عندما حثّني الصديق و المناضل والشخصية الوطنية الفلسطينية البارزة عبدالله الحوراني (ابو منيف) على ضرورة ان اطرح على ابناء شعبنا حيثيات موقفنا من خطة شارون وضرورة التصويت ضدها، وجدت نفسي استعيد السؤال الذي طرحه الصديق الدكتور زهير الطيبي في اجتماع قيادة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، الذي تباحثنا فيه في كيفية تصويت كتلتنا البرلمانية في الكنيست على خطة شارون.
قال الدكتور زهير: الموقف من أي خطة يجب ان يتحدد بعد الاجابة على السؤال المركزي: هل هذه الخطة ستقود الى التقدم نحو السلام العادل وفي انجاز الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ام لا؟
وجوابه كان لا واضحة.
ان خطة شارون تهدف عمليا الى تغليف تكريس الاحتلال والاستيطان وهو الذي يشكل الخطة الاساسية والمركزية التي يسير شارون بموجبها.
عوضا عن الاستعراض التقليدي والتحليل السياسي الدارج سنحاول فيما يلي الاجابة على الاسئلة المتداولة في سوق القلق السياسي المشروع وفي سوق المضاربات السياسية ايضا.
السؤال الاول:
هل خطة شارون هي خطة فصل؟
الجواب لا.
يقول عقيبا الدار المحلل السياسي البارز في صحيفة هآرتس، ان قطاع غزة سيكون اشبه ما يكون بسجن كبير اذا ما جرى تنفيذ خطة الفصل، والنية الاسرائيلية تتجه نحو اغلاق جميع المنافذ من والى قطاع غزة ( انظر اغلاق المنطقة الصناعية في ايرز).
ستواصل اسرائيل وتحكم سيطرتها على المعابر البرية من والى القطاع بما في ذلك محور فيلادلفي ومعبر رفح بين مصر والقطاع، كما ستبقي على سيطرة اسرائيل على البحر وعلى تعطيلها للمطار، وكما يقول شارون وقادته العسكريين: فان الخطة لن تمنع عمليات جراحية عسكرية في داخل القطاع (أنظر الفصل الثالث (أ) وبنوده الثلاثة في الخطة المطروحة على الكنيست للتصويت).
الموضوع اذا هو اعادة انتشار لقوات الاحتلال لاحكام السيطرة على القطاع.
لكن فيما يسبق ذلك فان البند الاول من القرار الحكومي المطروح للتصويت في الكنيست ينص على ما يلي: "الحكومة تصادق على خطة الفصل المعدلة الا ان هذا القرار لا يعني اخلاء المستوطنات" (حرفيا).
السؤال الثاني:
هل خطة الفصل او اعادة الانتشار هي كل مشروع شارون؟
خطة اعادة الانتشار في غزة او ما يسمى بخطة الفصل تشكل احد التفاصيل غير الاساسية في المشروع الكبير الذي يعمل شارون على تطبيقه بالعنف الدموي وبالدبلوماسية على حدّ سواء.
وارجو لاحقا نيل بعض التسامح من خلال الافتراض غير الاكيد اطلاقا بأن شارون سيتجاوز البند الاول الذي ذكرناه آنفا وسينفذ اخلاء المستوطنات.
والسؤال لماذا يقوم شارون بذلك؟
ان المشروع الاستيطاني الاسرائيلي في قطاع غزة قد فشل فشلا ذريعا حيث تبقى في مستوطنات القطاع ما يعادل 1700 عائلة يهودية تشكل 7200 نسمة مقابل اكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني في القطاع وذلك على الرغم من الميزانيات الهائلة التي جرى تكريسها لاغراض الاستيطان وعلى الرغم من استيلاء سلطات الاحتلال على ما يعادل 40 بالمائة من اراضي القطاع وعلى ما يعادل 50 بالمائة من المياه الجوفية فيه .
هذه المستوطنات اصبحت تشكل عبئا على الاحتلال من الناحيتين العسكرية والاقتصادية ولذلك فاخلاء المستوطنات في قطاع غزة (اضافة الى كونه مطلوبا فلسطينيا) الا انه حاجة اسرائيلية عسكرية واقتصادية.
وما دام الامر كذلك، فلماذا لا يستغل شارون هذا الاخلاء الضروري من ناحيته ليستعمله كغطاء لمشروعه التوسعي الحقيقي!!؟
ان مشروع شارون المركزي يتلخص في ثلاثة محاور: 1- القضاء على الحركة الوطنية الفلسطينية، 2- القضاء على امكانية اقامة دولة فلسطينية حقيقية قادرة على الحياة ومتواصلة جغرافيا وتصفية الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، 3- ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة الى اسرائيل.
وهكذا فإن حصار القيادة وسياسة التصفيات ووضع الكفاح المشروع للشعب الفلسطيني في خانة الارهاب بدعم امريكي فاقع يؤدي الغرض في المحور الاول.
وسياسة الحواجز ومسار الجدار وتكثيف الاستيطان وبالاخص المشروع الاستيطاني الرهيب بين معاليه ادوميم وبين القدس ومصادرة الاراضي الفلسطينية وملاحقة الزيتون والزراعة ومصادر المياه ومصادر المعيشة وتهويد القدس وشطب حق العودة يؤدي الغرض في المحور الثاني.
ومسار الجدار (ثانية!!!) يؤدي الغرض في المحور الثالث.
لذلك فان شارون يهدف الى تسليط الاهتمام الدولي والاقليمي والمحلي على موضوع غير اساسي وهو اخلاء المستوطنات في قطاع غزة لصرف النظر، بل اكثر من ذلك، ليشكل ذريعة لتمرير برنامجه الحقيقي بمحاوره الثلاثة.
ان تصريحات رئيس مكتب شارون، دوف فايسغلاس، حافظ سره ورسوله للمهمات الدقيقة ، في هآرتس (8.10.2004)، بان هدف خطة الفصل هو تجميد اية عملية سلام ووضعها في الفورملين (!!!!) وان التفاوض مع الفلسطينيين يمكن ان يبدأ فقط عندما يتحولوا الى فنلنديين (!!!)، تقول كل شيء في هذا الموضوع.
السؤال الثالث:
لماذا لا تعارضون برنامج شارون بمحاوره الثلاثة وتؤيدون خطة اخلاء المستوطنات؟
التصويت في الكنيست سيكون بالصيغة المذكورة آنفا، ولكن الانكى ان حكومة شارون قد ارفقت كتاب الضمانات الذي ارسله بوش الى شارون في 2004–4 –14 كملحق لقرار الكنيست، بمعنى ان التصويت سيكون على كتاب الضمانات ايضا، والذي يشمل: 1- لا عودة الى حدود الرابع من حزيران 67، 2- مراعاة الامر الواقع على الارض، أي تثبيت الكتل الاستيطانية في القدس وفي الضفة الغربية كجزء من اسرائيل، 3- حق العودة يكون فقط الى حدود الدولة الفلسطينية الممسوخة التي ستبقى بعد ضم الكتل الاستيطانية وبعد تقطيع الضفة الغربية في اطار مسار الجدار، 4- الاعتراف بان الجدار هو جدار امني..
فهل يمكن لاي فلسطيني عاقل او مؤيد حقيقي للسلام العادل ان يرفع يده تأييدا لهذا مشروع؟
السؤال الر ابع:
ألا يمكن أن تؤدي خطة الفصل (اعادة الانتشار) الى خلق ضغط دولي متصاعد على اسرائيل للقيام بالمزيد من الخطوات المماثلة في الضفة الغربية؟
أولا يجب النظر الى اصرار شارون على توقيت اقرار مشروعه قبل الانتخابات الامريكية، لأن ذلك يشكل تثبيتا لضمانات بوش المذكورة، بمعنى ان شارون قد دفع ثمنها، الأمر الذي سيلزم أية ادارة امريكية قادمة. وثانيا فإن ذلك من شأنه ان يساعد بوش في معركته الانتخابية.
ولكن في ما يتعدى مسألة التوقيت فإن خطة شارون حلّت محل خارطة الطريق المثقوبة اصلا، وعطلت دور الرباعية ووضعت شارون في موضع عالمي مريح ليظهر وكأنه يواجه الارهاب ويريد التقدم بالسلام، وكرّست الدور الامريكي كدور وحيد في معادلة المنطقة.
ولا شك ان شارون وأي رئيس حكومة قادم في اسرائيل سيستثمر "الصعوبات الداخلية" لتمرير خطة الفصل لمنع اية خطوات اضافية مستقبلية مستندا الى ارتفاع مكانة اسرائيل في المعادلة الاقليمية التي ترسيها امريكا في المنطقة، خاصة بعد احتلال العراق.
واذا كان هناك ثمة التباس فقد جاء الوزير العنصري تساحي هنغبي ليؤكد ان خطة الفصل هي اولا وهي اخيرا.
السؤال الخامس:
لماذا تتشددون ضد خطة شارون بينما القيادة الفلسطينية لا تبدي ذات القدر من التشدد؟
قبل عدة أيام قال لي القائد الفلسطيني الأخ ابو مازن (محمود عباس) في لقائنا في رام الله: نحن لا نستطيع ان نقول لشارون لا تنسحب من غزة، فهو يقوم بهذه الخطوات بشكل احادي الجانب، ونحن نقبل باخلاء أي شبر من ارضنا.
وهذا كلام صحيح ودقيق، ولكن في حديثي مع الأخ ابو مازن، وهو المشهود له بالمواقف المتزنة وبالرؤية الثاقبة، اتفقنا على ان قبول الاخلاء ليس كالتصويت على برنامج شارون بكافة مركباته، ونحن في الكنيست مطالبون بأن نرفع ايدينا ضد هذا البرنامج او معه، بينما القيادة الفلسطينية ليست مطالبة بذلك، ونحن نعلم ان اشقاءنا يحترمون خصوصية موقعنا.
السؤال السادس:
لو توقف اخلاء المستوطنات على اصواتكم في الكنيست فكيف ستسمحون لانفسكم بأن تفشلوا بمعارضتكم هذا الاخلاء، وأكثر من ذلك، فلو فشلت خطة الاخلاء في الكنيست فهذا يعني عدم تنفيذ الاخلاء، بينما المركبات الاكثر اجرامية في برنامج شارون تبقى قيد التنفيذ؟
لقد سألت عضو الكنيست حاييم رامون من حزب "العمل" في نقاش جاد لم يخلو من الحدة كان قد دار بيننا على هامش احدى جلسات الكنيست: "هل تعتقد ان شارون يرغب او يجرؤ على تمرير خطته استنادا الى اصواتنا مع زملائنا النواب العرب الآخرين"؟.
وكان جوابه بالنفي القاطع، وهو المقرب الى شارون وخطته.
الحقيقة اننا لم نكن بحاجة، لا أنا ولا زميلي النائب عصام مخول في ذلك النقاش بحاجة الى جواب رامون، لأننا كنا ندرك سلفا حقيقة الجواب على هذا السؤال.
إن شارون يريد اغلبية يهودية صهيونية لبرنامجه، بعد ذلك لا بأس إذا صوت النواب العرب الى جانب برنامجه لجعل الاغلبية كبيرة .
لذلك نحن لا نطعم انفسنا "جوزا فارغا"، وكأن شارون قد بدّل جلده، وهو مستعد لحسم مصير خطته استنادا الى اصواتنا، وهو الذي هاجم رابين المرة تلو المرة لأن حكومته استندت الى اصوات الجبهة والنواب العرب في حينه.
السؤال السابع:
كيف تقبلون بأن تلتقي معارضتكم لخطة شارون مع اليمين المتطرف مثل بنيامين ايلون وايتام وليبرمان وغيرهم؟
على نفس وزن السؤال لو أيّدنا خطة شارون فكيف سيلتقي "تأييدنا" للخطة مع غدعون عيزرا وتساحي هنغبي ونتنياهو وليفنات وشارون رجل المجازر والدماء.
لكن الموضوع يتجاوز المماحكة. فأولا: نحن لسنا جزءا من النقاش الدائر في معسكر اليمين، فمؤيدو ومعارضو الخطة في اليمين متفقون على البرنامج الكبير بمحاوره الثلاثة التي ذكرناها. الفرق بينهم يتلخص في ان شارون على استعداد لدفع ضريبة (اخلاء مستوطنات قطاع غزة) مقابل البرنامج الكبير اما المعارضين فهم غير مستعدين لذلك.
او لنقل ان شارون مستعد لتغليف المشروع الكبير لليمين الاسرائيلي بخطة الفصل، والمعارضون يريدون تنفيذه دون أي تغليف. ونحن بالضرورة لسنا جزءا من هذا "النقاش".
ثانيا، فإن صياغة الموقف تكون في مواجهة صاحب القرار الذي سينفذ قراره على الارض، لذلك فإن ميزان الموقف هو ما يطرحه شارون كرئيس للحكومة وليس ما يطرحه المعارضون الموجودون في المعارضة البرلمانية وليسوا في موقع القرار الرسمي.
ثالثا، ماذا كان علينا ان نفعل، عندما قدمت كتلتنا اقتراح نزع الثقة عن حكومة رابين على خلفية مصادرة الاراضي في جبل ابو غنيم في العام 1994، عندما انضم الى تأييد نزع الثقة رئيس المعارضة آنذاك بنيامين نتنياهو (بهدف اسقاط الحكومة)؟.
هل كان علينا تمرير مصادرة الاراضي في ابو غنيم لأن نتنياهو أيّد اقتراح نزع الثقة الذي قدمناه.
السؤال الثامن:
لماذا تعارضون "تحويل القرار الى الشعب" من خلال الاستفتاء الشعبي على خطة شارون؟
قبل عدة أيام اتصلت بي الشخصية اليسارية الجريئة والمعروفة، الصديقة شولميت الوني، وزيرة المعارف السابقة، وما ان رفعت سماعة الهاتف حتى انقضت عليّ بقولها: ماذا جرى لكم هل انتم اغبياء؟
فاتخذت خط الدفاع فورا وبدأت بشرح موقفنا المعارض لخطة شارون فقاطعتني قائلة، أنا لا أتحدث عن ذلك، فأنا افهم موقفكم ولكنني أتحدث عن فكرة الاستفتاء الشعبي، قلت : ما الأمر فنحن نعارض الاستفتاء الشعبي .
فلفتت انتباهي الى مقال كانت قد كتبته هي في الشهر الماضي في مواقع "واينت" على الانترنت، تحت عنوان: استفتاء شعبي، ولكن استفتاء أي شعب؟
والفكرة الاساسية التي حولناها لاحقا الى مشروع قانون طرحناه على الكنيست ، تقول بأنه لا يجوز استفتاء الشعب في الدولة التي تمارس الاحتلال حول مصير ومستقبل الاراضي المحتلة وحول مصيرالشعب الذي يعيش في هذه الاراضي.
وإذا كانت ثمة حاجة لاجراء استفتاء شعبي حول مستقبل المناطق المحتلة فيجب ان يكون في اوساط الشعب الذي يعيش في هذه المناطق اي الشعب الفلسطيني.
الى جانب ذلك وبما لا يتعارض معه، فإن فكرة الاستفتاء تأتي لاخضاع اسئلة مفصلية لممارسات شعبوية تعتمد الاثارة والتحريض والتضليل وهي تأتي لتتجاوزالحسم البرلماني ووضع علامة سؤال على الحياة البرلمانية وصلاحيتها في اتخاذ القرارات الصعبة والترويج العنصري لاستثناء المواطنين من المشاركة في حسم الموقف.
في الختام
هناك مواقف يصعب استبيان كنهها لكثافة غبار الحدث حينا او للزاجة المعاناة وتخثّر دم الضحية حينا اخر الا اننا لا نملك مساحة الخطأ في مفاصل المواقف وعلينا ان نكون قادرين على وضع اعيننا في اعين شعبنا عندما يسألنا ماذا فعلتم آنذاك ؟
(*) رئيس كتلة الجبهة الديمقراطية- الحركة العربية للتغيير في الكنيست