المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تحليل أخباري
  • 983

لم يشهد تاريخ اسرائيل حكومة كحكومة اريئيل شارون، تفتقر للاغلبية البرلمانية الثابتة، ويكون بامكانها، ليس فقط ان تعيش حوالي تسعة أشهر، لا بل انها تقول لنا ان عمرها اطول من هذا بكثير.

حكومة شارون سجلت الكثير من الارقام القياسية، في عدد نزاعاتها وتفككها، وموتها وقيامها خلال ايام قليلة وساعات، حتى أن رئيسها شارون سجل رقما قياسيا من حيث انه اكبر رئيس حكومة من ناحية العمر، فهو ينهي يوم السبت القادم عامه السابع والسبعين، ولكن ما عليه، فزميله الواقع تحت امرته، الوزير شمعون بيريس، اصبح عمره 81 عاما ونصف العام.

 

حكومة شارون التي ظهرت في حلة موسعة في العاشر من الشهر الماضي كانون الثاني/ يناير، وكان من المفروض انها تضم 64 نائبا من اصل 120 نائبا، عاجزة حتى الآن عن اقرار ميزانية الدولة للعام الحالي، هذه الميزانية التي كان من المفروض ان تقر في نهاية العام الماضي، ولكن القانون يمنح كل حكومة مهلة ثلاثة اشهر اضافية، حتى نهاية آذار/ مارس، وفي نهايته إذا لم تنجح الحكومة في اقرار الميزانية فإنها تنهي ولايتها فورا ويتم التوجه الى انتخابات، ولكن حتى الآن لم تسقط اية حكومة في اسرائيل بسبب الميزانية.

حكومة شارون ذات القاعدة البرلمانية المتفككة، تظهر كـ "الرجل المريض" (المصطلح الذي اطلق على الاستعمار العثماني في الشرق الاوسط في آخر سنواته). وقد نجح شارون في ابقاء حكومته بسبب حالة التفكك الاكبر التي يشهدها البرلمان الاسرائيلي، فإذا قلنا ان الائتلاف الحكومي متفكك، فإن التناقضات بين كتل المعارضة اكبر بكثير، ذلك أنها تجمع أطيافًا من أقصى اليمين المتطرف وحتى الكتل الفاعلة بين الاقلية الفلسطينية في اسرائيل.

واعتمد شارون في مناوراته البرلمانية على تشكيل ائتلافات برلمانية موقتة حسب الموضوع المطروح للتصويت، ولكن لا يمكن ابقاء حكومة لسنوات على اساس المناورات، وساعة الجد قد دنت، فهو حتى الآن عاجز عن اقرار الميزانية، وايضا عاجز عن ايجاد الاغلبية بسبب تهديد 13 نائبا في كتلته الليكود بالتصويت ضد الميزانية بسبب موقفهم المعارض لخطة الانسحاب من قطاع غزة.

 

وحتى الآن يضم الائتلاف 40 عضوا هم اعضاء كتلة الليكود، و13 منهم لا ينصاعون لاوامر الائتلاف وغالبا ما يصوتون ضده مع المعارضة اليمينية، و19 نائبا من كتلة العمل، ونواب كتلتي اغودات يسرائيل (3 نواب) وديغل هتوراة (نائبين)، من الجمهور المتدين الاصولي الاشكنازي، وهم شركاء في الائتلاف مع وقف التنفيذ، إذ انهم اعطوا شارون فرصة 90 يوما سيقررون بعدها إذا ما سيبقون في الائتلاف ام سيتركونه.

ولهذا لم يبق امام شارون سوى اللجوء الى حركة "شاس" الدينية الاصولية الشرقية (السفراديم)، التي اعلنت قبل ايام رفضها للميزانية والانضمام الى الائتلاف الحكومي، وكتلة "شينوي" العلمانية المتشددة التي اعلن زعيمها يوسيف لبيد أول من أمس الاحد انه لا يستطيع تأييد ميزانية تصرف بسخاء على الاصوليين اليهود.

 

أسباب معارضة "شاس"
                                                                                                        

قد يستصعب المراقبون والمحللون السياسيون المختصون بالشؤون الحزبية في اسرائيل الاقتناع كليا بأن حركة "شاس" صادقة في رفضها الانضمام الى الحكومة. فهي حركة اعتمدت منذ دخولها لأول مرة الى الكنيست في العام 1984، على الشراكة في كل ائتلاف حكومي، وتحقيق مكاسب مالية لجمهورها، وعرفت كيف تستغل هذه الاموال لتعزيز مكانتها بين الأصوليين اليهود الشرقيين، ولاحقا بين الشرائح الفقيرة الشرقية، وهذا الأمر حقق لها مكاسب عاما بعد عام، وفي كل انتخابات، ما عدا الانتخابات الاخيرة حيث منيت بخسارة افقدتها ثلث مقاعدها البرلمانية.

لقد ظهرت كتلة "شاس" لأول مرة في انتخابات العام 1984 بحصولها على اربعة مقاعد، وفي كل انتخابات كانت تحقق انجازا. ففي انتخابات 1996 قفزت من ستة مقاعد الى عشرة مقاعد، وفي انتخابات 1999 الى 17 مقعدا، خسرت منها ستة مقاعد في انتخابات 2003.

لقد اضاءت الانتخابات الاخيرة الضوء الاحمر لحركة "شاس"، التي على ما يبدو تسعى للبقاء بقوة على الساحة السياسية، واكثر ما اخافها في الانتخابات البرلمانية الاخيرة هو ان كتلة الند العلمانية المتشددة "شينوي" حصلت على عدد مقاعد اكثر من مقاعدها (15 مقعدا)، ولهذا فبالامكان القول ان اعتبارات زعامة "شاس" في هذه المرحلة بدأت تأخذ بالحسبان، ولأول مرة بهذا القدر، جمهور المصوتين، وليس فقط تحقيق المكاسب المالية كما كان حتى الانتخابات الأخيرة.  خاصة وأن المراقبين يتوقعون ان تخسر هذه الحركة في اية انتخابات مقبلة مقعدين او ثلاثة مقاعد.

حين ظهرت "شاس" في سنواتها الاولى كانت اكثر اعتدالا من الناحية السياسية، ولم تعط وزنا كبيرا للقرار السياسي، وتنقلت بين مواقف تتماشى مع اليسار الصهيوني، ومواقف مع اليمين. فهي، مثلا، حين حصلت على ما تريد من ميزانيات في العام 1993 أيدت اتفاقيات اوسلو، وعند كل تصويت على اي اتفاق مرحلي لاحق كانت تربط تصويتها وموقفها بما تحصل عليه من الحكومة، بمعنى ان مواقفها السياسية كانت مطروحة دائما للمقايضة.

ولكن في السنوات الأخيرة ومع ازدياد جنوح الشارع الاسرائيلي الى اليمين، كان واضحا ان اكثر الجانحين نحو التطرف هم بالذات الشرائح الفقيرة والضعيفة، وهي الشرائح التي تعتمد عليها "شاس" من حيث جمهور الناخبين. وقد عاقب هذا الجمهور حركة "شاس" في الانتخابات السابقة لسببين، الأول غياب النجم الاكبر لهذه الحركة الوزير السابق آرييه درعي، وايضا بسبب تقلبها في المواقف السياسية، ولهذا راينا "شاس" في السنوات الاخيرة ترهن نفسها أكثر فأكثر لمواقف اليمين الصهيوني، على الرغم من انها ايديولوجيا ضد الفكر الصهيوني، وتؤمن بأن اسرائيل الحالية زائلة، وبأن "اسرائيل الحقيقية" سيقيمها المسيح المنتظر حين سيأتي لأول مرة الى العالم.

ولهذا فإن رفض "شاس" مرتبط بأمرين، الأول وهو السبب الاقوى عدم مقدرتها تأييد خطة الانسحاب من قطاع غزة واقصى شمال الضفة الغربية، والسبب الثاني هو رفضها لهيكلية الميزانية، ومطالبتها بتحويل ميزانيات الى الشرائح الفقيرة، وبشكل خاص اعادة رفع قيمة مخصصات الاولاد التي تدفعها مؤسسة الضمان الاجتماعي للابناء الذين هم اقل من 18 عاما.

بالنسبة للقضية الأخيرة فقد فسّرت حكومة شارون رفضها  لرفع قيمة المخصصات على اساس عنصري حين قالت "ان رفع المخصصات سيفيد العرب الذين سيزيدون الولادات وهذا بحد ذاته خطر على اسرائيل"، على حد تعبير وزير المالية بنيامين نتنياهو. وقد بعث شارون ونتنياهو بوزيرة التعليم ليمور ليفنات الى الزعيم الروحي لحركة "شاس" عوفاديا يوسيف لتقول له ان الحكومة على استعداد لتعويض جمهور المتدينين الاصوليين عن تراجع قيمة مخصصات الاولاد بأن تزيد من الميزانيات المحولة لمعاهدهم الدينية، ولكن هذا لا يخدم كل جمهور مصوتي "شاس" ولهذا لم تقبل به كحل وسط.

 

أسباب رفض "شينوي"
 

حركة "شينوي" متلهفة للعودة الى الحكومة، وهي تعلن هذا جهارًا، ولكن تشترط ان يقتصر الائتلاف على احزاب "الليكود" و"العمل" و"شينوي"، واستبعاد جميع الكتل الدينية الاصولية. كما تطالب شينوي بالغاء قرار شارون القاضي بتحويل 65 مليون دولار لجمهور الاصوليين الاشكناز، وهو القرار الذي فتح الباب امام دخول كتلتي الاصوليين الاشكناز الى الحكومة.

وكان هذا القرار وراء خروج "شينوي" من الحكومة في مطلع شهر كانون الاول/ ديسمبر، ولا يمكن لهذه الحركة ان تعود الى الائتلاف من دون الغاء هذا القرار، وهذا ما اعلنه زعيم الحركة يوسيف لبيد، بعد لقائه شارون في بيته مساء السبت الماضي.

أيضا "شينوي" ليست بأفضل حال من "شاس" بالنسبة لجمهور المصوتين، فهي تمثل اكبر جمهور علماني متشدد ضد ابتزازات الاصوليين، على الصعيدين المالي وقوانين الاكراه الديني. وحين كانت "شينوي" في الحكومة لمدة 21 شهرا، لم تنجح بأكثر من حجب ميزانيات زائدة عن الاصوليين، أما من حيث قوانين الاكراه الديني فهي لم تنجح في تحقيق اي تقدم في هذا المجال، ولا شك انه ستتم محاسبتها في الانتخابات القادمة، ولا شك في ان قوتها ستتراجع، خاصة وان جزءا من قوتها المفاجئة، التي قفزت من ستة مقاعد الى 15 مقعدا، كان بسبب البلبلة السياسية والأزمة الخانقة التي شهدها "العمل" و"ميرتس"، حزبا اليسار الصهيوني.

أما من الناحية السياسية فإن "شينوي" تدعم خطة الانسحاب من قطاع غزة.

 

حكومة لبضعة أشهر على ما يبدو
 

الحقيقة ان اخطر المراهنات هي المراهنات السياسية، ولكن المعادلة في البرلمان الاسرائيلي واضحة جدا، فمن المؤكد ان شارون يبحث الآن عن الصيغة السحرية التي ستضمن له اقرار ميزانيته، وعلى الأغلب جدا فإنه سيجدها، وليس بالضرورة من خلال توسيع الائتلاف، فإن نجح في تحييد 20 نائبا وجعلهم يمتنعون عن التصويت فإنه سيقر الميزانية.

ولكن ما هو مضمون ان حكومة شارون لن تستمر حتى انتهاء ولايتها القانونية في خريف 2006. ويستفيد شارون الآن من خطة الفصل، ويعتمد على كتل المعارضة الداعمة لهذا الخطة، ويبلغ عدد نواب المعارضة المؤيدين للخطة حاليا 27 نائبا، هم 15 نائبا من كتلة شينوي، من ضمنهم النائب المنشق يوسيف باريتسكي، و6 نواب من "ياحد ميرتس" و3 نواب من "عام إيحاد"، هذا الحزب بزعامة عمير بيرتس الذي انضم الى حزب "العمل" ولكنه يواصل مرحليا العمل ككتلة مستقلة، وكتلة "القائمة العربية الموحدة" التي تضم النائبين عبد المالك دهامشة وطلب الصانع، والنائب ميخائيل نودلمان المنشق سياسيا عن كتلة "هئيحود هليئومي" اليمينية المتطرفة.

ويتوقع المراقبون ان يكون بامكان حكومة شارون ان تستمر بالعمل حتى نهاية الصيف القادم، وانها ستبدأ مسيرة السقوط الأخير مع بدء اقرار مشروع الميزانية للعام القادم 2006.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات