المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ارشيف الاخبار
  • 800

*فتـوى حاخاميـة: "القسوة هي صفة سيئة لكن عندما تكون هناك حاجة إليها فإنها تصبح صفة جيدة"*

 

  

كشفت إفادات جديدة أدلى بها ضباط وجنود إسرائيليون النقاب عن كونهم تلقوا تعليمات عسكرية، قبيل توغلهم في قطاع غزة، في إطار العملية العسكرية "الرصاص المسبوك"، تطالبهم بالانتحار في حال تعرضوا لعملية أسر على أيدي فلسطينيين، وبقتل زميلهم في حال الاشتباه بأسره.

 

ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت، يوم الاثنين- 26/1/2009، عن شريط مسجل بثته القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي ويظهر فيه قائد كتيبة من لواء "جولاني" يقول لجنوده قبل توغلهم في القطاع، إن "سلاح يوم الحساب الذي تريد حماس تحقيقه هو خطف جندي. وأنا لست بحاجة لأن أقول لكم هذا، لكن لن يتم خطف أي جندي من الكتيبة 51 مهما يكلف الأمر، ولا في أي حال، حتى لو كلف الأمر أن يفجر القنبلة بنفسه وبمن يريد خطفه".

 

 

ونقلت الصحيفة عن جنود قولهم إنهم تلقوا تعليمات بالعمل على إيقاف سيارة في داخلها جندي تم أسره وإدخال القوات إلى المنطقة ومطاردة السيارة. وقال الجنود إن "التعليمات هذه المرة كانت واضحة، ومفادها أن لا يتم خطف جنود بأي حال". وذكر جندي إسرائيلي من وحدة نخبوية، وكان قد توغل في عمق القطاع، أنه تلقى تعليمات كهذه، "فنحن مزودون بوسائل متطورة وأعطونا تعليمات باستخدامها ضد سيارة تنقل جنديا مخطوفا"، أي إطلاق النار على السيارة وقتل كل من في داخلها.

 

كذلك تلقى جنود لواء "جفعاتي" تعليمات مشابهة من قادتهم. وقال أحد الجنود إن قائده أبلغهم قبيل التوغل في القطاع بأنه "ليس مهما ما سيحدث، لكن لن يتم خطف أي جندي، ولن يكون لدينا غلعاد شاليت رقم 2" في إشارة إلى الجندي الإسرائيلي الأسير في قطاع غزة. وقال قائد سرية في الجيش الإسرائيلي "لقد أصدرت تعليمات لجنودي بالمقاومة وعدم الوقوع في الأسر حتى لو لم يخرجوا من ذلك أحياء".

 

ونقلت صحيفة معاريف، عن جنود إسرائيليين شاركوا في العملية العسكرية في القطاع قولهم إنه من أجل منع أسر جندي إسرائيلي صدرت أوامر عسكرية تقضي بإطلاق قذائف باتجاه بيت يتواجد فيه فلسطينيون على أثر وجود اشتباه كبير بأن هناك جثة زميل لهم، ما يعني التنازل كليا عن إمكانية إنقاذ جندي ربما يكون ما زال على قيد الحياة.

 

وذكرت معاريف أن هذا النظام معروف باسم "هنيبال" ويتبعه الجيش الإسرائيلي منذ سنوات الثمانين، وغايته منع أسر جنود إسرائيليين في ميدان المعركة من خلال إطلاق النار باتجاه أية سيارة يتواجد فيها الجندي الأسير. وتم الإعلان عن هذا النظام في أعقاب "صفقة جبريل" في العام 1985، بين إسرائيل والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، وأطلقت إسرائيل خلالها 1150 أسيرا فلسطينيا مقابل ثلاثة جنود إسرائيليين أسرتهم الجبهة في لبنان. ولا يزال هناك نقاش دائر داخل جهاز الأمن الإسرائيلي حول فعالية وأخلاقية نظام "هنيبال". لكن مؤيدي استخدامه يعتبرون أن أسر جندي هو "عملية إستراتيجية وليست تكتيكية" وتجر في أعقابها ثمنا غاليا تضطر إسرائيل إلى دفعه على شكل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين أو عرب.

 

 

الحاخامية العسكرية شجعت الجنود الإسرائيليين

على التعامل بقسوة بالغة مع الفلسطينيين

 

 

من جهة أخرى أفادت صحيفة هآرتس، يوم 26/1/2009، أن الحاخامية العسكرية شجعت الجنود الإسرائيليين، خلال العملية العسكرية في القطاع، على التعامل بقسوة بالغة مع الفلسطينيين، من خلال استخدام رسائل أيديولوجية وجهها غلاة المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية.

 

وقالت هآرتس إنه طوال فترة العملية العسكرية في القطاع، وخصوصا القسم البري منها، امتلأت وسائل إعلام المتدينين اليهود، وفي حالتين مجلة "بمحانيه" الأسبوعية التي يصدرها الجيش الإسرائيلي، بمدائح الحاخامية العسكرية تجاه ضباط وجنود متدينين من الذين يضعون قلنسوات على رؤوسهم وانخرطوا في الوحدات العسكرية الأمامية.

 

وكان الحاخام الرئيس للجيش، العميد آفي رونتسكي، المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة، وعدد من حاخامات الحاخامية العسكرية، قد دخلوا إلى القطاع بضع مرات. وتحدث ضباط وجنود إسرائيليون عن أن مشاعر من "السمو" و"القوة الأخلاقية" انتابتهم بعد محادثات أجروها مع الحاخامات، وعززت معنوياتهم قبيل الدخول إلى ساحة القتال ضد الفلسطينيين. وقال حاخام إحدى الكتائب للمجلة الدينية "بَشيفَع"، إن رونتسكي أوضح لأفراد الحاخامية العسكرية أن دورهم ينحصر في دب "الروح القتالية" في صفوف الجنود وليس "توزيع النبيذ وخبز السبت على المقاتلين".

 

ولفتت هآرتس إلى أن مضمون المنشورات التي تم توزيعها على الجنود شمل أفكارا أيديولوجية سياسية يمينية متطرفة تصل إلى حدّ العنصرية ومخالفة مبادئ القانون الدولي فيما يتعلق بالتعامل مع المدنيين الفلسطينيين. وأوضحت الصحيفة أن بعض هذه المنشورات وصل إليها من حركة "نكسر الصمت"، وهي حركة أسسها جنود مسرحون ويعملون على جمع أدلة حول سلوك قاس يمارسه الجنود الإسرائيليون ضد الفلسطينيين. كما حصلت الصحيفة على القسم الآخر من المنشورات من ضباط وجنود تلقوها خلال العملية العسكرية.

 

وجاء في "كراسة تعليم التوراة اليومية لجنود وضباط عملية الرصاص المسبوك"، التي وزعتها الحاخامية العسكرية، أن "ثمة حظرا إلهيا على التنازل عن مليمتر واحد منها (أي من "أرض إسرائيل") لصالح الأغيار (أي غير اليهود)، من خلال فذلكة نجسة وفكرة الحكم الذاتي السخيفة أو الجيب وغير ذلك من مظاهر الضعف الوطنية. لن نضعها في أيدي شعب آخر، ولا حتى إصبعا واحدًا منها، أو حتى قطعة من ظفر".

 

كذلك تم توزيع كراسة شملت "مقاطع من كتب الحاخام شلومو أفينير"، وهو رئيس المعهد الديني "عطيرت كوهانيم" في الحي الإسلامي في البلدة القديمة في القدس وأحد أكبر غلاة المتطرفين. وجاء في هذه الكراسة أنه "إجابة عن سؤال: هل بالإمكان مساواة فلسطينيي اليوم بالفلسطينيين القدماء (المذكورين في التوراة)؟ وإذا كان بالإمكان ذلك، هل يمكن التعلم من أساليب المواجهة العسكرية لشمشون وداود وتطبيقها في أيامنا؟"، يقول أفينير إنه "بالإمكان المساواة، لأن الفلسطينيين القدماء لم يكونوا أبناء المكان وإنما جاؤوا إليها غزاة من بلاد أجنبية... وغزوا أرض إسرائيل وهي بلاد ليست لهم وادعوا ملكيتهم على بلادنا... والمشكلة مشابهة في أيامنا. ويدعي الفلسطينيون أنهم يستحقون دولة هنا، بينما في الحقيقة لم تكن أبدا في حدود بلادنا دولة فلسطينية أو عربية. وليس هذا وحسب، وإنما معظمهم جديد وجاء قبل فترة قصيرة من اندلاع حرب الاستقلال" في العام 1948.

 

كذلك استعرضت الحاخامية العسكرية، التي اعتمدت على أفينير، نمطا سلوكيا نصحت الجنود باستخدامه وينص على أنه "عندما نرحم عدوا قاسيا، فإننا نقسو بذلك على الجنود (الإسرائيليين) الأبرياء والمستقيمين. وهذا أمر يفتقر للأخلاق وهو أمر فظيع ومروع. إذ أن الحديث هنا لا يدور على ألعاب في اللونا بارك حيث تلزم الأخلاق الرياضية بوجوب التنازل، وإنما الحديث هنا يدور على حرب ضد قتلة. وفي الحرب ينبغي التصرف كما في الحرب".

 

وجاء في نشرة عممها الحاخامان حين حلميش ويوفال فرويند، وكلاهما من دائرة التوعية اليهودية في الحاخامية العسكرية، أن "أعداءنا استغلوا القلب الإسرائيلي الرحيم والحنون. وينبغي عدم التعامل برحمة مع القساة".

 

وبرر الحاخام أفينير الغارات الجوية على القطاع قائلا إنه "أحيانا يكون بالإمكان القضاء على العدو عن بعد وبصورة أسهل من القتال بحربة وما شابه. والقسوة هي صفة سيئة لكن كل شيء يبقى مرهونًا بوقته... وأحيانا حارب آباؤنا المقدسون العدو بقسوة لأنه فقط بهذا الشكل كان بالإمكان محاربته... وها هي القاعدة: القسوة هي صفة سيئة، لكن عندما تكون هناك حاجة إليها فإنها تصبح صفة جيدة".

 

إلى جانب ذلك تمكنت تنظيمات يمينية متطرفة من تهريب كراسات تضمنت رسائل أكثر تطرفا إلى قواعد الجيش الإسرائيلي. ووصل أحد هذه المنشورات إلى كنيس في قاعدة "تسيئيليم" وكان موقعا من قبل "تلاميذ الحاخام يتسحاق غينزبورغ"، الذي كتب مقالا يمتدح فيه السفاح باروخ غولدشتاين الذي ارتكب المجزرة في الحرم الإبراهيمي وقتل 29 فلسطينيا في العام 1994. ودعا المنشور الجنود إلى "حماية حياة زملائكم وحياتكم وعدم الاهتمام بالسكان (الفلسطينيين) الذين يحيطون بمن يريدون المس بنا. إننا ندعوكم إلى العمل بموجب القاعدة 'إن جاء ليقتلك فبكر واقتله'... وبالنسبة للسكان، فإنهم ليسوا أبرياء، وإنما يتسترون على الجريمة! وتؤكد التوراة على أن 'الويل للشرير والويل لجاره'. ونحن ندعوكم إلى التسامي عن النظريات الغريبة والأوامر التي تشوش مجرى القتال المنطقي، وأن: أبيدوا العدو".

 

وطالب المحامي ميخائيل سفاراد، ممثل حركة "نكسر الصمت"، في رسالة وجهها إلى وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، ورئيس هيئة أركان الجيش، غابي أشكنازي، بإقالة الحاخام العسكري رونتسكي. وشدد سفاراد على أن رونتسكي "استغل منصبه وحرية وصوله إلى الجنود الإسرائيليين من أجل ترويج أيديولوجيا قومية وأفكار سياسية". ورفض مكتبا باراك والناطق العسكري الرد على رسالة سفاراد بصورة علنية وقالا إنه سيتم الرد عليها بصورة شخصية.

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت, هآرتس, باراك

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات