيلي الفلسطيني.

ولذا قرر بوش، بالأمس، انه لا بأس من استخدام هذه الورقة طالما انها تخدم في رص صفوف التحالف الحربي.

فعل ذلك في عز المواجهة المندلعة في مجلس الأمن. وفي غمرة الحصار المضروب على مشايعيه الاوروبيين. وفي سياق تسهيل الامور امام حكومات عربية لم تعد تستطيع ستر عورتها. لذلك لن يكون مستبعداً ان ترتفع اصوات تصرخ: <<ألم نقل لكم؟>>. انها اصوات الانبياء الكذبة في الخارج، واصوات القادة المذعورين بين العرب الذين سيتمسكون بحبال الاوهام ويحاولون إقناع شعوبهم بأن تحذو حذوهم.

ويجب ان يكون بوش (وبلير) شديد الاحتقار لقدرات الآخرين العقلية حتى يعتقد ان هذه المناورة المكشوفة يمكنها ان تمر. ولكن بوش (وبلير) يراهن، في الواقع، على انهيار قدرات هؤلاء الأخيرين بحيث يضطرون الى تغطية عجزهم بالتقدير الفائق لانقلاب موازين القوى الناجم عن تعيين رئيس وزراء في... فلسطين.

سيتكاثر، بدءاً من اليوم، منظّرو المقايضة. سيقال إن الدولة الفلسطينية هي جائزة الترضية لفقدان العراق وان جيشا منسحبا من مدن الضفة يعزّي بجيش داخل الى مدن العراق. وهناك من سيقول اكثر: سنحصل على الديموقراطية في العراق والدولة في فلسطين!

هذه الخديعة المكشوفة لا تأخذ بالاعتبار موازين القوى الناجمة عن الحرب، ولا تهتم باقتراب الحملة الرئاسية في اميركا، ولا تتوقف عند تركيبة الحكومة الاسرائيلية الجديدة وغياب الاشارة في برنامجها الى خريطة الطريق، او الدولة، او حتى <<خطاب هرتسليا>>. ومن اجل اكتمال الخديعة سنتوقع ضجة كبيرة في اسرائيل تزعم ان التدمير الذي يهدد الامة العربية هو، في الحقيقة، تهديد غير مسبوق لإسرائيل!



ثمة جانب آخر في خطاب بوش امس. فمنذ ايام تصعد الى سطح الحياة السياسية الاميركية الاطروحة القائلة بأن الحرب الاميركية على العراق قد تكون، عملياً، <<حربا يهودية>> او <<حربا اسرائيلية>>. ولقد اضطر باول الى التدخل من اجل نفي هذه النظرية والجزم ان السياسة الخارجية لبلاده لم تتعرض الى عملية اختطاف من جانب حفنة من الاشخاص.

ليس هنا مجال الاسهاب في توضيح البعد الاسرائيلي لهذه الحرب، ولكن طرح الموضوع في ساحة النقاش العام قد يكون لعب دوراً في دفع بوش الى تأكيد <<اميركية>> الحرب واستهدافها اقامة شرق اوسط مستقر وملائم للمصالح الاستراتيجية الاميركية. فهذا التدخل غير مكلف في نهاية الامر. ويكفي ان يسأل بوش الابن والده حتى يتأكد من ذلك. انه، في الحقيقة، تدخل مربح يسمح برصّ صفوف التحالف من اجل حرب على العراق تكون فلسطين إحدى راياتها!

"السفير" - بيروت - 15 اذار

المصطلحات المستخدمة:

جيشا, هرتسليا, دورا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات