وجهت صحيفتا "يديعوت أحرونوت" و"معاريف" اليوم الاثنين 19/9/2005 انتقادات شديدة تجاه وحدة التحقيقات مع أفراد الشرطة في وزارة القضاء الإسرائيلية ("ماحش")، في أعقاب نشرها تقريرا يوم 18/9 تضمن نتائج تحقيقها في مقتل 13 مواطنا عربيا في إسرائيل برصاص الشرطة الإسرائيلية خلال أحداث تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2000.
وكانت "ماحش" قد قررت في تقريرها عدم تقديم لائحة اتهام ضد أي من أفراد الشرطة الإسرائيلية ليأتي ذلك مناقضًا لتوصيات لجنة التحقيق الرسمية في أحداث أكتوبر 2000 برئاسة قاضي المحكمة العليا الإسرائيلية ثيودور أور وعرفت هذه اللجنة باسم "لجنة أور".
وكتبت الصحفية ياعيل غفيرتس في "يديعوت أحرونوت" مقالا قالت فيه إن الفارق الكبير بين تقرير "ماحش" الصادر أمس وبين تقرير "لجنة أور" الصادر قبل سنتين يكمن في أن تقرير "ماحش" يأتي في إطار "ذرائع الشرطة".
ولفتت الكاتبة إلى أن "لجنة أور" كانت قد رفضت في حينه "الذرائع" التي قدمها إليها محققو "ماحش" وزعموا فيها أن هناك أسبابا حالت دون تمكنهم من التحقيق والتوصل إلى المسؤولين عن مقتل 13 مواطنا عربيا في إسرائيل في الفترة التي تلت الأحداث مباشرة.
وأضافت أن "لجنة أور" كانت قد أشارت أيضا إلى "الظاهرة المرفوضة" المتمثلة بـ"أخوّة المقاتلين" بين ضباط الشرطة الذين عملوا على إخفاء الحقيقة "والمماطلة في التحقيق من جانب المحققين" في "ماحش".
يشار إلى أن رئيس "ماحش"، هرتسل شبيرو، كان قد ادعى خلال مؤتمر صحفي عقده أمس انه لم يكن بالإمكان إجراء تحقيق في موازاة عمل "لجنة أور" ولذلك تقرر إرجاء التحقيق إلى حين انتهاء لجنة التحقيق الرسمية من عملها.
لكن غفيرتس أكدت في مقالها أن "لجنة أور" طالبت "ماحش" بإعادة التحقيق في مقتل المواطنين الـ13 وأنه لو جرى التحقيق في وقته "ولم تماطل ماحش لما كان ذلك سيؤدي إلى التوصل للمسؤولين فحسب بل إن إقامة لجنة التحقيق كان سيعتبر أمرا غير قانوني. وبدلا من أن تزود ماحش اللجنة بأدلة قاطعة، أرسلت إليها صناديق من الذرائع".
وأضافت الصحفية أن تقرير "ماحش" لم يكن مفاجئا، لكن هذا التقرير يمثل "إغلاقا ينطوي على غبن لنهج ملتو امتد لخمس سنوات بعد إطلاق (الشرطة) النار على مظاهرة مدنية".
وتابعت غفيرتس انه "بعد أن تلقت ماحش انتقادات من اللجنة نشرت أمس تقريرا هو هدف ذاتي في مرماها لأن تقريرها هو اعتراف بالفشل في التحقيق والتوضيحات التي رافقت نشر التحقيق تؤكد الشعور القائم أصلا وهو عدم قدرة ماحش على إجراء تحقيق مناسب في أعمال الشرطة".
من جانبه كتب المحلل في الشؤون القانونية في صحيفة "معاريف"، موشيه غورالي، أنه "يتوجب التحقيق مع ماحش" منتقدا وضع "ماحش" نفسها في مستوى قضائي فوق "لجنة أور".
وأضاف أن "التقرير الذي نشر أمس مستهجن ليس على مستوى النتائج فحسب وإنما على مستوى الادعاءات لأن ماحش قلبت رأسًا على عقب كافة النتائج الطبيعية التي توصلت إليها لجنة أور التي يرأسها قاضي المحكمة العليا، فقد ألغت ماحش كل نتيجة توصلت إليها اللجنة.
"وفي المكان الذي أقرت لجنة أور انه لم يكن أي مبرر لإطلاق النار قالت ماحش إنه لا يمكن نفي المبرر لإطلاق النار، وفي المكان الذي تقرر أن الشرطة أهملت فيه قالت ماحش إنه لا يمكن النفي بأن أداء أفراد الشرطة كان قويما".
وأضاف غورالي "ثمة شك كبير حول تجاوز ماحش لصلاحياتها ووضعها تقريرا لن يصمد في أي امتحان معقول".
ولفت الكاتب إلى أن "وزارة القضاء تواجه مشكلة لأن المدعي العام الإسرائيلي الحالي عيران شندر كان رئيس ماحش السابق وسيخضع أداؤه هو لامتحان. إضافة إلى ذلك، إذا تم تقديم التماس إلى المحكمة العليا فإن القضاة سيطالبون بالنظر في (توصيات) لجنة ترأسها زميلهم السابق ثيودور أور"، الذي خرج في هذه الأثناء إلى التقاعد.
في مقابل ذلك صدرت صحيفة "هآرتس" اليوم الاثنين في موقف مستغرب حيث تبنت المزاعم الواردة في تقرير "ماحش" رغم ادعائها بأنها الصحيفة الليبرالية في إسرائيل.
واستعرضت "هآرتس" في خبر مقتضب وقصير المؤتمرين الصحفيين اللذين عقدهما أمس رئيس "ماحش" هرتسل شبيرو من جهة وقيادة الأقلية العربية وأهالي الشهداء ومركز عدالة من الجهة الأخرى، لكنها خصصت القسم الأكبر من هذا الخبر لاستعراض مزاعم شبيرو وتبريره مقتل المواطنين العرب الـ13 برصاص الشرطة الإسرائيلية دون التطرق بتاتا لما جاء في المؤتمر الصحفي الآخر وإنما أشارت فقط إلى أن "العرب ردوا بشدة على قرار ماحش".
وفيما لفتت "هآرتس" إلى التناقض بين تقرير "ماحش" وتقرير "لجنة أور" رأت الصحيفة الإشارة إلى "حجم الخطر على أفراد الشرطة أثناء إطلاقهم النار" على المواطنين العرب.
وكان شبيرو قد ادعى أن "أفراد الشرطة وبضمنهم القناصة أطلقوا النار على المتظاهرين العرب دفاعا عن النفس" رغم أن "لجنة أور" ورئيس الوزراء السابق ايهود باراك ووزير الأمن الداخلي الأسبق شلومو بن عامي قد أكدوا على عدم وجود أي داع لإشراك قناصة الشرطة في قمع المظاهرات في مطلع أكتوبر 2000.
كذلك نقلت "هآرتس" موقف "ماحش" بأنها بدأت التحقيق "فيما يداها مكبلتان خلف ظهرها"، على حد تعبير شبيرو، وذلك دون ذكر تحفظ "لجنة أور" من أداء "ماحش" ومماطلتها في التحقيق.
وواصلت الصحيفة الحديث عن "أحداث عنيفة" في إشارة إلى مظاهرات المواطنين العرب لتبرر عدم إجراء "ماحش" التحقيق بزعم أن "جمع الأدلة والمعطيات كانت تشكل خطرا على المحققين".
وتابعت "هآرتس" أن "المحققين واجهوا مصاعب بينها رفض مواطنين عرب وأقارب القتلى التعاون في حالات كثيرة" لتنقل بذلك ادعاءات "ماحش" دون تحفظ ودون نشر رد العرب وخصوصا رد أهالي الشهداء على هذا الادعاء.
من جانبه رأى المراسل للشؤون العربية في موقع "معاريف" الالكتروني، ايتمار عنبري، في مقال نشره يوم 19/9 أن يوم 18 أيلول/ سبتمبر الذي قدمت فيها "ماحش" تقريرها سيذكر على أنه "اليوم الذي فقد فيه مواطنو إسرائيل العرب الثقة بمؤسسات الدولة بشكل نهائي وعلى أنه يوم اسود من السواد في تاريخ دولة إسرائيل".
ووصف عنبري قرار "ماحش" بعدم محاكمة قناصة الشرطة، الذين استخدموا الرصاص الحي ضد مواطنين عرب أرادوا التعبير عن احتجاجهم الشرعي، بـ"المخزي".
ولفت إلى أن هذا التقرير هو "محطة جديدة في سلسلة الجرائم التي نفذتها الدولة ومبعوثوها من أفراد الأمن ضد مواطنيها العرب".
وذكّر عنبري بجرائم إسرائيل بحق مواطنيها العرب منذ مجزرة كفر قاسم في العام 1956 ويوم الأرض في العام 1976 وقتل مواطن من قرية مجد الكروم في العام 1977 عندما جاءت قوة من الشرطة لهدم بيته.
وكتب أن "كل واحد من هذه الأحداث أدى إلى حدوث شرخ في المصطلح الكاذب المسمى: المواطنة المتساوية، وأوضح للعرب مواطني إسرائيل أن دمهم مباح فيما تتعامل قوات الأمن باعتدال مع من يشتمونهم ويسكبون عليهم الزيت وحامض الكبريتيك"، في إشارة إلى المستوطنين.
وتابع عنبري أن "تقرير ماحش أدى إلى تصدع آخر وإلى دفن وهم التعايش بشكل نهائي. ولن تتمكن الدولة بعد الآن من النظر في أعين أبناء عائلات الشهداء والقول لهم إنها لا تفرق بين دم ودم".
وأكد عنبري أن تقرير "ماحش" سيحظى "بمكانة مرموقة في الوثيقة السوداء" (تعدها لجنة المتابعة العليا لشؤون المواطنين العرب في إسرائيل لرفعها إلى هيئات دولية، وجاءت الفكرة بشأنها في أعقاب وقوع مجزرة شفاعمرو). وفي رأيه "ربما سيتم إدراج هذا القرار تحت عنوان أيلول الأسود".