في 1967, جادل العالم السياسي صاحب نظرية "صدام الحضارات" صموئيل هانتنغتون بأن السلوك الذي كان "مقبولاً ومشروعاً وفقاً للأعراف التقليدية, يصبح غير مقبول وفاسداً اذا ما نظرنا اليه بعين الحداثة", مستنتجاً ان عمليات التبادل التقليدية في المجتمعات الإرثية في ما يسمى العالم النامي اليوم (تبادل العطايا والمحاباة ومعاملة المنصب العام باعتباره ملكية شخصية) قد دخلت مرحلة انحطاط مع توجه هذه المجتمعات نحو الحداثة. فالأخيرة إنما تحول هذا المألوف الى ما يمكن اعتباره موضوعاً للعقاب والفضيحة. ذلك ان تحديث الحكومة وتقوية المجتمع المدني يُعدان من المكوّنات الاساسية للاستراتيجية المضادة للفساد, كونهما يضمنان تطبيق القوانين التي تتيح الانكشاف المالي, وتقديم تقارير منح الرشاوى وفرض عقوبات على الكسب غير المشروع.
عندما حثّني الصديق و المناضل والشخصية الوطنية الفلسطينية البارزة عبدالله الحوراني (ابو منيف) على ضرورة ان اطرح على ابناء شعبنا حيثيات موقفنا من خطة شارون وضرورة التصويت ضدها، وجدت نفسي استعيد السؤال الذي طرحه الصديق الدكتور زهير الطيبي في اجتماع قيادة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، الذي تباحثنا فيه في كيفية تصويت كتلتنا البرلمانية في الكنيست على خطة شارون.
تدأب إسرائيل، في الآونة الأخيرة، على الظهور في مظهر المبادر إلى خطوات ترمي من ورائها إما إلى الحؤول دون قوننة العنصرية أو إلى عدم إخضاع وجود العنصرية الشّاطة وأحكامها في الواقع إلى اختبار القانون.
تقبع حوالي 60 بالمئة من العائلات العربية في إسرائيل تحت خط الفقر، وتفتقر إلى غالبية الوسائل التي يمكن لها أن تحسن حالتها. وتضاف إلى هذا الواقع حالة الاختناق الاقتصادية السائدة في غالبية السلطات المحلية العربية، التي تشكل الإطار الاقتصادي الأوسع (الماكرو) للسكان العرب، وبمثابة إدارته العامة. تدنو السلطات العربية، حاليا، من حالة إفلاس مالي تهدد بالقضاء على خدمات الرفاه الاجتماعي والخدمات البلدية، التي يحتاجها مواطنوها كحاجتهم الى الهواء للتنفس. ولا يقل عن ذلك أهمية كون السلطات المحلية العربية المشغلَ الأكبر في الاقتصاد العربي المحلي، وبالتالي فإن الضائقة التي تعانيها هي عمليا ضائقة تلحق بآلاف العائلات. الوسائل التي من شأنها اختراق هذه الحلقة المفرغة هي الاستثمار في الإنسان نفسه، وتطوير اقتصاد محلي قادر على الصمود، والمبادرة الفردية، والاستثمارات واقتلاع الحواجز البنيوية. لا تحظى هذه العوامل والوسائل برعاية وعلاج، كما أن غالبيتها محاصر بالانغلاق الحكومي وبالتمييز. فقد أظهر تقرير لفحص مستوى وأوضاع التعليم العربي، أصدرته لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، أن الفجوة في التحصيل العلمي بين التلاميذ العرب واليهود تواصل الاتساع سلبا بسبب التمييز المستمر في تخصيص الموارد، وبسبب التدخل الفظ للسلطة في مضامين التعليم.
الصفحة 39 من 81