المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • اقتصاد ومجتمع
  • 1157

د. شلومو سفيرسكي، من مركز "أدفه" للعدالة الاجتماعية، جلس في منزله هذا الاسبوع وشاهد بنيامين نتنياهو في أوجه. وزير المالية القى خطاباً لامعًا الى الشعب وأقنعه بأن المغلوبين في هذه الدولة هم الأغنياء بالذات، وليس الفقراء. هؤلاء هم الذين يجب مساعدتهم، قال وزير المالية الجديد، وعلى الفقراء وابناء الطبقة الوسطى تحديدًا، ان يتحملوا هذا العبء. الطبقة الوسطى، التي تعهدت حركة "شينوي" بتمثيلها، ستجد نفسها الآن تحارب من اجل لقمة عيشها وبقائها.

د. شلومو سفيرسكي، من مركز "أدفه" للعدالة الاجتماعية، جلس في منزله هذا الاسبوع وشاهد بنيامين نتنياهو في أوجه. وزير المالية القى خطاباً لامعًا الى الشعب وأقنعه بأن المغلوبين في هذه الدولة هم الأغنياء بالذات، وليس الفقراء. هؤلاء هم الذين يجب مساعدتهم، قال وزير المالية الجديد، وعلى الفقراء وابناء الطبقة الوسطى تحديدًا، ان يتحملوا هذا العبء. الطبقة الوسطى، التي تعهدت حركة "شينوي" بتمثيلها، ستجد نفسها الآن تحارب من اجل لقمة عيشها وبقائها.
"نتنياهو القى خطاباً متلفزًا فصيحا عن نظرية متماسكة، النظرية المحافظة، النظرية الليبرالية الجديدة، من مدرسة ريغان وتاتشر"، يقول سفيرسكي. "ببساطة، خطاب كامل متكامل. يستطيع التنافس بواسطته على رئاسة الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة او على رئاسة حزب المحافظين في بريطانيا، وضمان الفوز بسهولة. لا احد يستطيع تسويق هذه النظرية افضل منه - لكنها، ببساطة، ليست ملائمة لدولة اسرائيل. نتنياهو نسي انه يعيش هنا، لا هناك. لقد اختلطت عليه الأمور، كما يبدو".

- اختلطت عليه الأمور؟

"نعم. هذا ليس ملائمًا لنا. هذا خطاب هدم، خطاب خراب، خطاب مسرحية من الصنف الذي يجيد نتنياهو فقط انتاجه. نتنياهو هو تلميذ مارغريت تاتشر، لكنه في هذه الحالة التلميذ الذي تفوق على معلمته. توم فريدمان، الصحفي في "نيويورك تايمز"، كتب قبل بضعة ايام انه يتعايش جيدًا مع ما يريد جورج بوش تنفيذه. هذا جيد من جهته. لكنه كان يتمنى لو ان طوني بلير هو الذي اطلق تلك التصريحات. ان يدعه بوش يتكلم. طوني بلير يفعل ذلك، حسب رأيه، بطريقة افضل بكثير.

"اشياء مماثلة يمكن قولها عن نتنياهو: انه يحسن بيع للجمهور خطة كارثية بغلاف اللا مفر. انه لا يثير الخوف. الناس، برأيي، يصدقونه".

- ربما لأن مئير شطريت، الذي نشأ وترعرع في بلدة تطوير، كان يجلس الى جانبه؟

"شطريت بالذات أفسد الأمر. ففي تلك المسرحية برر المساس بمستحقي مخصصات الدعم وقال انه يجب وضع حد لثقافة الفقر هذه. سمعته يقول ان على هؤلاء االذهاب الى العمل، ولم افهم عمّ يتحدث، اذ قبل ذلك بدقيقة واحدة فقط اعلن وزير المالية الجديد انه ينوي فصل آلاف العمال من أعمالهم. فالى اين بالضبط سيذهبون؟ من الذي سيشغلهم في ظروف الركود الاقتصادي وانعدام العمل؟ لماذا كل هذا الانقضاض على الناس الذين يعملون ويريدون الاستمرار في العمل؟ لماذا المس بمستخدمي الدولة الذين تلامس رواتب العديدين منهم خط الفقر؟ لماذا ارسال الناس الى الشوارع طالما انه ليس هنالك سبباً وجيهاً وحقيقياً للقيام بذلك؟".

الأموال تحت الفانوس

د. سفيرسكي، المعروف منذ سنوات كواحد من دعاة النضال من اجل المساواة والعدالة الاجتماعية، يعتبر باحثاً عميقًا ورصيناً لا يستخدم التهويل في كلامه. لكن حتى هذا الرجل، الذي ينتقي كلماته بحذر، اضطر الى القول جازمًا، هذا الأسبوع، ان تصريحات نتنياهو في المؤتمر الصحفي وادعاءه بأن "انعدام الأموال في الخزانة" اضطره لوضع خطة التقليصات الجديدة هذه، هي تصريحات غير صادقة.

"أكتب"، يقول، "بيبي (نتنياهو - المحرر) في هذا الموضوع لا يقول الحقيقة. توجد اموال، بل اموال كثيرة، وهي تحت الفانوس بالضبط. سأعطيك بعض الأمثلة. فحصنا، مثلا، كم من المال تم دفعه للمستوطنات، زيادة على التمويل العادي الذي تحصل عليه، فوجدنا انه بلغ خلال العام 2001 اكثر من مليار شيكل. إذهب مع هذا المبلغ الى الوراء، مليار شيكل في السنة، وستدرك هول الفضيحة. هذا المليار، بالمناسبة، هو اضافة الى الملايين الكثيرة التي تصرف لتمويل شق الشوارع الالتفافية، لمصروفات الأمن الزائدة في المستوطنات غير القانونية، وللتخفيضات الممنوحة لأصحاب المصاح التجارية. الكثير الكثير من المال يصرف هناك على حساب المحتاجين الحقيقيين هنا".

مثال آخر: مليار ونصف المليار شيكل تعويض لأصحاب العمل. "أتت وزارة المالية الى أصحاب العمل منذ عدة سنوات وقالت لهم اريد التخفيف عنكم لتحقيق النمو الاقتصادي، وخصصت لهم بضعة مليارات لتغطية جزء من مدفوعاتهم للتأمين الوطني عن العمال. أي انها أرادت تشجيعهم لاستيعاب المزيد والمزيد من العمال. أي، ايجاد فرص عمل جديدة، وليس فصل عمال من أعمالهم.

"تلك المبالغ وصلت الى 10 مليارات شيكل، دون تحقيق أي نتائج. ثم هبطت الى 6 مليارات وكان يفترض ان تتوقف كلياً. لكن حتى في الميزانية الحالية، لم تغفل وزارة المالية هذه الهدية: مليار ونصف المليار شيكل، ولكن بسرية تامة هذه المرة. لقد أخفت وزارة المالية هذا البند. لم يعد موجودًا تحت عنوان تعويض اصحاب العمل، وانما تحت عنوان آخر، وذلك ليس صدفة".

- هل تعمدت إغفال مصروفات الأمن؟

"لم اغفل شيئاً. بدأت، ببساطة، بالمليارات المكشوفة، والسهلة، التي يمكن توفيرها دونما حروب عالمية. ميزانية وزارة الأمن هي قصة اخرى، اكبر، وفيها الكثير الكثير جدًا من الشحم. هناك توجد اموال طائلة بالإمكان أخذها، وتقليصها، من دون المس بأمن الدولة. فبحسب معطيات وزارة المالية، التي تنشر من حين الى آخر، نصف ميزانية الأمن هو للرواتب. انني اعتقد ان الجيش ينبغي ان يحصل على الميزانيات اللازمة، لكن هذا لا يعني ان عائلات أفراد الجيش، وخاصة القيادات العليا من رتبة مقدم وما فوق، ينبغي ان تتمتع، في فترة الطوارىء هذه، برواتب وامتيازات العُشر الأعلى. اذا كانوا يقلصون من الأمهات المعيلات الوحيدات مئات الشواقل من أصل 3،500 شيكل، فليس ثمة ما يبرر القفز عن هذه العائلات وعن المصروفات التبذيرية في اقسام وزارة الأمن المختلفة، بما فيها قسم التأهيل. والحديث هنا عن مليارات ثمينة".

رأسمال أبيض ورأسمال أسود

في حساب احتياطي المال الناقص لوزارة المالية برئاسة بنيامين نتنياهو، ثمة مكانة مرموقة ايضا للرساميل البيضاء والرساميل السوداء. "ليست لدي معطيات موثوقة حول الرساميل السوداء"، يقول د. سفيرسكي، "لكن من يعيش في هذه الدولة يعرف ان هنالك الكثير من الثروات السوداء، وانه بالامكان الوصول اليها. لو انهم فقط يبحثون عنها، لعثروا على كنز هام جدا بمقدوره ان يحل ازمات وجودية للعديد من الناس. المشكلة هي انهم لا يعالجون ذلك، مثلما لا يعالجون بجدية الثروات البيضاء. الانجاز الأهم الذي حققه سيلفان شالوم، ظاهرياً، كان فرض الضريبة على هذه الثروات، ولكن بدلاً من ان تكون نسبة هذه الضريبة 25% كما أوصت "لجنة بن باسات"، قرروا في النهاية الاكتفاء بـ 15% فقط. وحتى هذه لم يطبقوها.

"قالوا - حسنًا، اننا لا نستطيع تنفيذ هذا، فلنبدأ اذن بضريبة استعادة بنسبة 1% فقط. ثم قالوا ان هذه النسبة (1%) مبالغ بها كثيرًا، فلنبدأ بـ 0،5%. وهكذا تحول هذا الموضوع الى نكتة محزنة. وهذا يحدث في دولة يستحوذ رجال الأعمال فيها على ممتلكات مالية تصل الى 1،2 تريليون شيكل ( 1،200 مليار شيكل). أكرر: 1،2 تريليون شيكل. هل تستوعب ما أقول؟".

- أحاول...

"دعني أعطيك معطىً مذهلاً آخر: في بداية التسعينات بلغت استثمارات الاسرائيليين في ممتلكات مالية في الخارج 2 - 3 مليارات. انه رقم مثير، لكنه لا يهزّ أحدًا اليوم. أتعرف لماذا؟ لأن هذا الرقم بلغ مؤخرًا، وفقًا لمعطيات "بنك هبوعليم"، 91 مليار شيكل. حدث هذا بعد ان فتح وزير المالية الأسبق يعقوب نئمان بوابات البلاد للإستثمار في الخارج، في اطار سياسة فتح الأبواب والغاء القيود التي اعتمدها.

"الآن يتوجب على الانسان العاقل ان يسأل نفسه سؤالاً بسيطًا: لماذا يجب ان تساعد الدولة اولئك الذين يمتلكون، بدلاً من ان تساعد الذين لا يمتلكون؟ لماذا يجب ان تأخذ من اصحاب المصالح الصغيرة، ومن العمال الأجيرين، ومن المرضى والعاجزين، ومن الأمهات المعيلات ومن المسنين القليل الذي يمتلكونه وتحوّل الأموال الى اصحاب الثروات والرساميل؟ هل هذا القرار طبيعي؟ اليس هذا جنونًا وقلباً للأمور رأسًا على عقب؟".

- هلا جسدت لي هذا الاتهام بالحقائق؟

"لدي مثال ممتاز من كتاب الميزانية. قررت وزارة المالية في كانون الأول الأخير خفض نسب ضريبة الدخل القصوى الى 49% بصورة تدريجية على مدار 8 سنوات. وأعلنت وزارة المالية ان هذا التنازل لذوي المداخيل العالية سيكلف خزينة الدولة في العام 2003 مليار شيكل. والآن يأتي بنيامين نتنياهو ومئير شطريت ويعلنان انهما قررا تسريع وتيرة هذا البرنامج، وان ثمن التنازل وخفض الضريبة في هذه السنة (2003) سيبلغ 2،5 مليار شيكل.

"ومن الذي، برأيك، سيستفيد من هذا السخاء؟ ذوو المداخيل العالية. ليس لدي شيء ضد هذا البرنامج، لكن لا يمكن الزعيق وطلب النجدة ("لا اموال في الخزينة، مضطرون الى فصل آلالاف من مستخدمي الدولة"، وتعريض حيوات المرضى المعدمين الى الخطر) من جهة، ومن الجهة الأخرى تسريع خفض السقف الضريبي لأصحاب المدخولات العالية في القطاعات المختلفة. هل هذا هو الأمر الملحّ الآن؟ الم يكن بالإمكان تأجيل هذا البرنامج؟ الم يكن بالإمكان، بواسطة هذه المبالغ الطائلة، تجنب جزء كبير من التقليصات وانقاذ آلاف العائلات من الانهيار الاقتصادي؟ كان بالإمكان، بل أكثر. لكن ثمة في وزارة المالية من لا يريد ذلك".

النساء، اساساً

يقول د. سفيرسكي انه لم يكن صدفة ان اختار، في هذه المقابلة، وصف خطاب نتنياهو هذا الاسبوع بأنه خطاب الهدم والتدمير. "اذا كانت التقليصات التي اجراها سيلفان شالوم قد أضرت بالفئات الدنيا الفقيرة، فان وزير المالية الجديد يصوب سهامه الى الطبقة الوسطى ويحاول ضربها. انه ينقض عليها انقضاضاً، يشن هجومًا مباشرًا على مستخدمي الدولة ويحددهم باعتبارهم هدفه الجديد".

هذه المجموعة، حسب سفيرسكي، هي احدى المجموعات الأخيرة التي لا تزال منظمة وقادرة على الدفاع عن نفسها بواسطة اتفاقيات موقعة. ولذلك، فان المس بشروط التقاعد لأعضاء هذه المجموعة، وفصل اعداد كبيرة منهم من العمل، وتقليص رواتب الباقين - ربما بواسطة سن قانون خاص - قد تفع بها الى دوائر الضيق والفاقة. "ما هو تنظيم مستخدمي الدولة؟ انه الطبقة الوسطى الكلاسيكية. ليس الطبقة العليا. واذا اردت الدقة اكثر - انه النساء، بالأساس. أي، ما يسمى الراتب الثاني. انه مبلغ المال الذي يمكّن عائلات كثيرة من التنفس، ومن الطفو فوق سطح الماء، ومن ان تكون عائلة تعيش بكرامة. ليس اكثر من هذا.

"الآن يأتون للمس بهذا ايضاً. حين يتحدثون عن فصل اعداد كبيرة من المستخدمين، فالمقصود اساساً، النساء. فصل مدرسين من المدارس يعني فصل نساء، وفصل ممرضات يعني فصل نساء، وفصل مستخدمي الرفاه يعني فصل عاملات اجتماعيات، والفصل من الجهاز الاداري يعني بالأساس فصل موظفات. خطة نتنياهو تؤدي الى الهدم من اتجاهين: الأول، فصل من العمل وضرب الرواتب، بكل ما يعنيه هذا وما يترتب عنه. والثاني، مس خطير بالخدمات العامة نفسها: الرفاه، والصحة، والاسكان، والتعليم بشكل خاص واساسي. كل من سيرغب في توفير تربية معقولة لأبنائه، او ضمان علاج طبي مقبول لأفراد عائلته، سيكون مضطرًا الى دفع مبالغ اكبر من جيبه. هذا يحدث اليوم ايضاً، انه وضع صعب، لكنه سيصبح أصعب اضعافاً مضاعفة. الطبقة الوسطى ستهزم في هذه المعركة".

- معنى هذا ان الطبقة الوسطى في طريقها الى التحول الى طبقة فقيرة؟

"هذا ما سيحدث، من حيث المبدأ. من الجهة الأولى ستصبح لدينا فئة صغيرة وثرية، تواصل الاغتناء بواسطة الخطة الاقتصادية. ومن الجهة الأخرى، الغالبية الساحقة من الجمهور، أي الطبقة المتوسطة، ستزداد فقراً ولن تستطيع الصمود. هذا الجمهور التزم الصمت في الماضي حين وجهوا له الضربات، وتحمّل التقليصات المختلفة بصمت وهدوء، ونجح في تدبّر اموره بصورة ما بواسطة راتبَين. هذا كله سينتهي الآن. فصل من العمل، وتقليصات، والغاء التثبيتات في العمل، ورفع اسعار المواصلات العامة، والمس بتوفيرات ومخصصات التقاعد - انه اكثر مما يمكن احتماله".

- كيف تفسر تأييد حركة "شينوي" لهذه الاجراءات؟

"الطبقة الوسطى، التي تنطق هذه الحركة باسمها، هي العشر الأعلى، او العشران العاشر والتاسع على الأكثر. اما الطبقة الوسطى الحقيقية فهي العائلات التي فيها معيلان اثنان براتبين غير كبيرين، ومعا يستطيعان تدبر امورهما".

- هذه العائلات، اضافة الى الفقراء، هي التي اعلنت الحكومة الحرب عليها الآن؟

"الفقراء هزموا منذ زمن. انهم على الأرض وليس لديهم أي بصيص من الأمل. الآن دور الطبقة الوسطى للصراع على بقائها. انظر، اذا ما تم تنفيذ هذه الخطوات - وانا آمل ان لا يتم ذلك - فستهزم النقابات المهنية في اسرائيل نهائياً. هذه النقابات لا تتمتع بسمعة طيبة في البلاد، ولكن ما هي النقابات المهنية؟ انها انا وأنت ونحن. انها كل انسان يعمل في مكان عمل منظم، فيه اتفاقيات جماعية ولديه القدرة على حماية العمال من عسف اصحاب العمل.

"اما اذا تلاشت هذه المقوّمات فسيكون بمقدور الحكومات واصحاب العمل تنفيذ كل ما يحلو لهم ضد العمال. سنصبح مثل بريطانيا ما بعد تاتشر. هذا لا يحدث بين ليلة وضحاها، لكنه يحدث: العمال في بريطانيا اليوم هم الأبخس ثمناً في اوروبا الغربية كلها، هم ذوو الأجور الأكثر تدنيًا، وهم - بشكل طبيعي - الأقل إنتاجاً. بريطانيا لا تستطيع اليوم منافسة دول اخرى في اوروبا الغربية، وهذا ما يحدث في اسرائيل. في سنوات السبعين كانوا يتحدثون هنا عن تقدم العمال، وعن ان اجورهم يجب ان تكون بمستوى اوروبي، وعن تطوير ثقافتهم ودراستهم. قالوا ان هذه الخطوات تؤدي الى نمو الاقتصاد.

"اما اليوم فنحن نسير في اتجاه معاكس.هنالك تراجع، والحكومة تقمع العمال وتدوس الطبقة الوسطى. اذا كنا نعمل 35 سنة ونحصل على دخل معين، مع متوسط العمر لدينا، فاننا سنتلقى ذلك بمخصصات الشيخوخة. في اللحظة التي تصبح الحكومة فيها حرة في المس بهذه المخصصات، وكأنها اموالها هي، فان هذا يعني اهتزاز الثقة باستقرار النظام. اصحاب الرساميل سيستفيدون من هذا في الدرجة الأولى، وربما تستطيع الحكومة عبور سنة الميزانية الحالية، بالكاد. لكن دولة اسرائيل ستصبح معوقة، عاجزة. اننا نطلق الرصاص على ارجلنا بأيدينا. ولمن لم يفهم بعد، اننا نقضي على الدولة".

المخلّص على حمار

التلميحات القوية الصادرة عن مسؤولي وزارة المالية وكأن اصحاب الرساميل في اسرائيل يقفون بالدور لدفع الاقتصاد الاسرائيلي الى الامام ولذلك لا يجوز تشديد العبء الضريبي عليهم، تنجح في اخراج باحث مركز "ادفه" عن هدوئه. "استمع الى مسؤولي المالية، من اليمين واليسار، يشرحون لنا منذ سنوات ضرورة التعاون مع المستثمرين والتسهيل عليهم بشتى الطرق، لمنع هروبهم ورساميلهم الى الخارج. اسمع جملا اخرى بهذا المعنى وأسأل نفسي: حسناً، وبعد ان تعاونوا وتساهلوا معهم المرة تلو الأخرى في السنوات الأخيرة، ما الذي حصل حقا؟ هل تحقق النمو الاقتصادي؟

"لم يحصل الكثير، لأن بعض هؤلاء الناس، للأسف، لا يستثمر اموالاً في البلاد منذ سنوات عديدة، والامتيازات التي حصلوا عليها لم تدفعنا الى الأمام قط. أي ان كل آمال المتحدثين الليبراليين الجدد لدينا، من بنيامين نتنياهو وحتى ابراهم (بايغه) شوحط، الذين ينتظرون المسيح المخلص على الحمار الأبيض والمسمى قطاع ارباب العمل، خابت خيبة مدوية، على الأقل".

يوضح سفيرسكي انه من الصعب تقدير الأضرار التي خلفتها الليبرالية الشاملة التي اعتمدها وزير المالية يعقوب نئمان، وانه من الضروري التفكير بالتراجع عن تلك الخطوات. "حدث هذا في اماكن مختلفة من العالم"، يقول، "حتى ماليزيا ادركت حجم الضرر الذي الذي سببه لها ذلك. فقد ابلغت ممثلي صندوق النقد الدولي انها تتنازل عن هذه المتعة، وغيرت الإتجاه فأوقفت تدفق رساميلها الى الخارج. ماليزيا ادركت حجم الخطأ، وهي غير نادمة على ذلك".

- هل ستمر خطة نتنياهو هذه؟

لا يتعجل سفيرسكي الرد على هذا السؤال. "انظر"، يقول، "اذا كنت تقصد مقاومة شعبية للخطة، على غرار ما حصل في دول اخرى، فان احدى بؤر هذه المقاومة، كما يفترض، هي الأحزاب الاشتراكية الدمقراطية. لكن لا يوجد عندنا مخلوق كهذا، كما انه ليست هنالك معارضة في الكنيست. كيف بامكان حزب العمل معارضة هذه الخطة ومقاومتها بينما يعلن وزير المالية الأسبق، شوحط، صراحة، ان توجهاته الاقتصادية هي توجهات ليبرالية جديدة؟

"مَن مِن الممكن ان يثور ايضا؟ الحركات المعارضة للعولمة. لكن هذه الحركة في اسرائيل لا تزال في المهد. الطرف الوحيد القادر، ربما، على افشال هذه الخطة هو الهستدروت. ينبغي ان تكون هذه، برأييي، لحظة الحقيقة بالنسبة الى عمير بيرتس (رئيس الهستدروت الجديدة، نقابة العمال العامة في اسرائيل - المحرر). وقد يكون هذا امتحان القيادة الحقيقي له كرئيس للهستدروت والممثل المفترض لثلثي الشعب في سرائيل، الذين سيتلقون الضربة الكبيرة.

"اذا لم يحارب الآن، فلن تقوم له قائمة بعد اليوم، لا على الصعيد الجماهيري ولا على الصعيد السياسي - الحزبي. سيبقى مع بضع نقابات قوية تسهر على مصالحها وليست بحاجة اليه، في الحقيقة. اذا كان يريد النجاح فسيكون من الواجب عليه اتخاذ قرار شجاع: هل هو حزب، ام هستدروت؟ لا يمكن ان يكون كلاهما معا".

- ماذا سيفعل، برأيك، في هذه المواجهة؟

"لا اريد التنبؤ. وما استطيع قوله هو انه يقف الآن امام قرار مصيري. مصيري للدولة، لأن ثمة أموراً لا يجوز التنازل عنها، اطلاقاً. هنالك بنى تحتية واسس لا يجوز هدمها. البنية التحتية الأكثر اهمية هي ليست المزيد من الشوارع التي يتم شقها وتعبيدها بأيدي عمال أجانب. البنية التحتية الأكثر اهمية هي أجيالنا الشابة. عليها ستدور المعركة الحقيقية. بدونها، لا مستقبل للدولة. ولا اريد ان اخبرك بما سيحدث لدولة بدون مستقبل".

(مردخاي غيلات، "يديعوت احرونوت"، 21/3، الترجمة العربية/ "مـدار")

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات