دخل الصراع على الشرق الأوسط وفيه مرحلة جديدة مع دخول الدبابات الأميركية إلى بغداد. لكن النصر السريع والسهل الذي حققته قوات ما يسمى بالتحالف لا يجب أن ينسينا حقيقة أن الحرب على العراق لم تكن ضرورية أو حتمية بل كانت عملاً إرادياً اختيارياً يمكن تجنبه، فضلاً عن أنها شكلت عدوانا واضحاً لأنها تمت خارج إطار الشرعية الدولية وبالمخالفة لأحكام القانون الدولي.
في خطاب الى مجلس الشيوخ الأميركي في 19 من الشهر الماضي، يوم اطلاق الحرب على العراق، تساءل السناتور الديموقراطي روبرت بيرد، وهو من بين أبلغ خطباء الكونغرس: "ما الذي يحصل لهذا البلد؟ متى أصبحنا أمة تتجاهل اصدقاءها وتهينهم؟ متى قررنا المخاطرة بالنظام الدولي عن طريق اتخاذ موقف راديكالي متعصب باستعمال قوتنا العسكرية المهولة؟ كيف يمكننا التخلي عن الديبلوماسية في الوقت الذي يتطلب العالم هذه الديبلوماسية بالحاح؟". ولم يهتم أحد بالأجابة. لكن الأسئلة تطرح نفسها بقوة اليوم، مع بوادر تهيؤ الآلة العسكرية الأميركية الجبارة التي زرعت في العراق للاستدارة الى أهداف اخرى - وذلك باسم الشعب الأميركي وحبه للحرية وقيمه العميقة - وما يشير اليه ذلك من الفشل أو الفساد الذي تعاني منه ديموقراطيتنا.
في مطلع الثمانينيات التقت الراديكالية الأميركية (رونالد ريغان) بالراديكالية الإسرائيلية (مناحيم بيغن) في ظل تجدّد الحرب الباردة على صعيد عالمي وانكسار موازين القوى مع إسرائيل بعد كامب ديفيد. حوّل أرييل شارون هذه المعطيات إلى مشروع إمبراطوري صغير. سعى إلى طرد منظمة التحرير من لبنان، وتنصيب سلطة موالية، وإضعاف سوريا، وإلقاء القبض، نهائياً، على الضفة الغربية المحتلة. لم يكن يمانع في اقتتال أهلي في الأردن.
مرة أخرى تحلّ بالعرب هزيمة نسمّيها نكبة، فجيعة، كارثة، مأساة، زلزال، بل يُقال كأن ما كان، كان إكذوبة كبرى. وها نحن ندخل في حالة إحتلال آخر تذكّرنا بأننا نعيش تراجيديا متواصلة لا نعرف متى تنتهي وماذا ستكون نتائجها. ومهما كان، لا بدّ لنا، كما حدث إثر كل فجيعة، من التساؤل: كيف نفهم ما حدث وما أسباب هزائمنا وما العمل للخروج من الحالة التي وصلنا إليها؟
الصفحة 66 من 81