استحوذت التطورات الأخيرة المتعلقة بالملف النووي الإيراني على اهتمام واسع في إسرائيل التي تتابع بـ "قلق شديد" و"همة عالية" منذ عدة سنوات كل شاردة وواردة تتصل ببرنامج إيران الذري الذي باتت دوائر صنع القرار السياسي والعسكري في تل أبيب ترى فيه "الخطر والتهديد الإستراتيجي الأكبر" للدولة العبرية.
وقد خصصت الصحف العبرية الصادرة في اليومين الفائتين حيزاً واسعاً ومهماً لتغطية آخر المستجدات والتحركات على هذا الصعيد، مبرزة على صدر صفحاتها الأولى تصريحات رئيس الجمهورية الإيرانية محمود أحمدي نجاد التي وردت في خطابه (السبت الماضي) أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك وعقب عودته إلى طهران والتي أكد فيها حق بلاده في مواصلة دفع برنامجها النووي قدماً ورفضها أي تنازل جديد بشأن أنشطتها النووية وبضمنها أنشطة تخصيب اليورانيوم التي تطالب الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي بوقفها كشرط مسبق لعدم إحالة الملف النووي الإيراني بأكمله على مجلس الأمن الدولي.
وعكست الصحف العبرية، في نطاق تغطيتها هذه للأزمة الراهنة التي يثيرها برنامج إيران الذري في الساحة الدولية، مجمل المواقف والتحركات وردود الفعل المتوجسة الصادرة عن مختلف الأوساط الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية المهتمة بتطورات ملف "الخطر النووي" الإيراني، مبرزة في شكل خاص تصريحات منسوبة لمصادر رفيعة في حاشية رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون المتواجد في نيويورك، عبرت فيها عن "أملها في أن يتخذ المجتمع الدولي خطوات عملية للجم التهديد الذري الإيراني" إذا فشلت الجهود الدبلوماسية الراهنة في "تسوية الأزمة" مع طهران.
وكان وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم قد اتهم إيران أخيراً بمحاولة "إغراء الدول الغربية بالمال والعقود" كي تتغاضى عن الأنشطة النووية الإيرانية. ونُقِلَ عن شالوم قوله في تصريح أدلى به للإذاعة العسكرية الإسرائيلية إن "الإيرانيين يحاولون دائماً إغراء الدول الغربية بالمال وبعرض عقود على شركاتها الخاصة والعامة" في إطار برنامج إيران الذري. وأضاف وزير الخارجية الإسرائيلي "في الواقع هدفهم الحقيقي- أي الإيرانيين- هو كسب الوقت لتجاوز الصعوبات التقنية التي يلاقونها في إنجاز برنامجهم النووي".
وتتفاوت التقديرات في إسرائيل بشأن الفترة الزمنية التي يمكن أن تنجح فيها إيران في امتلاك أول سلاح ذري تنفيذي، ففيما قدرت محافل في الاستخبارات الإسرائيلية في وقت سابق هذه الفترة بسنة إلى ثلاث سنوات، قال وزير الخارجية سيلفان شالوم في تصريحه الأخير "حسب تقديراتنا يفترض أن يتمكن الإيرانيون من التحكم في تكنولوجيا صنع القنابل الذرية في غضون ستة أشهر".
وتوطئة للاجتماعات التي ستعقدها الوكالة الدولية للطاقة الذرية (ابتداء من يوم الاثنين) والتي ينتظر أن تقرر فيها الخطوات التي ستتخذها إزاء رفض إيران المطلب الأوروبي والأميركي بوقف نشاطاتها المتعلقة بتخصيب اليورانيوم، لخص المراسل السياسي لصحيفة "هآرتس" (الاثنين) "ألوف بن" ما وصفه في عنوان منفصل بـ"موقف إسرائيل"، بعدما استعرضت الصحيفة في تقرير موسع مواقف مختلف الأطراف والدول الأخرى تمهيداً لاجتماعات وكالة الطاقة الذرية، مقتبساً عن مصادر رفيعة في الوفد المرافق لرئيس الوزراء أريئيل شارون قولها إن إسرائيل ستصاب بـ"خيبة كبيرة إذا لم يُقرر مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية (تتألف عضوية المجلس من 35 دولة) في اجتماعاته هذا الأسبوع إحالة معالجة برنامج إيران النووي إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" والذي يمتلك صلاحية فرض عقوبات على إيران إذا لم تستجب لإرادته. وحذرت ذات المصادر من أن ذلك سيشكل "عجزاً وإفلاساً من جانب المجتمع الدولي" لا سيما في ضوء ما وصفته بالموقف المتصلب الذي عبَّر عنه الرئيس الإيراني في خطابه السبت الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ونقل "بن" عن مسؤول رفيع في حاشية شارون تقديره أن مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية "سينفض دون اتخاذ أي قرار" بالاتجاه الذي ترغبه إسرائيل والولايات المتحدة. وانتقد هذا المسؤول، الذي لم يذكر اسمه، الموقف الأوروبي الذي يرفض التلويح باستخدام القوة ويفضل مواصلة المساعي الدبلوماسية مع طهران.
ومن المعلوم أن إسرائيل التي "تضع كل ثقلها" خاصة في أروقة صنع القرارات في واشنطن، لدفع "المجتمع الدولي" وقطبه الأوحد (الولايات المتحدة) نحو فرض عقوبات مادية على إيران لإرغامها على التخلي عن برنامجها النووي، تدرس وتستعد في الوقت ذاته لإمكانية اللجوء للخيار العسكري (الإسرائيلي أو الإسرائيلي - الأميركي) كوسيلة محتملة لحرمان إيران من امتلاك "الخيار الذري"، وقد وجد هذا التوجه (الرسمي) الإسرائيلي تعبيراً واضحاً له في العديد من الوثائق والأوراق التي صدرت مؤخراً عن محافل نافذة في صنع القرار في إسرائيل والتي تؤكد أن "الخطر النووي الإيراني" بات في صلب الهواجس الإسرائيلية الإستراتيجية الراهنة. فقد أعادت الوثيقة الصادرة عن "مؤتمر هرتسليا الخامس" (عممت بالعبرية في أيار الماضي وصدرت مترجمة إلى العربية عن مركز "مدار" في شهر آب من هذا العام) التأكيد على أن "التهديد النووي الإيراني هو التحدي الإستراتيجي الأول والأكبر الذي تواجهه إسرائيل في الوقت الراهن" وخلصت إلى أنه و"إذا لم تستجب (طهران) - للجهود والمساعي الدولية - فإن السبيل الوحيد لثنيها عن مساعيها (نحو امتلاك سلاح ذري) هو فرض عقوبات اقتصادية والسعي إلى الإطاحة بالنظام الحاكم فيها وحتى توجيه ضربة عسكرية لها".
من جهة أخرى فقد وضعت النشرة الإستراتيجية الصادرة عن معهد "يافه" للدراسات الإستراتيجية في جامعة تل أبيب في نهاية العام المنصرم موضوع "الخطر النووي الإيراني" في صدارة مواضيعها مبينة بشكل لا يقبل التأويل أن تل أبيب "تدرس فرص واحتمالات نجاح الخيار العسكري" الإسرائيلي في "لجم الخطر النووي الإيراني".