المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

* رئيس الكنيست: هذه الدورة الأكثر إهانة في تاريخ إسرائيل * الاشتباه أو التحقيق مع 26 نائبا ووزيرا بتهم فساد * محمد بركة: هذه الدورة وصلت ذروة جديدة في العنصرية والفساد * جمال زحالقة: الدورة المنتهية تميزت بكثرة القوانين العنصرية والاحتلالية *

أنهى الكنيست (البرلمان) دورته السادسة عشرة وسط اعتراف رئيسه، رؤوفين ريفلين، بأنها الدورة الأكثر فسادا في تاريخ إسرائيل، ودعا الجمهور إلى انتخاب نواب أفضل للدورة السابعة عشرة، في الانتخابات التي ستجري في الثامن والعشرين من شهر آذار القادم.

ولم تأت تصريحات ريفلين من فراغ، فقد سجل البرلمان الإسرائيلي خلال 33 شهرا لعمله رقما قياسيا في فضائح النواب، حيث شهد الاشتباه أو التحقيق مع 26 نائبا ووزيرا بتهم فساد. ومنذ الأسابيع الأولى اضطر رئيس الكنيست ريفلين إلى استدعاء الشرطة للتحقيق مع عدد من النواب الذين زيّفوا عملية اقتراع على تعديل الميزانية، ومنهم من صوّت مرتين، وتصر الشرطة على تقديم لوائح اتهام ضد اثنين منهم، واعتبر ريفلين أن استدعاء الشرطة للتحقيق في هذه القضية كان حضيضا جديدا تصل إليه الكنيست.

فمثلا قبل نحو شهر ضبطت كاميرات الكنيست النائب يحيئيل حزان، من حزب الليكود، وهو يسرق اسطوانة معلومات رقمية توثق فضيحته حينما صوّت مرتين، كذلك أدانت محكمة إسرائيلية نائبا من حزب شاس الديني الأصولي بتهمة شراء شهادات جامعية، حصل عليها مقابل المال ودون دراسة، وهناك زميل له يطارده التحقيق منذ أربع سنوات في قضية تعيينات سياسية مخالفة للأنظمة حين كان وزيرا للصحة.

كذلك حققت الشرطة مع وزير الشرطة نفسه تساحي هنغبي في مسألة تعيينات سياسية في الوزارة وهناك شبهات مماثلة ضد ثلاثة وزراء آخرين، وهناك عمليات تحقيق متواصلة ضد نواب مارسوا أعمال رشوة، أو تلقوا أموالا غير مشروعة، وأبرزهم نجل رئيس الحكومة، النائب عومري شارون، الذي أدين بتلقي أموال غير مشروعة لحملات والده الانتخابية.

محمد بركة: الدورة وصلت ذروة جديدة في العنصرية والفساد

لم يكن بإمكان رؤوفين ريفلين أن ينهي مؤتمره الصحفي بمشاركة المراسلين البرلمانيين، من دون اعتراف واضح بأن النواب العرب من الكتل الثلاث الفاعلة بين الفلسطينيين في إسرائيل كانوا الأنشط من بين جميع النواب في العمل البرلماني، وتبوأوا المراكز الأولى في إحصائيات الكنيست مع إنهاء دورته. وفي حين أن عدد النواب العرب هو ثمانية من أصل 120 نائبا، فإنهم يشكلون ما بين 27% إلى 30% من مجمل العمل البرلماني.

مثلا كان النائب محمد بركة، رئيس كتلة الجبهة الديمقراطية، الأول بين النواب على مدى ست سنوات في المبادرة لطرح المواضيع على جدول أعمال الكنيست. أما النائب عبد المالك دهامشة، رئيس القائمة العربية الموحدة، فكان الأول في إلقاء الخطابات، ونجح النائب أحمد طيبي، رئيس الحركة العربية للتغيير، في تمرير خمسة قوانين تتعلق بالبيئة والعنف في المجتمع.

وفي حديث لـ"المشهد الإسرائيلي" يقول النائب بركة إن هذه الدورة المنتهية سجلت حضيضا خطيرا في مستوى العنصرية والفساد، فقد شهدنا كنواب نمثل الأقلية الفلسطينية في البلاد حملة عنصرية متصاعدة ومحمومة، ومحاولة لتحييدنا وسحب شرعية وجودنا في وطننا، فحتى ما يسمى بلجنة "سلوكيات المهنة" انشغلت بالنواب العرب دون سواهم، خاصة وأن رئيسها النائب المتطرف آرييه إلداد من حزب موليدت الذي يدعو إلى طرد الفلسطينيين من وطنهم، وكانت اللجنة تفرض عقوبات على مجرد تحركات سياسية للنواب العرب (النائب بركة كان الأبرز في هذه القرارات وواجه سبعة ملفات- المشهد).

ويضيف بركة قائلا: حينما كان صوتنا هو المقرر في قضايا مصيرية كان نواب اليمين يهاجموننا، ووقفت وزيرة التربية والتعليم ليمور ليفنات من على منصة الكنيست لتقول إن تصويت نائب عربي يرجح قرارا مصيريا هو قانوني ولكنه ليس شرعيا، وهذا نموذج بسيط على ما كان يواجهه النواب العرب، لكن خطورة هذه الحملة كانت تتمثل في محاولة سلطوية لإحداث شرخ بين الفلسطينيين في إسرائيل وقيادتهم، تحت مقولة "ماذا فعل النواب العرب لجمهورهم، فهم مشغولون دائما بالقضية الفلسطينية".

ويتابع بركة قائلا إن من يطلق هذه الحملة هم أقطاب السلطة الذين بأيديهم القرار، فهم الذين يطبقون سياسة عنصرية ويمنعون الميزانيات عن العرب، ويريدون النواب العرب منصاعين لسياسة الحكومة كشرط لتلبية مطالب الجماهير العربية العادلة في الحقوق المدنية، ونحن نؤكد دائما أن الحقوق المدنية ليست مرتبطة بالموقف السياسي، لكن القصد من هذه الحملة إدخال نفسية اليأس بين الفلسطينيين وإبعادهم عن دائرة اتخاذ القرار، لتخفيض وزنهم داخل البرلمان وإعطاء فرصة أكبر لليمين وأقطاب الحكم في التشريعات العنصرية.

وحول مستوى الفساد، يقول النائب بركة لـ"المشهد الإسرائيلي": كل قضية فساد كانت تصل بسرعة إلى الإعلام الإسرائيلي وفي كثير من الأحيان فإن الإعلام هو الذي كان يكشف الفضائح، وكان يظهر البرلمان كحلبة فساد كل من فيها مشبوه، يخجل المرء أن يكون عضوا فيه، وباعتقادي أن الفساد في سدة الحكم في إسرائيل هو أكثر وأعمق مما يكشف عنه، فلا يمكن توقع نزاهة حكم على رأس جدول أعماله الاحتلال والاستيطان وارتكاب جرائم حرب.

جمال زحالقة: كنيست تميز بالقوانين العنصرية

ويعتبر النائب جمال زحالقة، رئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي، في حديث لـ"المشهد الإسرائيلي"، أن هذه الدورة كانت الأكثر سوءا منذ سنوات طوال من خلال عدد القوانين العنصرية التي تم إقرارها ومن خلال مضمونها الخطير، مثل قانون المواطنة الذي يدمر آلاف العائلات الفلسطينية من طرفي الخط الأخضر، وقوانين أخرى تتعلق بمسؤولية إسرائيل تجاه المصابين والمتضررين من عمليات قوات الاحتلال، وتلك التي تتعلق بحقوق الأسرى الفلسطينيين ولقاء محاميهم وفترات اعتقالهم.

وعلى الصعيد الاقتصادي الاجتماعي، يقول زحالقة: لقد سنّ الكنيست قوانين تكرّس الرأسمالية المتوحشة، التي تدمر ما تبقى من ضمانات اجتماعية، تمشيا مع سياسة إفقار الفقراء وإغناء الأغنياء، إلى جانب تكريس التمييز ضد العرب.

ويقول زحالقة إن الكنيست أعطى الدعم المطلق للحكومة في كل سياسة جرائم الاحتلال، ولم تكن معارضة جدية لهذه السياسة سوى من النواب العرب، وعدد قليل جدا من نواب اليسار الصهيوني، وحتى خطة "فك الارتباط" التي يتبجح بها شارون لم تكن سوى إخلاء مستوطنات قطاع غزة وأربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية، لكن في المقابل فرض طوق خانق على قطاع غزة وتمّ توسيع وتوطيد الاستيطان في الضفة الغربية، إلى جانب تسريع عملية تهويد القدس المحتلة وقطع أي اتصال جغرافي بينها وبين الضفة الغربية.

ويتابع زحالقة متحدثا حول نشاط النواب العرب: إن النواب العرب، ورغم الظروف الصعبة وحملة التحريض ضدهم، كانوا الأنشط وحققوا إنجازات ملموسة لصالح المواطنين العرب، ونجحوا في منع تمرير بعض القرارات المعادية للعرب داخل إسرائيل.

ويضيف زحالقة قائلا: لقد بلغت الوقاحة حدّ اعتبار انشغال النواب العرب بقضيتهم الفلسطينية بأنها "تهمة ضدهم"، فهذا حقهم وواجبهم في كشف وفضح سياسة الاحتلال من على منصة الكنيست، لكن الغالبية الساحقة من النواب اليهود لا يروق لها سماع أصوات لا تنسجم مع أصواتها وتغرد خارج السرب الصهيوني. لقد نجح النواب العرب في الدمج بين قضيتهم الوطنية القومية وقضيتهم المدنية كممثلين لأقلية مميز ضدها في وطنها، لكن الأحزاب الصهيونية تطمح إلى ضرب هذا التمثيل وإسكات صوتنا.

الفساد أحد عناوين الحملة الانتخابية

انعكس استفحال الفساد في الدورة المنتهية للكنيست على خطاب الأحزاب والقوائم التي أعلنت عزمها خوض المعركة الانتخابية المقبلة، وتقريبا لم يكن هناك حزب من الأحزاب الكبيرة التي تدور في فلك الحكم إلا وأعلن أنه سيحارب الفساد، لكن من المفارقات أن الفساد مستفحل حتى في هذه الأحزاب.

فمثلا حين يعلن رئيس الحكومة أريئيل شارون نفسه أن الفساد أصبح في مستوى "غير محتمل"، فإنه هو نفسه متورط في ثلاثة ملفات فساد، وتم التحقيق معه في مكتبه، ومقابل أنه خرج "نظيفا"، فقد تورط نجلاه عومري، الذي أدين، وغلعاد لا تزال الذي قضيته رهن التحقيق.

كما أن حزب الليكود، بزعامة بنيامين نتنياهو، أعلن أنه يريد محاربة الفساد، في حين أن هذا الحزب بالذات سجل الرقم القياسي في عدد النواب الذين تم التحقيق معهم في قضايا فساد.

ولم يخرج حزب "العمل" سالما هو الآخر، فإن لم توجه تهم الفساد لأي من نوابه أو وزرائه، فإن زعيمه الجديد، عمير بيرتس، متورط في فضيحة تزييف الانتسابات للحزب في ربيع العام الموشك على الانتهاء، ولا تزال الشرطة تحقق، وقد يصل التحقيق إلى بيرتس نفسه.

لكن هذه العناوين تبقى للاستهلاك الإعلامي، فقضية الفساد ومهما استفحلت فإنها لن تكون القضية الحارقة في الحملة الانتخابية، ولقد أثبتت جميع المعارك الانتخابية في إسرائيل أن الموضوع الحاسم هو الملف الأمني السياسي، وحتى غرق إسرائيل في أوضاع اقتصادية خانقة لا يجعلها تعالج أولا هذا الملف، ولذا فإن الأحزاب لا تقلق البتة من عدد ملفات الفساد التي تلاحق أعضاءها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات