المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

وبما أن تفيت كان مراسلاً صحافياً متمرسًا وعنيدًا وجريئًا وشجاعًا وقام بتغطية والأحداث وإرسال الأخبار بدون تجميل وإضافات تنحاز بالأخبار لمصلحة أحد الأطراف المتحاربة، وبما أن أعمال إسرائيل الوحشية تعتبر مادة ممتازة لكل صحافي يعمل في الشرق الأوسط، كانت تقارير تفيت القيّمة ونصوصه وصورَه وأشرطته التسجيلية، التي صورت معاناة الناس في زمن الحرب ومجرمي الحاضر في عصرنا الحديث، غزيرة ومؤلمة.

بقلم : نضال حمد
يعتبر الكاتب الصحافي أود كارستين تفييت أحد أهم المراسلين الصحافيين النروجيين في الخارج وبالأخص في الشرق الأوسط، فقد عمل فترة طويلة في المنطقة، وفي بيروت بالذات، فعاش سنوات الحرب والحريق في بلد الارز الذي مزقته الحرب الأهلية وتدخلات إسرائيل في شؤونه اليومية، حتى قامت قوات الجيش الاسرائيلي باجتياحها الأول، واحتلت ما عرف بمنطقة السياج الأمني بقيادة الرائد المسيحي المنشق سعد حداد.

وفي سنة 1982 شهد أود عملية غزو للبنان (التي سمتها اسرائيل "عملية سلامة الجليل"، التي كانوا يعنون بها إيقاف إطلاق قذائف المدفعية الفلسطينية البعيدة المدى وصواريخ الغراد والكاتيوشا على مناطق الجليل، انطلاقا من قواعد القوات الفلسطينية اللبنانية المشتركة في الجنوب اللبناني، الا ان الهدف الحقيقي لحكومة بيغن – شارون تلك، كان، بالأصل، القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وتدميرها في لبنان بعد قتل وتصفية قيادتها. لكن رياح المعركة جرت بعكس ما كان يرجوه هؤلاء، فقد أبدى المقاتلون الفلسطينيون وحلفاؤهم اللبنانيون مقاومة ضارية وجبارة، وبخاصة في ملحمة حصار بيروت وفي بعض المواقع المعروفة في مناطق أخرى متفرقة من لبنان، نذكر منها كأمثلة مخيمي عين الحلوة والرشيدية وقلعة الشقيف وموقعة علمان شرق صيدا والسعديات والأوزاعي وخلدة والمطار).

وكان الصحافي النرويجي المذكور قد عايش هذه الأحداث، وعاش أيضا فترة ما بعد الحصار، فشاهد، كأحد الصحافيين القلائل، مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا وصوَّرها وكتب عنها من أرض المذبحة، فكان من الصحافيين الأوائل الذين اكتشفوا هول المجزرة وحجم الخسائر التي لحقت بالمدنيين في المخيمين. وألف تفييت كتباً عن الشرق الأوسط والصراع العربي - الإسرائيلي وما عايشه في تلك المنطقة في فترة عمله. وفي لقاء عمل جمعني به العام الماضي في أوسلو، قال لي أنه يعكف الآن على تأليف كتاب عن الفلسطينيين في لبنان منذ الحرب الأهلية هناك حتى اتفاقية أوسلو وعودة القيادة الفلسطينية إلى جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وبما أن تفيت كان مراسلاً صحافياً متمرسًا وعنيدًا وجريئًا وشجاعًا وقام بتغطية والأحداث وإرسال الأخبار بدون تجميل وإضافات تنحاز بالأخبار لمصلحة أحد الأطراف المتحاربة، وبما أن أعمال إسرائيل الوحشية تعتبر مادة ممتازة لكل صحافي يعمل في الشرق الأوسط، كانت تقارير تفيت القيّمة ونصوصه وصورَه وأشرطته التسجيلية، التي صورت معاناة الناس في زمن الحرب ومجرمي الحاضر في عصرنا الحديث، غزيرة ومؤلمة.

ولأن الأشرطة كانت تنقل معاناة الأبرياء والمدنيين في المدن والبلدات اللبنانية وفي المخيمات الفلسطينية هناك، لم يرق ذلك لأصدقاء إسرائيل في النرويج، الذين يعتبرون إسرائيل "حملاً وديعاً" وما عداها من الجيران العرب والمسلمين أوباشاً وقتلة وإرهابيين وقطاع طرق ومتخلفين وهمجيين. لذلك قامت لجنة أصدقاء إسرائيل النشطة والقوية والفاعلة في النرويج بشن حملة عنيفة وهستيرية على الصحافي المذكور والمشهور واتهمته بالتجسس والعمالة لمنظمة التحرير الفلسطينية.

كل هذا جاء على خلفية دوره الطليعي في الكشف بأعين الكاميرا ولسان القلم عن مجزرة صبرا وشاتيلا، مما جعل كل تغطياته الصحافية على السن الناس ومحط أنظارهم. شنَّ أصدقاء إسرائيل حملة عنيفة ضده شككت في قدراته الصحافية وأساليب عمله وتغطيته للأحداث وتقديمه للأخبار، قادتها اللجنة المذكورة على كل الجبهات، وقامت بتوجيه اتهامات لاذعة وقاسية للبرنامج الأول في القناة التلفزيونية الحكومية النرويجية المعروف باسم " ن ر ك 1 " واتهمته بالانحياز لأعداء إسرائيل في التغطيات الإعلامية التي يبثها مراسلوه من منطقة الشرق الأوسط، وبالأخص أود كارستين تفيت ولارس سيغورد سونانو المراسل الحالي للتلفزة المذكورة في فلسطين المحتلة.

واتهمت اللجنة نفسها قسم الأخبار الدولية في البرنامج الأول بأنه "غير مسئول وسيئ ومن النوع الهاوي وليس المحترف"، وبأن المراسل التابع له لا يملك الاحساس بالمسؤولية واحترام الخبر والحياد في التغطية، ويرى أصدقاء إسرائيل أنها، ولهذا السبب، منعت الصحافي المعروف من دخول البلاد.

جاءت هذه الاحتجاجات لتوصيل رسالة ضد تفيت وضد تعيينه مراسلاً جديداً للتلفزيون المذكور في فلسطين المحتلة وجوارها. ولأن إسرائيل توعز لأصدقائها بشن حملات ضغط على مثل هؤلاء الصحافيين الذين يعملون بشرف وأخلاق مهنية دقيقة وعالية، أنما تريد من هؤلاء أن يتجاهلوا في تقاريرهم الإخبارية ما يشاهدونه من البشاعة العدوانية والإجرامية التي يمارسها الجيش الإسرائيلي في فلسطين المحتلة. وإلا، ما معنى أن تصل الوقاحة بهؤلاء الأنصار والأصدقاء من جماعة إسرائيل في النرويج، حد اتهام أحد أفضل صحافيي النرويج وأسكندنافيا بأنه غير جدي ومن نوعية دنيوية واتهامه بالتجسس لمنظمة التحرير ومعاداة السامية واعتباره أحد أكبر أعداء اليهود ومن ثم إضافة اسم زميله لارس سونانو للائحة المتهمين بالعداء للدولة العبرية؟

هذه الأساليب لن تبدل من كون إسرائيل دولة إرهاب تمارس إرهاباً رسمياً منظماً وتخرق حقوق البشر والحجر والشجر والإنسان والحيوان. ولن يغير الاتهام والكذب والتزوير والاستخفاف من كون إسرائيل دولة تقودها مجموعة من مجرمي الحرب الدوليين وفي مقدمتهم رئيس وزراء إسرائيل الحالي شارون.

فمبروك على اسرائيل حلفاءها من مرضى الاستعلاء والعنصرية والعداء أمثال "لجنة أصدقاء إسرائيل في النرويج"، ومبروك لشعب فلسطين هذا العدل وهذه الكرامة الإنسانية العالية التي يتحلى بها هؤلاء المراسلون الصحافيون من أمثال أود تفيت ولارس سونانو.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات